الداعية الفنانة \ هناء ثروت \


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

لم تكن فنانة ممثلة فحسب، بل كانت تتمتع بصوت عذب رطيب، وكانت كل الأدوار ذات البعد الإنساني الودود تسعى إليها سعياً، كما عملت بالإنتاج الفني لفترة محدودة..وفي قمة شهرتها وتألقها الفني، أعلنت الاعتزال نهائياً، وانخرطت وزوجها في العمل الدعوي بكل الطاقة والمثابرة.

أشهد لها أولاً منذ 15 سنة تقريباً.. وقد كنت أقوم بالتدقيق اللغوي للمسلسل التلفزيوني المصري \"نور الإسلام يشرق على العالم\" من تأليف محمود شعبان، وإخراج أحمد طنطاوي.. أنها كانت تؤدي فرائض الصلاة في وقتها، مهما أدى ذلك إلى إزعاج المخرج أحمد طنطاوي أو الممثلين المشاركين.. ونشهد لها جميعاً الآن.. بالجدارة والاستحقاق.. لأنها واحدة من السائرات على طريق النور.

إنها الفنانة المعتزلة \"هناء ثروت\" التي كان لنا معها هذا الحوار:

................. ؟

أسرتي والحمد لله مسلمة بالفطرة، وقد وجدت فيها التزاماً وتديناً، شأن معظم الأسر المصرية، خاصة أن جذور أسرتي تنتمي إلى صعيد مصر، حيث يسود الضبط والربط كل أفراد الأسرة، وبالتالي فقد كان عدم الالتزام هو الشيء غير الطبيعي، أما الأمر الطبيعي فقد كان أن ألتزم.

................. ؟

التحقت بمعهد التمثيل أول الأمر، بعد رفض شديد من الأسرة، وبعد تعهدات أمام الأسرة أن أكتفي بالدراسة فقط دون العمل بالفن، ويغفر الله لي، فقد كانت نيتي غير ذلك، وتفوقت في دراستي بشكل لافت للنظر، حيث كانت نيتي المبيتة أن أعمل بالفن، لكن من خلال إيماني بأن له رسالة سامية، ويمكن أن أقدم من خلاله القيم والمبادئ، وأن أحقق أهدافاً كنت أحلم بها وأنا صغيرة... ولكن!!

................. ؟

تبين عكس هذا تماماً، وسرعان ما تحطمت كل هذه الآمال، وتبددت هذه الطموحات، مما جعل بيني وبين عالم الفن حجباً وأسواراً عالية.. وكان عليَّ أن أقف وقفة صدق مع الله والنفس، وأن أختار.

................. ؟

كانت هناك مقابلات بين الفن كرسالة، والفن كسلعة وبين الفن كحرفة، وامتهان، وبين الفن كقيم ومبادئ، وبين طبيعتي وتكويني الخاص وما يمكن أن أقدمه كفنانة... وبين المطلوب مني كأنثى تحيا في الوسط الفني، وتطمح إلى النجومية، وهناك مقابلة أخرى بين رسالتي كفنانة ورسالتي كأم وزوجة، تحرص منذ الطفولة أن تغرس في أبنائها حب الإسلام كما نشأت هي.. خاصة بعد أن رزقنا الله - عز وجل - \"بإيمان وغفران\"... ثم رزقنا بعد ذلك \"بنوران\"... فقد كانت المفاصلة بين حياة وحياة، وبين رسالة ورسالة، وبين غاية وغاية.

................. ؟

للعلم.. الحقائق واضحة أمام أي إنسان عاقل، لكن الإنسان هو الذي يتعامى ويتجاهل.. فأنا مثلاً.. لا يزال في بيتنا \"قبلة\" للصلاة وكنا نؤدي الصلاة، ونصوم رمضان، ونسمي أبناءنا بالأسماء الإسلامية.. ولكن تجاهل الغاية الكبرى للإنسان، ورضوخه تحت ضغوط المفاسد والفتن تجعله يتعامى أحياناً، ويتجاهل حتى على نفسه، ويرضى بأن يعيش إسلاماً وراثياً... دون فاعلية أو إيجابية في فعل الخيرات وترك المنكرات.

في طريق النور

................. ؟

في إحدى الليالي، وأنا أعمل بإحدى المسرحيات... بعد العمل توقفت مع نفسي.. ودارت في ذهني مئات الأسئلة، ودار بيني وبين بعض الإخوة والأخوات حوار شديد اللهجة.. هل الفن حلال أم حرام؟ واختلفت الرؤى ووجهات النظر، وأراد بعض الإخوة والأخوات أن يؤكدوا أن الفن حلال.. فقلت لهم: الله أعلم!!.. ومن فضل الله علينا، أننا اتفقنا ليلتها أن نذهب لنستفتي \" نجم الدعاة \" الشيخ محمد متولي الشعراوي (1911 - 1998م)، وذهبنا أنا وزوجي محمد العربي، ومخرج المسرحية، ومعه مخرج آخر من التلفزيون، والأستاذ محمد نجم وزوجته، وبالطبع قمنا نحن النساء بتغطية رؤوسنا مراعاة لأدب المقابلة مع فضيلة الشيخ الشعراوي - يرحمه الله - وتطرق الحديث إلى الفن، والحجاب، والكثير من أمور المسلم المعاصر، خاصة الذي يعمل في هذا المجال الشائك، وما يتعلق به من سلوكيات وأموال وشهرة وغيرها.

وكان مما قاله الشيخ الشعراوي - رحمه الله -: الفن حلال، لكن يجب أن يكون الأمر واضحاً.. فكل شيء محرم في الواقع.. هو محرم كذلك في الفن.. فالنظرة، واللمسة، والتبرج، والإغراء، والإغواء، والزينة لغير الأزواج، أليس كل ذلك محرماً شرعاً، بالتالي فهو أشد حرمة في الفن، لأنه سيكون حراماً من فاعله أولاً... وأشد حرمه لإغرائه وإغوائه لغيره بهذا الحرام مرات أخرى.. فبأي حجة يمكن أن يستباح هذا المحرم شرعاً، ويصير حلالاً في الفن؟!!.. وكانت هذه المقابلة هي نقطة التحول.

................. ؟

عاهدت الله منذ هذه الليلة، وأشهدت الحضور على ذلك، أنني من الآن لا علاقة لي بالفن، ولن أعود إليه أبداً مرة أخرى، وندمت ندماً شديداً، وبكيت من حسرتي على ما فرطت في جنب الله.. وأكرر الحمد الضارع لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله.. وبدأت أنا وزوجي الفاضل \"محمد العربي\" في المشوار الذي كان يجب أن نبدأه من قبل... وكأننا عدنا إلى الإسلام من جديد... فالقرآن له مذاق آخر.. ولآياته فاعلية أخرى.. وكتب الحديث والتفسير والعقيدة والسيرة، كلما تعمقنا فيها، كأننا نكتشف الجواهر والكنوز التي بين أيدينا ونحن نجهل قيمتها ونفتقد متعتها وجمالها.

................. ؟

قلت لك إنني سيدة والحمد لله طوال عمري محتشمة في ملابسي، وكنت أحافظ جداً على اختيار أدواري، فأنا أعي تماماً... معنى أن يُعيرَّ أحد أولادي بي حين يكبرون... وللعلم منذ بدأت التمثيل، كان والدي يصاحبني في معظم الأعمال التي أؤديها أو أشترك فيها، وكانت هذه الصحبة تمثل الحصانة والمناعة التي كانت تحميني بعد رحمة الله - تعالى -.

................. ؟

أبداً.. فالحجاب ليس نهاية المطاف.. وبعض الأخوات اللاتي يحاولن قصر دور المرأة المسلمة على الزي الإسلامي.. أو على العبادات والفرائض.. هذا الدور مع صحته، لا يعدو أن يكون دوراً ضئيلاً جداً في رسالة المرأة المسلمة.. التي تمثل مركز الدائرة للأسرة المسلمة وبالتالي.. للأمة المسلمة كذلك.. فرسالتها واسعة جداً وفي غاية الأهمية.. خاصة في هذا الوقت الذي يحاول أعداء الإسلام فيه، استلاب المرأة من بيتها وأسرتها، بل واستلابها من شرفها وفضيلتها.. فكل امرأة مطالبة أولاً بوقاية نفسها ثم أهلها النار يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون (6) (التحريم).

ثم عليها بالتفقه في دينها، قرآناً وسنة، والقيام بواجبها الدعوي على كل المستويات المتاحة أمامها، ومعايشة كل القضايا الإسلامية في الصميم، فمن لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم.

معركة المفاهيم المقلوبة

................. ؟

المرأة الآن ضحية في حرب واسعة الأرجاء، يشنها عليها المضلون في كل مكان، لزحزحتها عن دينها أولاً، ثم الخروج بها إلى دائرة الغواية والفساد ثانياً.. وهذه الحرب تأخذ أسماءها تحت عدة مفاهيم مقلوبة مثل: تحرير المرأة، وحقوق المرأة، والتمكين للمرأة، والمساواة،... إلى أن وصلوا بها إلى هاوية الهلاك والعياذ بالله.. وتسهم في هذه الحرب بيوت الأزياء، والموضة التي يديرها ويقبع وراءها اليهود الصهاينة، وهذا مقرر بالنص في بروتوكولاتهم!

كما يسهم في هذه الحرب العلمانيون والمتغربون من المهزومين خلقاً وديناً، كما تسهم فيها وسائل الإعلام التي تقدم الهابطين في كل مجال على أنهم \"النجوم\"، وتقدم \"العرايا\" حتى من الفضائل.. على أنهم القدوة والأسوة.. ومن هنا، فالمرأة إن لم تكن في غاية الوعي والاتزان والتعقل... فإنها ستتحول هي وأولادها إلى مجموعة من \"الدمى\" و\"المساخيط\" التي تتلاعب بها الشياطين، وإذا فسدت المرأة.. فسدت الأسرة وفسد المجتمع بأسره.

................. ؟

هؤلاء أعماهم الجهل، وأضلهم الشيطان.. فالحجاب أمر إلهي.. فهل أوامر الله - عز وجل - أصبحت متطرفة، أو إرهابية؟!!

................. ؟

أتمنى من العائدين إلى الله جميعاً، أن تتجلى هذه العودة في السلوك الطيب، والكلم الطيب، وأن تتم داخل الفرد الملتزم عملية إحلال وإبدال كاملة، فتتحول الجفوة والغلظة إلى مودة ورحمة وتتحول الأثرة إلى إيثار، والأنانية إلى تعاون على البر والتقوى، فإن \"عمل رجل في ألف رجل، خير من قول ألف رجل لرجل\"، كما تقول الحكمة المأثورة.

................. ؟

أنا أحتفظ بصداقات نسائية واسعة.. وبيني وبينهن عاطفة صادقة ونبيلة... قل لا تمنوا علي إسلامكم بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان (الحجرات: 17).. وما استحق أن يولد من عاش لنفسه فقط.. فالأخت الداعية لابد أن تتوافر لديها كل شروط النجاح الاجتماعي أولاً، فمن أحبك أحب ما تدعو إليه.. والعكس صحيح.

................. ؟

أقول لهن جميعاً: أقبلن على الله.. وسترين السعادة الحقيقية، فإن \"للتوابين لذة، لو علمها الملوك لجالدوهم عليها بالسيوف\"، وإن العبد إذا أقبل بقلبه على الله - عز وجل -، أقبل الله بقلوب المؤمنين عليه حتى يرزقه حبهم ومودتهم.

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply

التعليقات ( 1 )

خصرناها فنانة بادوارها المحترمة و لكننا كسبنها

-

عبدالله مصطفي محمود فرج الله بخيت

15:23:24 2020-08-19

انها فنانة معاصرة متقنة في فنها و لكنها ادركت انا الاعتزل حكمة لها بصراحة انا احبها في الادوار الدينية فنانة لن تعوض شكرأ هناء ثروت