بسم الله الرحمن الرحيم
السؤال:
بدأ إيماني يضعف وبدأ الشك يسيطر علي في الذات الإلهية و في الجزاء على الأعمال... ساعدوني للتغلب على هذه المشكلة.
الإجابة:
أولاً: نشكرك ـ أخي الكريم ـ على تواصلك وسؤالك، وطلبك الإجابة قبل أن يستفحل الأمر، وإني لأرى هذا من توفيق الله لك ـ إن شاء الله - تعالى -ـ.
ثانياً: من المهم ـ وفقك الله ـ أن تستحضر أن الله - تعالى -ما أنزل داءً ـ لا حسياً ولا معنوياً ـ إلا وأنزل له دواء.
ثالثاً: نقص الإيمان، وفوات لذة الطاعة، وعدم الاكتراث بها مصيبة من المصائب العظيمة، وقد قال - سبحانه -: \"وَمَا أَصَابَكُم مِن مُصِيبَةٍ, فَبِمَا كَسَبَت أَيدِيكُم وَيَعفُو عَن كَثِيرٍ,\" [الشورى/30]) فعليك ـ أخي ـ أن تفتش في الأسباب التي أدّت بك إلى هذه الحال، فأنت أدرى الناس بها.
ارجع ـ أخي الكريم ـ بذاكرتك إلى الوراء ثلاث سنوات أو أكثر، تذكر تلك اللحظات الإيمانية، وساعات الصفاء والأنس التي كنت تنعم بها، ما سبب وجودها في تلك المدة؟ وما سبب فقدها أو ضعفها في هذه المدة؟! فإن هذا مفتاح مهم للوصول إلى حل مشكلتك.
رابعاً: دخول الشيطان على العبد في باب الذات الإلهية، فهو علامة على قوة الإيمان ـ إن شاء الله ـ فقد تثبت في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أنه قال: نَاسٌ مِن أَصحَابِ النبي - صلى الله عليه وسلم - فَسَأَلُوهُ إِنَّا نَجِدُ فِي أَنفُسِنَا مَا يَتَعَاظَمُ أَحَدُنَا أَن يَتَكَلَّمَ بِهِ. قَالَ «وَقَد وَجَدتُمُوهُ». قَالُوا نَعَم. قَالَ «ذَاكَ صَرِيحُ الإِيمَانِ».
فاطمئن ـ أخي ـ من هذه الجهةº لأن الشيطان حريص على إغواء ابن آدم بشتى الطرق، فإن قدر عليه من باب الشهوات أهلكه، وإن عجز عن ذلك ـ لقوة إيمانه ـ دخل عليه من باب الشبهات، فيبدأ بإلقائها ورميها من أجل إيقاعه، فالحمد لله الذي جعل كيد الشيطان ضعيفاً، والحمد لله الذي جعل لنا في الشريعة مخرجاً وفرجاً، وهو ألا نلتفت إلى هذه الوساوس، وأن نستعيذ بالله من الشيطان وشره.
وههنا مسألة مهمة: وأنت حينما تستعيذ بالله من الشيطان ينبغي عليك جيداً أن تتذكر أن الشيطان عبدٌ من عباد الله، ناصيته بيد الله، وأن الله - تعالى -قادر على صد كيده عنك، وإضعاف شره، فبهذا اليقين المهم ستجد قوة عجيبة تملأ قلبك وأنت تستعيذ بربك العظيم القوي القدير من كيد الشيطان الضعيف الحقير.
خامساً: أما مسألة الحساب والثواب على الأعمال، فالجواب عنها سهلٌ جداً ـ بحمد الله ـ فإن الحساب دلّ على ثبوته العقل والشرع:
أما العقل: فإن الخلق ـ في هذه الدنيا ـ يقع من أكثرهم ظلمٌ، فإما أن يتركوا بلا حساب، وهذا ظلمٌ يتنزه عنه عقلاء البشر، فضلاً عن الرب الكريم، وإما أن يكون لهم موعدٌ سيأخذ كل واحد حقه، وهذا هو المتعين، وهو المطلوب هنا، وإلا لكان خلق الخلق عبثاً، وحاشا لله - تعالى -من ذلك، وسيتضح هذا الوجه في الدلالة الشرعية على هذا المعنى.
وأما الشرع: فالأدلة فيه كثيرةٌ جداً، وسأكتفي منها بما يوضح المقصود، والله الهادي - سبحانه -.
يقول الله - تعالى -: \"أَفَحَسِبتُم أَنَّمَا خَلَقنَاكُم عَبَثًا وَأَنَّكُم إِلَينَا لَا تُرجَعُونَ (115) فَتَعَالَى اللَّهُ المَلِكُ الحَقٌّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبٌّ العَرشِ الكَرِيمِ (116)\" [المؤمنون/115، 116])، فانظر كيف نزّه الله - تعالى -نفسه عن أن يكون خلق الخلق عبثاً، وأنهم لا يمكن أن يكونوا بغير رجوع إليه ولا حساب؟!.
وقال - سبحانه - لنبيه: \"إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيكَ القُرآَنَ لَرَادٌّكَ إِلَى مَعَادٍ,\" [القصص/85]) والسؤال: كيف يفرض القرآن؟ وكيف يفرض العمل به، ثم لا يكون هناك معاد نحاسب على مدى تنفيذنا لما فرض علينا في هذا القرآن؟ هذا لا يمكن أن يكون.
وتأمل كم في القرآن من الآيات التي تدل على أن الله وعد المحسنين خيراً، وتوعد المسيئين شراً \"وَعدَ اللَّهِ حَقًّا وَمَن أَصدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا\" [النساء/122]).
واستمع لهذا الحوار بين أهل الجنة وبين أهل النار حينما بلغوا منازلهم التي حقت لكل منهم: \"وَنَادَى أَصحَابُ الجَنَّةِ أَصحَابَ النَّارِ أَن قَد وَجَدنَا مَا وَعَدَنَا رَبٌّنَا حَقًّا فَهَل وَجَدتُم مَا وَعَدَ رَبٌّكُم حَقًّا قَالُوا نَعَم فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَينَهُم أَن لَعنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ \" [الأعراف/44]).
آمل أن تجد فيما ذكرته لك حلاً لمشكلتك، راجياً أن تبشرنا بتحسن حالك إن شاء الله.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد