الخوف من الناس


  بسم الله الرحمن الرحيم

 الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

السؤال:

أرجو منكم مساعدتي في التخلص من الخوف من الناس، كيف يكون ذلك، وهل لا بد من الذهاب إلى الطبيب النفسي، علماً بأني أحب الله - عز وجل - وأحب رسوله محمد - صلى الله عليه وسلم -، وأحبكم في الله.

 

الجواب:

بالنسبة لمشكلتك التي ذكرتها وهي " الخوف من الناس "!! فإنك قد ذكرتها إجمالاً.. والتفصيل هنا مهم.. !! حيث لم تذكر أخي أحمد متى بدأت تلك المشكلة معك.. ؟ وكيف بدأت.. ؟! ومدى حدتها.. وعمقها منذ بدأت.. ؟!! أي [التاريخ التطوري للمشكلة] كما أنك لم تحدد أي نوع من الخوف يعتريك من الناس.. ؟ هل هو مقابلتهم.. ؟ أم التحدث أمامهم.. ؟ أم ماذا.. ؟!! وما هي الأعراض المصاحبة لهذا الخوف.. ؟ ولم تذكر لنا هل أنت تعمل.. ؟ وما هي طبيعة عملك.. ؟!! هذه أمور هامة جداً.. يجب معرفتها لتحديد كنه المشكلة و أسبابها.. والتعاون معك على علاجها. فالخوف المرضي أنواع ودرجات.. ولكنه بشكل عام وبتوفيق الله ثم باستشارة أهل الاختصاص.. والالتزام بتوصياتهم تم التغلب على الكثير جداً من أنواعه.. ولذلك فاستشارة ((الطبيب النفسي)) المسئول والمختص هامة جداً.. ولا بأس بها ولا حرج.. بل هي في مثل هذه الحال ((ضرورة ملحة)) خاصةً وأن الكثير من الأطباء النفسيين يتعاملون مع كم كبير من مثل هذه المخاوف.. ويحققون بفضل الله نتائج إيجابية رائعة.

وبشكل عام.. فأن الكثير من الناس لا يفرق بين "الخوف" و "القلق".. والحقيقة أنهما مختلفان.. فالقلق يعني التوتر وتوقع الخطر بشكل عام وعائم!!

بينما يعني الخوف.. القلق والرهبة من موضوع معين ومحدد!!!

وفيما يتعلق بالخوف من الظهور أو الحديث أمام جمع من الناس فهو ما يعرف بـ"الخوف الاجتماعي" أو "الرهاب الاجتماعي" وهو واسع الانتشار في مجتمعاتنا.. والعديد من الذين يراجعون العيادات النفسية يشكون من هذا الاضطراب (تصل نسبتهم تقريباً إلى 15% من المراجعين) وهذا الاضطراب له درجات من الشدة بعضها معطل للإنسان وطاقاته وقدراته.. !! حيث يمتنع المريض من المشاركة في المناسبات الاجتماعية.. !؟ أو انه يجلس صامتاً مرتبكاً ومتوتراً يتحين الفرصة للانسحاب.. وهو يبتعد عن الأضواء قدر الإمكان خشية أن يتكلم أو يُحرج إذا ما توجهت إليه الأنظار.. !! والمعاناة هنا شديدة ومؤلمة.. خاصة وأن الكثيرين من هؤلاء لديهم إمكانات عقلية ومهارات رائعة ولكنهم لا يستطيعون التعبير عنها أمام الآخرين.. !! وفي ذلك هدر للطاقات وضياع للمهارات والآراء المفيدة.. ؟!!

وتلعب التربية دوراً هاماً في تثبيت عدد من المخاوف واستمراريتها وأيضاً في نشوء بعضها الآخر.. حيث تساعد الاعتمادية الزائدة على الآخرين في ضعف الثقة في النفس وعدم تطوير قدرات التكيف والتعامل مع الأمور التي تبعث على القلق والخوف. !!

كما أن التخويف المستمر ووسائل العقاب الشديدة تترك آثارا عميقة ومستمرة في التكوين العصبي والنفسي للفرد حيث يستقبل معها أحداث الحياة وموضوعاتها بدرجة عالية من الترقب والتوجس وعدم الأمان!!!

وتعتمد أساليب العلاج بشكل أساسي على التعرض التدريجي أو الكامل للموقف المثير للخوف.. وهو ما يسمى (بإزالة الحساسية).. ويمكن للفرد نفسه أن يعالج نفسه بنفسه بأن يتبنى موقف المواجه و المهاجم بدلاً من الهروب والتجنب والدفاع.. ويبدو أن التدريب البسيط على التحكم بالتنفس.. والتنفس العميق الهادي.. أو إخراج الهواء من الصدر ثم سحب كمية كبيرة من الشهيق يساعد كثيراً على تماسك الإنسان.. وتخفيف قلقه وخوفه لأن الهواء مادة مهدئة تعاكس تأثير الخوف الذي يزيد من ضربات القلب ويجعل التنفس سطحياً غير عميق.. ويشكل ذلك سلاحاً طبيعياً فيسيولوجيا ً لمقاومة الخوف.

كما أن التفكير الإيجابي والتحكم بالأفكار التلقائية السلبية التي تظهر عند مواجهة الموقف المخيف.. له أكبر الأثر في مساعدة المريض على التخلي عن مخاوفه وتعديل أفكاره عنها. !!!

كما أن العلاج السلوكي النفسي يفيد كثيراً في مثل هذه الأمور.. ويستمر تأثيره الإيجابي أمداً طويلاً.. ويتضمن عدداً من التدريبات النفسية منها.. التدريب على الاسترخاء وتنمية القدرات الاجتماعية.. والتمرين على المواجهة العملية والتخيلية.. وغيرها.. وهي تدريبات طبقت كثيراً.. وذات نتائج إيجابية كبيرة.

أخي أحمد.. لا تجعل من نفسك محوراً للكون.. ولا تشغل نفسك عند لقاءك بالآخرين.. بمدى أهميتك عندهم وماذا يتصورونه عنك.. وأي انطباع ستتركه لديهم.. !!؟ وهل تراك أحسنت التصرف كما يجب أم لا.. ؟!! ولا تنشغل كثيراً بنفسك.. !! اخرج من دائرتك الضيقة إلى دوائر أخرى أكثر سعة ورحابة.. شارك في بعض الأحاديث والحوارات المطروحة.. حتى ولو بشكل جزئي.. ولا تعتقد أن من تلتقيهم لا يشغلهم إلا أنت..هيئتك وطريقة حديثك..!! بل أن عند كل منهم من خصوصياته ما يشغله عما سواه.. حتى وأن انشغل بغيره قليلاً.. !!!

ثق بالله.. ثم بنفسك.. وتأكد أنك لست أقل قدراً من الآخرين.. وأن لديك من الإيجابيات ما يجعلك تفوق أكثرهم قيمة وقدراً ولا تتردد يا أخي أبداً في استشارة ((الطبيب النفسي)).. وفقك الله.. وثبتك على الحق.. وزادك من اليقين والتوفيق والسداد إنه ولي ذلك والقادر عليه.

 

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply