قصة موسى - عليه السلام -


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الخطبة الأولى:

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله..

أما بعد...

فاتقوا الله عباد الله، واعتصموا بحبله المتين وكتابه المبين فإن الله أنزل عليكم الكتاب العظيم لتتدبروا آياته وتعتبروا بقصصه فإنه كتاب عظيم فيه نبأ من قبلكم، وخبر ما بعدكم، وحكم ما بينكم: \"لَقَد كَانَ فِي قَصَصِهِم عِبرَةٌ لِأُولِي الأَلبَابِ مَا كَانَ حَدِيثاً يُفتَرَى وَلَكِن تَصدِيقَ الَّذِي بَينَ يَدَيهِ وَتَفصِيلَ كُلِّ شَيءٍ, وَهُدىً وَرَحمَةً لِقَومٍ, يُؤمِنُونَ\"(1).

 

أيها المؤمنون: إن الله - تعالى - قص عليكم في كتابه العظيم قصصاً كثيرة فيها عبر وعظات وكان من أعظم ما قصه الله علينا نبأ موسى وفرعون فهي أعظم قصص الأنبياء التي تذكر في القرآن ثناها الله أكثر من غيرها وذكرها في سور عديدة لينتفع منها أولو الألباب.

عباد الله أيها المؤمنون: إن مجمل ما ذكره الله في كتابه من نبأ موسى وفرعون: أن فرعون ملك مصر علا في الأرض وجعل أهلها شيعاً يستضعف طائفة منهم هم بنو إسرائيل يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم - عليهم السلام -، علا عليهم فرعون وتسلط يذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم فكان من أعظم المفسدين في الأرض والله لا يصلح عمل المفسدين فأخرج من هؤلاء المستضعفين من يبين لفرعون سوء عمله وضلال سعيه فبعث الله موسى - عليه السلام - فأوحى إليه وكلمه وناداه أن يا موسى إني أنا الله رب العالمين وأمدّه - سبحانه - بالآيات والسلطان المبين وشدّ عضد موسى بأخيه هارون فجعله نبياً من الصالحين ثم أرسله جلّ شأنه إلى فرعون ليدعوه إلى رب العالمين فقال فرعون مستكبراً معانداً: وما رب العالمين فأجابه موسى: \"رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرضِ وَمَا بَينَهُمَا إِن كُنتُم مُوقِنِينَ\"(2) فقال فرعون عدو رب العالمين لقومه: \"ألا تسمعون\" فرد عليه موسى معرفاً له بالله رب العالمين: \"رَبٌّكُم وَرَبٌّ آبَائِكُمُ الأَوَّلِينَ\"(3) فقال فرعون: \"قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرسِلَ إِلَيكُم لَمَجنُونٌ\"(4) فأجابه موسى: \"قَالَ رَبٌّ المَشرِقِ وَالمَغرِبِ وَمَا بَينَهُمَا إِن كُنتُم تَعقِلُونَ\"(5) و \"الَّذِي أَعطَى كُلَّ شَيءٍ, خَلقَهُ ثُمَّ هَدَى\"(6) و \"الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرضَ مَهداً وَسَلَكَ لَكُم فِيهَا سُبُلاً وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخرَجنَا بِهِ أَزوَاجاً مِن نَبَاتٍ, شَتَّى (53)كُلُوا وَارعَوا أَنعَامَكُم إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ, لِأُولِي النٌّهَى\"(7).

 

فلما انقطعت حجة فرعون وبان له من هو رب العالمين هدد موسى - عليه السلام - فقال: \"لَئِنِ اتَّخَذتَ إِلَهاً غَيرِي لَأَجعَلَنَّكَ مِنَ المَسجُونِينَ\"(8) فقال له موسى ليقطع حجته ويقيم البرهان على صدق ما يقول: \"قَالَ أَوَلَو جِئتُكَ بِشَيءٍ, مُبِينٍ,\"(9) فأراه من الآيات ما فيه بلاء مبين فلما جاءتهم آيات رب العالمين قالوا: \"هَذَا سِحرٌ مُبِينٌ (13) وَجَحَدُوا بِهَا وَاستَيقَنَتهَا أَنفُسُهُم ظُلماً وَعُلُوّا\"(10) \"وَقَالُوا مَهمَا تَأتِنَا بِهِ مِن آيَةٍ, لِتَسحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحنُ لَكَ بِمُؤمِنِينَ\"(11)

 

فأصر فرعون وقومه على الكفر بالله رب العالمين واستكبروا استكباراً فأغضبوا الله رب المشرق والمغرب رب العالمين فأوحى إلى موسى \"أَن أَسرِ بِعِبَادِي إِنَّكُم مُتَّبَعُونَ (52) فَأَرسَلَ فِرعَونُ فِي المَدَائِنِ حَاشِرِينَ. إِنَّ هَؤُلاءِ\" أي موسى وقومه \"لَشِرذِمَةٌ قَلِيلُونَ\" أي جماعة قليلة \"وَإِنَّهُم لَنَا لَغَائِظُونَ (56) وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ\"(12) فعبأ فرعون ملك مصر جيشه وجهز جنده لملاحقة موسى ومن معه من المؤمنين فخرج فرعون وقومه من مصر أرض الجنات والعيون والكنوز والمقام الكريم لقتل موسى ومن معه بغياً وعدواً فأدركهم فرعون عند البحر \"قَالَ أَصحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدرَكُونَ\"(13) أي سيدركنا فرعون وقومه فقال موسى وقد وثق بوعد رب العالمين: \"كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهدِينِ\"(14) فجاءه الوحي من رب العالمين \"أَنِ اضرِب بِعَصَاكَ البَحرَ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلٌّ فِرقٍ, كَالطَّودِ العَظِيمِ\"(15) أي كالجبل العظيم وسار موسى وقومه على ما فتح لهم في البحر من طرق وسلكوا ذاك الشق العظيم فلم يرتدع فرعون عن غيه بل مضى وسار بقومه فسلكوا هذا الطريق ولم يؤمنوا بالله رب العالمين رب موسى وهارون فلما توسطوا بين جبال الماء أطبق الله عليهم الماء فأغرقوا أجمعون \"فَمَا بَكَت عَلَيهِمُ السَّمَاءُ وَالأَرضُ وَمَا كَانُوا مُنظَرِينَ\"(16) \"وَحَاقَ بِآلِ فِرعَونَ سُوءُ العَذَابِ\" (17) بما كان يكفرون \"النَّارُ يُعرَضُونَ عَلَيهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً\"(18) إلى يوم يبعثون \"وَيَومَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدخِلُوا آلَ فِرعَونَ أَشَدَّ العَذَابِ\" \"وَمَا ظَلَمنَاهُم وَلَكِن كَانُوا أَنفُسَهُم يَظلِمُونَ\"(19) \"وَمَا ظَلَمنَاهُم وَلَكِن ظَلَمُوا أَنفُسَهُم فَمَا أَغنَت عَنهُم آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مِن شَيءٍ, لَمَّا جَاءَ أَمرُ رَبِّكَ وَمَا زَادُوهُم غَيرَ تَتبِيبٍ,. وَكَذَلِكَ أَخذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ القُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ\"(20).

 

فلا إله إلا الله الملك الحق المبين ينصر عباده المؤمنين وينتقم من الظالمين المكذبين فالحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين ولا عدوان إلا على الظالمين.

 

الخطبة الثانية:

أما بعد...

فيا أيها المؤمنون اتقوا الله - تعالى -واعتبروا بمصارع الغابرين وحسن عواقب الصالحين فإن الله قص عليكم هذه القصص لعلكم تتفكرون وعن الشر تنزعون وعلى الطاعة تقبلون فاقصص القصص لعلهـم يتفكرون.

 

عباد الله: إن نصر الله لأهل الحق آت لا محالة ولكن الله - تعالى -شرط لنصره شروطاً فقال: \"يَا أَيٌّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُركُم وَيُثَبِّت أَقدَامَكُم\"(21) وقال: \"والعصر (1) إِنَّ الإنسان لَفِي خُسرٍ, (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوا بِالحَقِّ وَتَوَاصَوا بِالصَّبر\"(22).

 

أيها المؤمنون إن هذه أمتكم أمة واحدة فما ذكره الله من نصر رسله السابقين وأوليائه الصالحين هو نصر لأهل الإسلام في كل زمان ومكان ولهذا فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - صام اليوم العاشر من محرم شكراً لله - تعالى -أن نصر موسى على فرعون فيه فإن النبي – صلى الله عليه وسلم - لما قدم إلى المدينة وجد اليهود يصومون هذا اليوم فسألهم عن سبب صيامهم فقالوا: يوم صالح نجى الله فيه موسى وقومه وأهلك فرعون وقومه فقال - صلى الله عليه وسلم -: ((أمتي أحق بموسى منكم وأمر بصيامه))(23) فصوموه أيها المؤمنون شكراً لله رب العالمين واتباعاً لسنة محمد خاتم النبيين وقد سئل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن صيام عاشوراء فقال - صلى الله عليه وسلم -: ((يكفر السنة الماضية))(24) رواه مسلم. فصوموه أيها المؤمنون واحتسبوا الأجر فيه عند الله - تعالى - واعلموا أن من السنة أن يصام معه التاسع لقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((فإن كان العام القابل إن شاء الله صمت اليوم التاسع))(25).

 

----------------------------------------

(1) سورة: يوسف: آية (111).

(2) سورة: الدخان: آية (7).  

(3) سورة: الشعراء: آية (26).  

(4) سورة: الشعراء: آية (27).

(5) سورة: الشعراء: آية: (28).

(6) سورة: طه: آية: (50). 

(7) سورة: طه: آية (53-54).

(8) سورة: الشعراء: آية (29).  

(9) سورة: الشورى: آية (30).

(10) سورة: النمل: آية (13-14).

(11) سورة: الأعراف: آية (132).

(12) سورة: الشورى: آية (52 ـ56).  

(13) سورة: الشعراء: آية (61).

(14) سورة: الشعراء: آية (62).

(15) سورة: الشعراء: آية (63).

(16) سورة: الدخان: آية (26).

(17) سورة: غافر: آية (45).

(18) سورة: غاغر: آية (46).  

(19) سورة: النحل: آية (118).

(20) سورة: هود: آية (101 ـ 102).

(21) سورة: محمد: آية (7).

(22) سورة: العصر: آية (1-3).

(23) أخرجه: ابن ماجه (1734) من طريق أيوب السختياني عن سعيد بن جبير عن ابن عباس، وصححه الألباني.

(24) مسلم (1162).

(25) مسلم (1134).

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply