طفلتي عصبية المزاج


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

السلام عليكم، أنا أب أعيش بفرنسا وكل عائلتي هنا(أمي وأبي) ولِي بنت لها 4 سنوات، عصبية الطباع حيث آمرها بأن تفعل هذا أو ذاك فلا تبال بما أقول ولكنني متأكد أنها سمعت وفهمت حيث أنها تعود بعد مهلة لفعل ما قلت لها وهنا تدفعني إلى أن أفكر في شيء ما تريد أن تقوله لي بهذا التصرف ولكنني لا أفهم لماذا تفعل هكذا كل مرة؟ وأجد نفسي كل مرة أجيبها بأنها بنت طيبة ولكن ما أخافه هو أن أسيئ أو أن نسيء(العائلة) التصرف معها ومع الوقت تتحول إلى الأسوأ، وكيف تنصحوني إخوتي لمنهج سهل واضح أحاول على دربه تربية بنتكم المسلمة في هذه البيئة الفرنسية، مع العلم أننا الآن ولله الحمد لدينا هنا في المدينة ذات ال100الف نسمة أكثر من 8 مساجد ولكن مع ذلك فأغلب شباب المسلمين منحرف إلى أقصى ما تتصوروا فمثلا في الصباح الباكر لا أجد إلا أولاد المسلمين يتمايلون في الطرقات من السكر والضياع، وهذا هاجس كظِلّي يؤرقني، وبعد التوكل على ربي الكريم انتظر ردكم، مع العلم أن زوجتي مولودة هنا وبحكم الثقافة والمستوى الدراسي عنيت كثيرا والآن و لله الحمد وبفضله وفضل الوالدة التي كانت في كل مرة تقول لي ادعي لها واصبر حتى أصبحت الأمور بيني وبينها في الآونة الأخيرة على ما يرام وهي مُحتجبة وتبحث عن الأفضل إن شاء الله.

 

الإجابة:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..

أما بعد أيها المربي الفاضل بن ناصر..

يتضح لي من خلال قراءتي لخطابك أن سؤالك يتركز في محورين:

1. عناد طفلتك وهو ما فسرته بالعصبية.

2. كيف تحافظ على طفلتك في هذا المجتمع الغربي \" فرنسا \"

أما النقطة الأولى وهي عناد طفلتك..

بداية تعال عزيزي المربي نتعرف على العناد ونعرف كيف ينظر إليه خبراء التربية وهل هو بالنسبة لطفلتك سلوك مرفوض أم أنه سلوك إيجابي؟!!

العناد عند خبراء التربية هو \" موقف وسلوك يبنى على الإحساس بالاستقلالية الجزئية من جانب الطفل ونمو تصوراته الذهنية، فيقوم بممارسة هذه الاستقلالية بالرفض والاحتجاج والممانعة وإبداء الرأي المخالف. \"

وفي هذا يقول: د. إسماعيل إن العناد من اضطرابات السلوك الشائعة عند الأطفال، وجميع الأطفال يمرون في إحدى مراحل النمو لفترة سلوك العناد ومن الممكن أن يبقى هذا السلوك ثابتاً لدى بعد الأطفال. \"

إذن العناد قد يكون علامة إيجابية من ناحية كما أنه قد يكون صفة سلبية من ناحية أخرى.. أي أن العناد ظاهرة طبيعية يمر بها الأطفال في بداية عمرهم وفي مرحلة تكوين شخصياتهم ولكنها سرعان ما تزول عند الطفل السوي في حين تبقى وربما تتزايد عند الطفل غير السوي مشَكِّلة بذلك صورة سلبية للعناد..

إذن يمكننا عزيزي المربي أن نقسم العناد عند الأطفال إلى قسمين:

أولاً: عناد طبيعي \" إيجابي \"

ثانياً: عناد غير طبيعي \" سلبي \"

فأما العناد الغير طبيعي فهو ليس مجال حديثنا اليوم وذلك لأن طفلتك في الأعم الغالب لا تعاني منه..

وذلك لأني أرى أيها المربي الفاضل أن عناد طفلتك وإصرارها إنما هو علامة إيجابية وليست سلبية.. بل هو عناد طبيعي يمر به كل الأطفال في مقتبل عمرهم وتتكون حسب تعاملنا معه شخصياتهم.

تقول د. بثينة حسنين عمارة أستاذ علم النفس التربوي بالجامعة الأمريكية سابقاً \" إن ذروة العناد في الطفل تكون في سن الثانية والرابعة وهي الفترة التي يبدأ فيها الطفل تأكيد ذاته، ورفضه سيطرة الآخرين عليه وتسلطهم وكبتهم لرغباته \"

وتؤكد الدراسات أن خلو هذه المرحلة من سلوك العناد قد يؤدي إلى ضعف الإرادة والخضوع في المراحل التالية من النمو.

وهذا النوع من العناد ما يسميه التربويون عناد \" التصميم والإرادة \" وهو يعتبر نوعاً محموداً يجب تشجيعه ودعمه، ومثال ذلك عندما يحاول الطفل إصلاح لعبته مثلاً ويصر على ذلك مهما منعه الكبار.

 

كيف يمكننا أن نتعامل مع هذا النوع من العناد؟؟!

عندما يحاول الطفل ممارسة توكيد ذاته بالإصرار على موقفه والعناد، وإذا كان هذا القدر من الفعل أو رد الفعل غير مبالغ فيه فلابد من التساهل معه وتشجيعه لتعليم الطفل كيف يكون قوي الإرادة، وهناك متسع من الوقت ليتعلم الطفل أن العناد والتحدي ليس الطريقة المثلى لتحقيق المكاسب، وهذه مرحلة تالية، وهكذا يتعلم الطفل من خلال سلسلة من المراحل الإطار الواقعي للتعامل مع النفس ومع الآخرين.

ولكن استخدام أسلوب العقاب والصراخ مع الطفل في هذه المرحلة لن يكون إيجابيا بالمرة لأن الطفل في هذه المرحلة كما ذكرت لك أيها المربي الفاضل يكوّن شخصيته فاستخدام الأسلوب القاسي معه في هذه المرحلة سيكلفك أيها المربي الفاضل مفسدة من مفسدتين..

الأولى: أن يزداد الطفل في عناده.. وذلك لأنه يريد أن يثبت شخصيته ويشعر بالنجاح..

الثانية: أن ينكسر الطفل وتنهزم شخصيته وتكون النتيجة أن تضعف شخصية الطفل وتنهزم إرادته ليكون في المستقبل إنسان ضعيف الشخصية لا قيمة له لا إرادة له بل يكون وبكل حسرة على هامش الحياة.

 

وأما النقطة الثانية..

وهي كيف تربي طفلك في هذه البيئة الغربية فرنسا..

فأقول لك عزيزي المربي أبشر وكن واثقاً أن الله - سبحانه وتعالى - لن يضيعك ولن يضيع بنتنا الكريمة فالله خير حافظاً وهو أرحم الراحمين.. الله - سبحانه وتعالى - حفظ يونس في بطن الحوت.. لن يعجزه أن يحفظ بنتكم في قلب فرنسا.. وثواب تربية البنات ما أعظمه فكيف إذن بتربية بنتنا الكريمة في هذا المجتمع..

وقبل أن أذكر لك أخي الحبيب المنهج العملي التي تطلبه..

أريدك أن تحافظ على روح التفاؤل التي تكلمت بها عندما قلت أن فرنسا بها عدد كبير من المسلمين والمساجد..

ومن هنا يكون نقطة البداية في المنهج العملي..

والحقيقة أن هذا المنهج ليس فقط قابل للتطبيق في فرنسا بل هل في كل أرض وتحت كل سماء هذا المنهج الذي يعلمنا إياه ربنا- تبارك وتعالى -فيقول:

{وَاصبِر نَفسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدعُونَ رَبَّهُم بِالغَدَاةِ وَالعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجهَهُ وَلَا تَعدُ عَينَاكَ عَنهُم تُرِيدُ زِينَةَ الحَيَاةِ الدٌّنيَا وَلَا تُطِع مَن أَغفَلنَا قَلبَهُ عَن ذِكرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمرُهُ فُرُطًا} (28) سورة الكهف

الحقيقة لا أجد أبلغ من هذا المنهج..

نسأل الله - تعالى -أن يحفظ لك بنتك وأن يرزقك بها الجنة.. اللهم آمين..

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته..

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply