بسم الله الرحمن الرحيم
سؤال:
أنا متزوجة من رجل دين وعلى خلُق (فيما يظهر لي وللناس) المشكلة: أنه بعد دخول الانترنت أصبح يدخل إلى الشات والمنتديات بحجة الدعوة إلى الله وتفريج كرب المسلمين، ثم أصبح التواصل مع هؤلاء الناس أكثر من المساعدة فقط، فقد أصبح هناك سؤال عن الأحوال الشخصية، وحتى الحالة النفسية، وتطور الأمر أكثر من ذلك فأصبح اتصال بالجوال، ورسائل بأنواعها، وتطور الأمر إلى السفر إليهم ومقابلة الجنسين بكل سهوله، والجلوس معهم، ومناقشة أمور الدين، وغيرها، وقد كنت أتحاور معه على هذا الموضوع باستمرار، ولكن دون فائدة، بل أصبح يخفي بعض الأمور بدعوى أنها حياته الشخصية، وعندما أوضح له أنه لا يجوز له مخاطبة النساء الأجانب والتحاور معهم على الأمور الشخصية: يتحجج بأن الشيوخ يفعلون ذلك ولا حرج، ويحثني على أن أنتبه للعائلة وأدعه في شأنه، وعند مناقشة هذا الأمر معه يقول: إن هذا أمر عادي، ولكن المجتمع السعودي متخلف، ومتحجر، ولا يفهم التطور ومحاورة الآخرين، وسوف يتقبل المجتمع ذلك كما تقبل الدش، والآن تعرَّف على امرأة من الانترنت، وقدَّم لها المساعدة، وأصبح يتابع أخبارها باستمرار، ثم سافر إلى بلدهم وقابل زوج صديقتها، ثم جلسوا مع بعض، وتناقشوا في عدة أمور، ثم رأى أن حل مشكلة هذه المرأة بالزواج منه، فعرض عليها الزواج، ثم بعد الرجوع إلى السعودية أخبرني أنه سيتزوج منها، وهو يسعى إلى إيجاد التصريح ولو دفع مال مقابل ذلك، وأصبحت أنا أتحمل مسؤولية تربية الأبناء وحدي (وقد كنت من الأول أنا أتحمل المسؤولية)، المشكلة كذلك أنه طوال الوقت مشغول بالعمل والدراسة، ونادر التواجد في البيت، وعند مناقشة هذا الأمر معه كان يقول إن في السلف من يغيب عن بيته بالسنوات، والمرأة هي من يقوم بالتربية وعند التحدث عن الانشغال أيضا بالزوجة الثانية يقول: لا، بل سينظم وقته، ويتفرغ لزوجاته وأبنائه، وأنا بصراحة أشك في ذلك، أنا لم أهمل زوجي، ولا نفسي، ولا أولادي، لكنني إنسانة لا أحب المجادلة، وكنت أثق فيه، ولم أتصور أن يتطور الأمر إلى ذلك، فقد أصبح همَّه، وعند سؤاله يخبرني بأن الله هو من يحاسبه. أفيدوني بارك الله فيكم ماذا أعمل؟
الجواب:
الحمد لله
أولاً:
إن للشيطان وسائل يسلكها ليصل إلى الإيقاع بعامة الناس، وله وسائل أخرى يصل إلى المقصود نفسه مع خاصة الناس من أهل العلم والدعوة والعبادة. وصدق النبي - صلى الله عليه وسلم -: (مَا مِنكُم مِن أَحَدٍ, إِلَّا وَقَد وُكِّلَ بِهِ قَرِينُهُ مِن الجِنِّ قَالُوا وَإِيَّاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ وَإِيَّايَ إِلَّا أَنَّ اللَّهَ أَعَانَنِي عَلَيهِ فَأَسلَمَ فَلَا يَأمُرُنِي إِلَّا بِخَيرٍ,) رواه مسلم (2814)، وهكذا يدخل اللعين لكل هدف، من الباب الذي يلائمه! فيزين له أعماله حتى يحسب أنه يُحسن صنعاً، ولا يزال به حتى يوقعه في المعاصي والمنكرات.
ولو عقل هؤلاء الخاصة شرع الله - تعالى -لانتبهوا لأنفسهم، فإن الله - تعالى -قد نهانا عن اتباع خطوات الشيطان، ولم ينهنا عن اتباع الشيطان مباشرة! قال - تعالى -: (يَا أَيٌّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيطَانِ وَمَن يَتَّبِع خُطُوَاتِ الشَّيطَانِ فَإِنَّهُ يَأمُرُ بِالفَحشَاءِ وَالمُنكَرِ) النور/من الآية 21، وقال: (وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيطَانِ إِنَّهُ لَكُم عَدُوُّ مُبِينٌ) البقرة/ من الآية 168 من الآية 208، والأنعام / من الآية 142.
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي - رحمه الله -:
وخطوات الشيطان يدخل فيها سائر المعاصي المتعلقة بالقلب، واللسان، والبدن، ومن حكمته - تعالى -أن بين الحكم، وهو: النهي عن اتباع خطوات الشيطان، والحكمة، وهو بيان ما في المنهي عنه من الشر المقتضي، والداعي لتركه فقال: (وَمَن يَتَّبِع خُطُوَاتِ الشَّيطَانِ فَإِنَّهُ) أي: الشيطان (يَأمُرُ بِالفَحشَاءِ) أي: ما تستفحشه العقول والشرائع، من الذنوب العظيمة، مع ميل بعض النفوس إليه، (وَالمُنكَرِ) وهو ما تنكره العقول ولا تعرفه، فالمعاصي التي هي خطوات الشيطان لا تخرج عن ذلك، فنهي الله عنها للعباد نعمة منه عليهم أن يشكروه ويذكروهº لأن ذلك صيانة لهم عن التدنس بالرذائل والقبائح، فمن إحسانه عليهم أن نهاهم عنها، كما نهاهم عن أكل السموم القاتلة ونحوها. \" تفسير السعدي \" (ص 563).
ونهانا ربنا - تعالى -عن أن نقرب الزنا، ولم ينهنا عن الزنا مباشرة! قال - تعالى -: (وَلا تَقرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً) الإسراء/32.
وعندما يريد الشيطان أن يوقع خاصة الناس في المعصية: فإنه يأتيهم من باب الطاعة! فيبدأ الأمر من الترغيب برعاية الأرملة والمسكينة، ولا يزال يتطور الأمر، فيبدأ بالعناية بأحوال تلك النساء من بُعد، ثم لا يزال يقترب بالكلام، ثم النظر، ثم الجلوس والانبساط في الحديث، إلى أن يقع الإعجاب، ثم يحصل ما لا يُحمد عقباه.
وله طرق أخرى، ومنها: الدعوة إلى الله! فيبدأ الأمر على أنه نصح عام للمسلمين، ثم يبدأ بتخصيص نصحه ودعوته لبعض الخاصة، ثم لا يفرِّق في هذا بين ذكر وأنثى، ثم يبدأ مشواره مع النساء بالكلام المحتشم، ثم بالأسئلة الخاصة، فالمزح، فالإكثار من المراسلة، ثم ينتقل إلى الحديث بالصوت، ثم بالصوت والصورة، ثم باللقاء، ثم يحصل ما لا يُحمد عقباه، وكل ذلك الطريق الذي سلكه كان من خطوات الشيطان الذي نهاه الله عن اتباعها، وكل ذلك كان من \" قربان \" حدود الله التي نهاه الله عن قربانها، فزيَّن له الشيطان عمله، وأوهمه أنه يدعو إلى الله، وأن هذا من نفع المسلمين، ومن تعليم الجاهلين، ومن تنفيس الكربات، وتفريج الهموم، ولا يزال يزين له أعماله حتى يوقعه في الموبقات.
وإننا لنأسف على إخوة وأخوات عرفناهم من أصحاب الهمم والطاقات في الخير، ثم صار حالهم إلى بُعد عن الله - تعالى -، ووقوع في الفواحش والمنكرات، ومعظم النار من مستصغر الشرر، فلم ينتبه هؤلاء إلى أول خطواتهم في طريق المعصية، ولم ينتبهوا لأنفسهم وقلوبهم وتغيرها، ولن يلتفتوا لإيمانهم وضعفه، وكل ذلك جعله الله - تعالى -إشارات ينتبه بها الغافل، ويستيقظ بها النائم.
وينظر سؤال: (60269)
ثانياً:
وما حصل من زوجك هو مما ذكرناه قطعاً، والفتنة التي وقع بها واضحة المعالم، وكلامه فيه مغالطات وتجنٍّ,، وكل ذلك من أجل أن يقنع نفسه أنه ليس بمخطئ، ومن ذلك:
1. إخفاء تصرفاته عنكِ، ودعواه أنها \" حياته الشخصية \"! ولو كان يفعل الخير، ويرجو ثوابه عند الله - تعالى -لشاركك في دعوته، واستشارك في كيفية تعامله مع النساء على الأقل -، وقد أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - بأن الإثم هو \" ما حاك في الصدر وكرهتَ أن يطلع عليه الناس \" وهو عين ما كان يفعله.
2. زعمه في تسويغ تصرفاته أن \" الشيوخ يفعلون ذلك ولا حرج \"! هو من تجنيه عليهم، وإذا كان \" الشيوخ \" يخفون تصرفاتهم وأحوالهم مثل ما يفعل فكيف وصل له الخبر أنهم يفعلون مثل فعله؟! وإن كان الشيوخ يخاطبون النساء ويرشدونهم فبالطريقة الشرعية لا بطريقته هو، فلا يصح له الاستدلال بفعلهم، فلا هو بالذي فعل مثل فعلهم، ولا هم فعلوا فعله كما زعم عليهم.
3. زعمه أن \" المجتمع السعودي متخلف ومتحجر ولا يفهم التطور ومحاورة الآخرين \": هو من تلبيس إبليس عليه، فإذا كان الواقع كما يقول: فلماذا لا يسمح لكِ بمخاطبة الرجال الأجانب كما يفعل هو مع النساء الأجنبيات؟! وهل يسمح لابنته بأن تخاطب من تشاء من الرجال في الإنترنت وفي حياتها؟! فإن كان يسمح في الحالتين فهو ديوث، رضي بالدياثة لنفسه خلُقاً، وإن كان لا يسمح وهذا ما نعتقده -: فهو متناقض، لأن ما أنكره على المجتمع السعود من التخلف والتحجر قد وقع هو فيه.
4. زعمه أن في السلف \" من يغيب عن بيته بالسنوات \": نعم صحيح، لكنهم كانوا يغيبون لطلب العلم، والجهاد، لا لملاحقة النساء وإشباع الرغبات الفاسدة!.
5.وزعمه أن \" المرأة هي من يقوم بالتربية \": زعم باطل، بل مسئولية مشتركة على الأب والأم، والنبي - صلى الله عليه وسلم - جعل الأب راعياً في بيته ومسئول عن رعيته: (والرجل راع في أهل بيته ومسئول عن رعيته)، فماذا سيقول لربه - تعالى -إن سأله عن رعيته؟!.
6. قوله \" بأن الله سيحاسبه \": نعم، لكنه حساب يترتب عليه الثواب والعقاب، وثمة حساب في الدنيا على تصرفاته، ويجب أن يُحاسب نفسه أولاً، ويجب أن يقبل من غيره محاسبته على تصرفاته، فهو عبد لله - تعالى -، وهو زوج، وأب، وثمة مسئوليات شرعية، ودنيوية عليه، ويجب عليه الانتباه لها، وقبول محاسبة غيره عليها.
إن هذا المنطق الغريب الذي يتكلم به زوجك \" إن الله سيحاسبه \" يريد من ورائه هدم قاعدة من أعظم قواعد الدين، فـ \" الدين النصيحة \" كما قال - صلى الله عليه وسلم -، ويريد تعطيل شريعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (وَالمُؤمِنُونَ وَالمُؤمِنَاتُ بَعضُهُم أَولِيَاء بَعضٍ, يَأمُرُونَ بِالمَعرُوفِ وَيَنهَونَ عَنِ المُنكَرِ) التوبة/71
7. إن ما يدعوك إليه من الانتباه إلى العائلة وتركه في شأنه ترك لسبيل المتقين (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوا إِذَا مَسَّهُم طَائِفٌ مِّنَ الشَّيطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُم مٌّبصِرُونَ) سورة الأعراف/201، لقد ترك خير الكلام الذي هو ذكر الله - عز وجل -، وردّ نصيحتك، بل ونهاك عنها: (إن أحب الكلام إلى الله أن يقول العبد سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك. وإن أبغض الكلام إلى الله أن يقول الرجل للرجل اتق الله فيقول عليك بنفسك) وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة
ثالثاً:
والذي ننصحكِ بفعله:
1. مداومة نصحه وتوجيهه وتذكيره، وليكن ذلك بالأسلوب الحسن، والحجة القوية، وذكريه بأيام استقامته، وحذريه من خاتمة السوء، وأعلميه بأن الله - تعالى -قد يبتليه في عرضه، كما يفعل هو بأعراض الناس. وفي مأثور الحكم: (ومن هتك حجاب أخيه، انتهكت عورات بنيه)
2. أكثري من الدعاء له، واحرصي على الأوقات الفاضلة كثلث الليل الآخر، واحرصي على الأوضاع الفاضلة كالسجود، فأكثري فيه الدعاء له.
3. ولا بأس بإخبار بعض إخوانه في الله ممن يوثق بدينه وخلقه ممن يثق بهم ويحترمهم، وليكن ذلك من غير مباشرة منك، ولا تصريح بأفعاله، فيخبر ذلك الثقة بأن صاحبه قد نقصت استقامته، وبدأ حاله بالتغير، ونحو ذلك الكلام المجمل.
4. ونرى أن تعينيه على التزوج بأخرى، فلعلَّ ذلك أن يشغله عن تتبع النساء، وإهدار وقته فيما لا ينفع، وقد يطفئ الزواج شهوته، ويرجعه لدينه وعقله، فلا نرى لك الوقوف في وجهه إذا عزم على هذا الأمر، وأعلميه أنك ترضين بالزواج لأنه حلال، وتخالفينه في أفعاله تلك لأنها حرام.
ونسأل الله - تعالى -أن ييسر أمرك، ويفرِّج كربك، وأن يهديه ويصلح باله.
والله الموفق.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد