كيف أجعل رمضان فرصة لصلة رحمي المقطوعة ؟!


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

السؤال:

تسوء علاقتي يوما بعد يوم مع والدي وعائلتي، بسبب الشجارات المتكررة، مما تسبب في قطع الرحم بيننا، وأنا تحدوني رغبة داخل نفسي دائما بالاعتذار لهم..فكيف أستغل تلك الأيام في صلة رحمي؟

 

الإجابة:

الحمد لله غافر الذنب، وقابل التوب، شديد العقاب، الفاتح للمستغفرين الأبواب، والميسر للتائبين الأسباب، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

فأستهل إجابتي على سؤالك، بأن أبشرك بأن ما لمسته في سؤالك، من رغبة جارفة في عقد مصالحة، مع والدك وأرحامك، والانتصار على الشيطان، وبدء صفحة جديدة مع الله، لهو دليل على يقظة الإيمان في قلبك، فأبشر أخي واحمد الله على هذا الإحساس الإيماني الذي يدلنا بدرجة من درجات القرب من الله - عز وجل -.

وأستأذنك - أخي الحبيب- بأن أذكر نفسي وإياك بما أمرنا الله ورسوله به، وما نهانا عنه بشأن بر الوالدين وصلة الأرحام:

فقد أمرنا الله - عز وجل - بطاعة الوالدين، وبرهما، فقال - تعالى -في الدستور الخالد، والكتاب الناسخ، (القرآن الكريم): \" وَاعبُدُوا اللهَ وَلاَ تُشرِكُوا بِهِ شَيئًا وَبِالوَالِدَينِ إِحسَانًا.. \" (36/ النساء). وقال أيضاً: \"وَقَضَى رَبٌّكَ أَلاَّ تَعبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالوَالِدَينِ إِحسَانًا إِمَّا يَبلُغَنَّ عِندَكَ الكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَو كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ, وَلاَ تَنهَرهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَولاً كَرِيمًا* وَاخفِض لَهُمَا جَنَاحَ الذٌّلِّ مِنَ الرَّحمَةِ وَقُل رَّبِّ ارحَمهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا (23- 24/الإسراء).

وأوصانا - سبحانه وتعالى - بالإحسان إليهما فقال تعالي: \"ووصينا الإنسان بوالديه حسناً\". (8/ العنكبوت). وقال أيضاً: \"ووصينا الإنسان بوالديهº حملته أمه وهناً على وهن، وفصاله في عامين، أن اشكر لي ولوالديك\". (14/ لقمان).

كما جعل النبي - صلى الله عليه وسلم - بر الوالدين، في منزلة تلي الصلاة على وقتها، وتربو فوق الجهاد في سبيل الله، فعن أبي عبد الرحمن عبد اللَّه بن مسعود - رضي الله عنه - قال: سألت النبي - صلى الله عليه وسلم - أي العمل أحب إلى اللَّه؟ قال: الصلاة على وقتها قلت: ثم أي؟ قال: بر الوالدين قلت: ثم أي؟ قال: الجهاد في سبيل الله\" (متفق عَلَيهِ).

وروى عبد اللَّه بن عمرو بن العاص - رضي الله عنه - قال أقبل رجل إلى نبي اللَّه - صلى الله عليه وسلم - فقال: أبايعك على الهجرة والجهاد، أبتغي الأجر من اللَّه - تعالى -. فقال: فهل من والديك أحد حي؟ قال: نعم بل كلاهما. قال: فتبتغي الأجر من اللَّه تعالى؟ قال: نعم. قال: فارجع إلى والديك فأحسن صحبتهما\" (متفق عَلَيهِ، و اللفظ لمسلم).

بل وتعجب النبي - صلى الله عليه وسلم - ممن أنعم الله عليه بإدراك والديه في حياتهما، ولم يحسن استثمار هذه الفرصة، فتكون سببا في دخوله الجنة، فقال - صلى الله عليه وسلم -: \"رغم أنف ثم رغم أنف ثم رغم أنف من أدرك أبويه عند الكبر أحدهما أو كليهما فلم يدخل الجنة\" (رواه مُسلِمٌ).

كما شدد القرآن في التحذير من عقوق الوالدين، ولو بنظرة، فقال - تعالى -: \".. إِمَّا يَبلُغَنَّ عِندَكَ الكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَو كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ, وَلاَ تَنهَرهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَولاً كَرِيمًا\"، بل وعد النبي - صلى الله عليه وسلم - من الكبائر، فعن عبد اللَّه بن عمرو بن العاص - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: الكبائر الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وقتل النفس، واليمين الغموس\" (رواه البُخَارِيٌّ).

 

وعنه - رضي الله عنه - أن رَسُول اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قال: من الكبائر شتم الرجل والديه! قالوا: يا رَسُول اللَّهِ وهل يشتم الرجل والديه؟ قال: نعم يسب أبا الرجل فيسب أباه، ويسب أمه فيسب أمه\" (متفق عَلَيهِ).

كما أمرنا - سبحانه - بصلة الرحم، وبين أن واصل الرحم مصيره نعيم الجنات، فقال - تعالى -: \".. وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيَخشَونَ رَبَّهُم وَيَخَافُونَ سُوءَ الحِسَابِ... أُولَئِكَ لَهُم عُقبَى الدَّارِ* جَنَّاتُ عَدنٍ, يَدخُلُونَهَا.... \" (21- 23 / الرعد).

وأعلى النبي - صلى الله عليه وسلم - من مكانة الرحم، تحفيزا على وصلها، فعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: الرحم معلقة بالعرش تقول: من وصلني وصله اللَّه، ومن قطعني قطعه الله\" (متفق عَلَيهِ).

كما ألبس النبي - صلى الله عليه وسلم - واصل الرحم حلة الإيمان، فقال: \" من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليصل رحمه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت\" (متفق عَلَيهِ).

وعد صلة الرحم من أسباب السعة في الرزق والبركة في العمر، فعن أنس - رضي الله عنه - أن رَسُول اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قال: من أحب أن يبسط له في رزقه، وينسأ له في أثره، فليصل رحمه\" (متفق عَلَيهِ).

وقد صحح النبي - صلى الله عليه وسلم - لنا المفهوم الخاطئ الشائع لدى عامة المسلمين عن صلة الرحم، بقوله: \"ليس الواصل بالمكافئ، ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها\" (رواه البُخَارِيٌّ).

كما جعلها صلة الأرحام أحد أربعة أبواب يدخل منهم العبد إلى الجنة، فعن أبي أيوب خالد بن زيد الأنصاري - رضي الله عنه - أن رجلاً قال: يا رَسُول اللَّهِ أخبرني بعمل يدخلني الجنة. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: تعبد اللَّه ولا تشرك به شيئاً، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصل الرحم\" (متفق عَلَيهِ).

 

أخي الحبيب:

هذا هو ما أمرنا به ربنا - سبحانه وتعالى -، في شأن بر الوالدين ووجوب طاعتهما، وفرضية صلة الرحم، وهذا أيضا ما نهانا الله ورسوله عن عقوق الوالدين وقطع الأرحام، والأصل أن المسلم مستسلم لأمر الله ورسوله وإن خالف هوى نفسه، قال - تعالى -: \" وَمَا كَانَ لِمُؤمِنٍ, وَلاَ مُؤمِنَةٍ, إِذَا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الخِيَرَةُ مِن أَمرِهِم وَمَن يَعصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَد ضَلَّ ضَلاَلاً مٌّبِينًا\" (36/ الأحزاب).

وحتى لا أطيل عليك أختم ردي عليك بالنصائح التالية: -

1- أغلق الصنبور: إن أولى خطوات الإصلاح هي وقف الفساد، وأول مراحل العلاج هي وقف النزيف، وأولى خطوات الإيمان (بالله) هي الكفر(بالطاغوت)، قال - تعالى -: \" فَمَن يَكفُر بِالطَّاغُوتِ وَيُؤمِن بِاللهِ فَقَدِ استَمسَكَ بِالعُروَةِ الوُثقَى لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ\" (256/ البقرة)، فسارع بالتوقف عن كل قول أو فعل من شأنه أن يساهم في توسيع الهوة بينك وبين أرحامك وفي الصدارة منهم والدك.

 

2- خصوصية الوالد: لو نحينا أوامر الله ورسوله بطاعة الوالدين جانبا وهي محل تقدير وإذعان- لكان لوالدك عليك حقوق كثيرة، يصعب حصرها، فهو سبب وجودك في هذه الحياة، وهو الذي أنفق عليك طيلة سنوات عمرك التي لم تذكرها لنا- وسدد عنك فواتير الطعام والشراب والنوم والدواء،..... إلخ، فلا أقل من أن تسدد ما عليك، فإن لم تكن مالاً فلتكن طاعة، وبراً.

3- رمضان فرصة: لا شك أن شهر رمضان فرصة سانحة، للوقوف مع النفس، وتصحيح المسار، فجوه الإيماني الرائع، يدفعنا للإكثار من الطاعات، والانتهاء عن السيئات، والقاعدة الشرعية أن (درء المفسدة مقدم على جلب المصلحة)، ولا شك أن عقوق الوالدين وقطع الأرحام في مقدمة المفاسد التي تعود على العبد بالضرر الكبير، فانتهز الفرصة وعجل بإعادة المياه إلى مجاريها، والأمور إلى نصابهاº زر والدك وقبل يده، واعتذر له عما بدر منك، وتعهد له بأنك ستفتح صفحة جديدة معه، نعم صفحة جديدة بيضاء بلا عتاب ولا لوم، وافعل مثل ذلك مع من تظن غضبه من أرحامه.

 

وختاماº

نسأل الله - تعالى -أن يوفقك لما يحب ويرضى، وأن يفقهك في دينك، وأن يعينك على طاعته، وأن يصرف عنك معصيته، وأن يرزقك رضاه والجنة، و يعيذك من سخطه والنار، وأن يهدينا وإياك إلى الخير، وأن يصرف عنا وعنك شياطين الإنس والجن إنه - سبحانه - خير مأمول.... وتابعنا بأخبارك لنطمئن إليك.

وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply