الدوافع المختلفة وراء التحرش بالمحارم


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

زنا المحارم..أو دخول الشيطان بيوت المسلمين، قضية خطيرة للغاية لا تقتصر أسبابها على ضعف الدين في قلوب من يقومون بهاº ولكنهم في حقيقة الأمر مرضى نفسيون، وأسرى أوضاع اجتماعية خاطئة تحتاج إلى نواقيس خطر تدق لتداركها، والحيلولة دون وقوعها في غفلة من الأسر المختلفة.

\"زنا المحارم\" حذّر منه رسولنا - صلى الله عليه وسلم - في جملة بليغة وقصيرة، لكنها لخصت كل ما يمكن أن يُقال في هذا الإطار بقوله: \"الحمو الموت\"، فالحمو قد يتحول إلى موت أخلاقي، أو إلى جريمة \"زنا المحارم\" كما أخبرنا نبينا الكريم في حالة التسيب وعدم وضع حدود للعلاقة بين المحارم.

(الإسلام اليوم) استطلعت رأي عدد من خبراء النفس والاجتماع حول القضية الخطيرة وتفسيراتهم العلمية والنفسية والاجتماعية لها، والأسباب التي قد تلعب دوراً في وقوعها.

في البداية يؤكد الدكتور أحمد المجدوب، خبير علم الاجتماع المصري في المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية أن البحوث التي قام بها ومنها بحث على (200) حالة من حالات زنا المحارم أثبتت وجود أسباب اجتماعية للقضية غير ضعف الوازع الديني والجهل منها إقامة المحارم معًا، وهو أمر يسهل وقوع الزنا بالمحارم.

ويقول: \"لاحظنا هذا في زنا الإخوة بالأخوات والآباء بالبنات، وأزواج الأمهات ببنات الزوجات والذي يمثل 76% من حالات زنا المحارم\".

وقد ترتفع النسبة إذا أضفنا من الأنماط الأخرى الحالات التي كانت الضحية تقيم فيها مع الجاني في مسكن واحد، مثل: الخال الذي يقيم مع الأخت وبناتها، والبنت المتزوجة التي تقيم هي وزوجها مع أسرتها وإخوتها\".

ويضيف أنه لاحظ أن مرتكبي زنا المحارم يعيشون في مساكن ضيقة، تعوق خصوصية الأفراد داخلها، كما أنهم من ذوي التعليم المنخفض، ويميلون لعدم التدين، كما أن غالبية الضحايا هن من الإناث من المتزوجات، أو من الأرامل والمطلقات، في حين أن الجناة الذكور غالبيتهم من غير المتزوجين.

ويضيف: لاحظنا أنه في نمط القرابة (الأخ - الأخت) الذين ارتكبوا زنا المحارم بلغت نسبة من يقيمون منهم في غرفة واحدة 30% إلى العدد الإجمالي للإخوة والأخوات الذين مارسوا هذه العلاقة الآثمة. أما الإخوة والأخوات الذين يقيمون في غرفتين فبلغت نسبتهم 40% يليهم الذين يقيمون في ثلاث غرف، وبلغت نسبتهم 20%، فالذين يقيمون في أربع غرف ونسبتهم 10%. وهكذا يكون الازدحام في غرفتين له نفس الأثر الذي يكون للازدحام في غرفة واحدة.

ويبين د. المجدوب أن اللاتي لا يقرأن ولا يكتبن من الضحايا نسبتهن 26.5%، في حين بلغت نسبة اللاتي يقرأن ويكتبن 28% انخفضت إلى 15% فيمن يحملن الشهادة الابتدائية، ثم إلى 13.5% لمن يحملن الشهادة الإعدادية، وإلى 13% للحاصلات على الشهادة الثانوية، في حين لم تزد نسبة الحاصلات على شهادة جامعية عن 4%.

ومن المقارنة بين الضحايا والجناة يتبين الارتفاع الملحوظ في نسبة من لا يقرأن ولا يكتبن عن مثيلتها لدى الجناة (26.5% مقابل 15%)، وكذلك ارتفاع نسبة من يقرأن ويكتبن عن مثيلتها لدى الجناة (28% مقابل 21%).

 

قلة التدين سبب جوهري

ويؤكد د. المجدوب أن التدين والصلاة أمر مهم جدًا في حجب هذه الظاهرة الكارثة، وأنه تبين له من خلال الدراسة أن اللاتي تورّطن في زنا محارم قالت 2.5% فقط منهن إنهن يصلين بانتظام، أما اللاتي يصلين أحيانًا فبلغت نسبتهن 31%، في حين بلغت نسبة اللاتي لا يصلين بالمرة 66.5%. وهو ما يشير لاتّساق إجابات الضحايا مع سلوكهن المشين، فغالبيتهن لا يصلين بالمرة، ونحو الثلثين يصلين أحيانًاº مما يفسر لنا: لماذا ارتكبن الجريمة البشعة، فلو كان لديهن وازع ديني قوي لامتنعن عنها، وبالذات كبيرات السن منهن كالأمهات والعمات والخالات وغيرهن.

وعن الالتزام بفريضة الصيام تشير الإحصاءات إلى أن الضحايا اللاتي أجبن بأنهن يصمن بانتظام بلغت نسبتهن 30%، أما اللاتي يصمن بغير انتظام فقد بلغت نسبتهن 37.5%، وانخفضت إلى 32.5% لمن أجبن أنهن لا يصمن بالمرة، وهو ما يشير غلى وجود ميل واضح نحو عدم التدين لدى ضحايا زنا المحارم ما يضعف الوازع الديني لديهن، بل يعدمه فيصبح إقدامهن على ارتكاب الجريمة سهلاً، إذا توافرت العوامل الأخرى التي تتفاعل فتؤدي إليه.

 

احذروا الدش والإنترنت!

ويحذر د. وائل أبو هندي الخبير النفسي من أن الأسر العربية بوجه عام تواجه أزمة كبيرة في التعامل مع المشكلات الجنسية لأفرادها، بسبب عدم قدرتنا على أن نتخيل أن بيننا أناساً سيغلبهم الشيطان، وننسى أن بيوتنا مخترقة بفضائيات، ومواقع إنترنت تشجع على زنا المحارم، وتدفع إليه دفعاً، وكل ذلك يقابله عدم القدرة على الالتزام بآداب البيت المسلم الذي يجسد كل معاني السكينة والأمان لكل من يعيش بين جدرانه.

ويؤكد أن جريمة \"زنا المحارم\" موجودة في مجتمعاتنا، ونقابل حالات حقيقية ممن وقعوا في براثنها داخل \"عياداتنا\" كأطباء نفسيين، وعلى الإنترنت في الاستشارات النفسية، ومن خلال الفضائيات، وبعض الكتب العلمية، وبعض المعالجات الصحفية، والمؤسف أن كل هذا التعاطي مع هذه الجريمة الكارثية \"زنا المحارم\" يقابل بالهجوم الشرس من قبل بعض من اعتادوا على سياسة دفن الرؤوس في الرمال، والمنادين بعدم التصريح بوجود مثل هذه الأمراض في مجتمعاتنا.

ويضيف أن هناك خلطاً في المفاهيم فيما يتعلق بهذه الجريمة، ما بين مفهوم زنا المحارم، وبين التحرش بالبالغين أو بالأطفال من ذوي المحارم، فزنا المحارم \"علاقة جنسية كاملة بين بالغين مكلفين من المحارم، كأخٍ, وأخت بالغين، أو أب وابنته البالغة، أو بين الأم وابنها... الخ، سواء كانت هذه العلاقة سرًّا بين اثنين في الأسرة، أو كانت معروفة لطرف ثالث فيها\". وينطلق هذا التعريف على خلفية التعريف الفقهي للزنا والذي يقول: \"الزنا هو تغييب البالغ العاقل حشفة ذكره في فرج امرأة - ليست من حلاله- عمدًا بلا شبهة، سواء أنزل أو لم ينزل\".

وهناك تعريفات أخرى لزنا المحارم في بعض المراجع العلمية تقول: \"إنه علاقة زنا بذوي (أو ذوات) المحارم\"، وكلمة ذوي المحارم ترد في هذه المراجع بمعنى من تربطهم بالشخص قرابة دم. وتترك لكل ثقافة تحددها حسب معتقداتها وتوجهاتها. وفي تعريف أكثر شمولاً يوصف زنا المحارم بأنه أي علاقة جنسية كاملة (أي تشمل الإيلاج) بين شخصين تربطهما قرابة تمنع العلاقة الجنسية بينهما طبقا لمعايير ثقافية أو دينية، وعلى هذا تعتبر العلاقة بين زوج الأم وابنة زوجته علاقة محرمة على الرغم من عدم وجود رابطة دم بينهما. وفي الثقافة العربية والإسلامية تحديد لذوي المحارم في آيات واضحات في القرآن الكريم، كما هو وارد في سورة النور. ونلحظ من التعريفات السابقة أنها اشترطت لكي نجزم بوقوع زنا المحارم عملية الإيلاج.

وعلى العكس يدخل مفهوم التحرش الجنسي سواء بالبالغين أو الأطفال بأنه: \"كل فعل يكون فيه مساس بجسد المجني عليه -سواء أكان ذكرًا أو أنثى- أو بمخيلته الجنسية كتعريضه للصور أو المناظر الجنسية الفاضحة، أو التلصص عليه، أو إجباره على التلفظ بألفاظ خارجة. وكل ذلك قد يدخل قانونيًّا وفقهيًّا تحت مسمى \"هتك العرض\".

 

الحمو.. الموت

ويشير الدكتور عمرو أبو خليل أستاذ الطب النفسي إلى أمر مهم في هذا الصددº إذ يشير إلى أن كثيراً من حالات زنا المحارم تحدث في دائرة من نطلق عليهم \"المحارم المؤقتين\"، كما في حالة أخت الزوجة، وأخو الزوج، وزوج الأخت، وزوجة الأخ، وخال الزوج، وخالة الزوجة أو بنت خالها وخالتها وغيرهم ممن على نفس الدرجة من القربº إذ يتم تخطي الحدود بين أطراف هذه القرابات.

ويضيف: \"عندما تحدّث الرسول الكريم عن عدم دخول الرجال على النساء قالوا: أرأيت الحمو يا رسول الله، فكان الرد المعجز والعبقري للرسول الكريم \"الحمو الموت\"، والحمو هم أقارب الزوج، ولم يجد الرسول كلمة تصلح لتجاوز الحد في العلاقة بين الأقارب إلا كلمة الموت، بما تحمله من إيحاءات الهلاك والدمار.

ويؤكد أن آثار كل هذا قد تكون أكثر تدميراًº لأن الأمر يتجاوز زنا المحارم إلى الغفلة والجهل، وتجاوز الحد الذي وضعه لنا رسولنا الكريم، فتكون النتيجة الحتمية هي موت مجتمعاتنا وتعرضها للهلاك، وتقطع لصلات الرحم، واختلاط للأنساب.

 

إهمال الوالدين

ويرجع د. أحمد عبد الله مدرس الطب النفسي المشكلة من البداية إلى إهمال الوالدين في رعايتهما للأبناء، فبعض الآباء يعتقدون أن الأبناء في مرحلة بداية الشباب يحتاجون لقدر أقل من الرعاية والملازمة، وأنهم يستطيعون تصريف شؤونهم بكفاءة أكبر من مرحلة الطفولة، وينشغل الآباء عنهم بمشاغل أخرى، ويتركون الأبناء لتدبير وترتيب حياتهم أو شؤونها، وكأن وظيفة الأب والأم توفير المأكل والملبس والمصاريف.. فقط!!

ويضيف: البعض الآخر يعتمد على ما غرسه في أبنائه من مبادئ وأخلاق في الصغر، ويغفل عن تأثير ما في المجتمع من مفاسد على الأبناء، وتأثير رفقاء السوء عليهم، فهذه الآفات قادرة على قتل ما زرعه الآباء، ما لم يتعهد الآباء زرعهم بالرعاية حتى يثمر الزرع، بل قد تتكفل جماعة أصدقاء السوء بتوجيه الأبناء إلى مسار آخر منحرف في غيبة الحوار والتفاهم والتواصل بين الآباء والأبناء.

ويؤكد د. عبد الله أن مداخل الفساد أكثر من أن نحصيها هنا، وبعضها قد يكون أداة في البيت مثل الأطباق اللاقطة للبث الفضائي، أو الفيديو، أو الإنترنت، ومنها ما يكون صديقاً للعائلة أو في المدرسة.

والسبيل الأنفع للتعامل مع هذه المصادر والمداخل كما يقول- ليس هو التضييق على الأولاد، وحركتهم، ومحاولة خنقها بغرض حمايتهم من الفساد، بل يكون أولاً بحسن رعايتهم وتربيتهم من الصغر بالقدوة، وبغيرها من وسائل التوجيه، وباستمرار الرعاية والحنان مع وصولهم لسن المراهقة التي يحتاج الأبناء فيها إلى عون أكبر، ولكن بنوعية مختلفة عن حاجاتهم في الطفولة: بقرب أكثر ذكاءً، وتفهم أعمق تناولاً، وبمرونة حكيمة، ومشاركة في المسؤولية، واحتواء على مفردات الحياة والأصدقاء، وإسداء النصيحة بهدوء، واحتواء المشكلات برؤية ثاقبة تدرك أن التوجيه المباشرة ليس هو أفضل الطرق للوصول إلى قلب وعقل المراهق.

ويشدد على أن نجاح الوالدين في مهمة التربية يتعرض لاختبار قاسٍ, في مرحلة مراهقة أبنائهم، وآية التوفيق في هذه المهمة أن يكون الوالدان أقرب إلى الأبناءº بحيث يجدون فيهما الصدر الواسع، والأذن المفتوحة، ويشعرون تجاههما بالثقة والاطمئنان، ويفزعون إليهما موقنين أنهم سيجدون دائماً الرأي الصائب، والعون المستمر.

أيضاً يحذر من (الفراغ) الذي يقول إنه \"أخطر آفات مرحلة المراهقة\"º لأن الطاقات الذهنية والنفسية والجسمانية تتضاعف، بينما المهام والمسؤوليات التقليدية من دراسة وغيرها تبدو أقل وأهون من أن تملأ العقل والقلب بما ينفع ويجذب، ويمتع ويفيد، وهنا تبدو مهمة من مهمات الأسرة في كفالة البرامج المناسبة لحل هذه المشكلة، وتجاوز هذه المعضلة.

ويشدد على أن هذه المشكلة (معضلة)º لأننا نعيش في عالمنا العربي ـ حالة من الفراغ، أو بالأحرى: الخواء الثقافي الذي تعشعش فيه خفافيش الظلام والفساد، وترتفع فيه جراثيم البطالة الروحية والعقلية، وهي جراثيم فتاكة يمكن أن تقضي على أمم كاملة، فما بالك بشاب غض الإهاب، أو فتاة خضراء العود؟

ومن جوانب التربية التي يغفل عنها كثير من الآباء والأمهات كما يقول - ما يتعلق بشؤون الجسد، والعلاقات الجنسية، وتجاهل الأسرة لهذا الجانب من التوعية، الأمر الذي أنتج أجيالاً يتلاعب بها الجهل وتشيع فيها البلايا والانحرافات بدءاً من المفاهيم الخاطئة، ومروراً ببعض الممارسات مثل: الاستمناء، وانتهاءً بعلاقة جنسية بين المحارم.

ويحذر د. أحمد عبد الله من تأثير هذا على النشء بدوره قائلاً: إن من ينتهك عرض أنثى أو ذكر في سن الطفولة أو المراهقة.. هذا الانتهاك لا يتوقف أثره عند لحظة الفعل، ولكن يظل علامة في التكوين النفسي، والذهني للمفعول به، وهنا أهمية دور ووظائف الأسرة أن تحمي وترعى!!

 

مجرم نفسي

ويقول د. عبد الله عمن يقوم بزنا المحارم: إنه يجب تسمية الأمور هنا بمسمياتها.. فالفاعل شخص مجرم منحرف نفسيًّا، مكبوت جنسيًّا غالبًا-، وفي البلدان التي تتكرر فيها هذه الحوادث، ويتعامل معها المجتمع بانفتاح وتفهم، هناك دعم نفسي، وعلاج طبي، وعون اجتماعي تتلقاه الضحية.

ولذلك يطلق د. عبد الله صيحة تنبيه إلى كل من يرعى طفلاً أن يحذر، وأن يحافظ ويحمي هذه الأمانة التي عنده، وهو مسؤول عن رعايتها، كما قال الرسول - صلى الله عليه وسلم -: \"كُلٌّكُم رَاعٍ,، وَكُلٌّكُم مسؤول عَن رَعِيَّتِه.. الحديث \".

 

  

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply

التعليقات ( 1 )

انتكاسات

-

محمد اسعد

21:58:26 2023-01-20

انتكاسات مجتمعاتنا العربية اجتماعيا واقتصاديا جعلت الشباب يميل نحو عدم الثقة بكل شيء حتى بخالقهم ،يغذي هذا كتابات عربية تميل الى الالحاد او ـ لا ادري ـ ثم القوانين المدنية حول تقنين الزواج ومنع التعدد واباحة الإجهاض .... واكتشاف الأنثى لما لم تكن تعيه وتعرفت عليه من التلفزة والنت ومجلات الجنس كل هذا حرك الغرائز وشجع التطاول المحرم ولا يمكن التغاضي عن أساليب الوعظ المنفرة والتي لازالت تغرف من ظلامية أزمنة بعيد عن سماحة الدين هي نفسها لعبت على نفوس الشباب ابتعادا عن الدين السليم