الانتباه ..


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

 

الانـتـبـاه:

إن الانتباه إلى شيء معين أو فكرة ما، يتطلب قدرة على حصر النشاط الذهني في اتجاه معين مدة من الزمن. ويتفاوت الأفراد فيما بينهم من حيث مدى الانتباه، أي من حيث قدرتهم على استيعاب أوسع دائرة ممكنة من الأمور، ومن حيث مدة الانتباه، أي من حيث قدرتهم على حصر الذهن أطول وقت ممكن

وغير خاف أن ذلك نشاط ذهني يتطلب قدرة على التحكم في النشاط الانفعالي، وتوجيهه وجهة معنية، الأمر الذي يتوقف على مدى تحرر المرء من المنبهات الخارجية المتعددة.ويتصل لانتباه اتصالا وثيقا بالقدرة على الاحتفاظ بالمعلومات القديمة واسترجاعها وأن العجز عن استرجاع خبرة ما، لا يكون دائما دليلا على ضعف الذاكرة. بل إن النسيان قد يرجع إلى عوامل نفسية . فقد تبين من التحليل النفسي أن المرء بطبيعته يميل إلى نسيان الخبرات التي تثير في نفسه الألم (خجلا كان، أم شعورا بالذنب، أو استشعارا للنقص) . والنسيان في هذه الحالة هو الكبت وقد يكون العجز راجعا إلى قصور في القدرة على الانتباه. (المليجي، 1971).

وتعتمد كثير من الأفكار المعاصرة حول الانتباه على افتراض أن الملاحظ الإنساني يتاح له عدد لا يحصى من الهاديات التي تحيط بنا في أي لحظة بعينها. ولكن وسعنا العصبي قاصر للغاية عن الاستقبال الحسي لكل ملايين المنبهات الخارجية. ولكن حتى إذا ما استطعنا الكشف عن هذه المنبهات فإن المخ سوف لا يكون قادرا على معالجة كل منها لأن وسعنا على معالجة المعلومات محدودة للغاية. ويمارس الجهاز الحسي Sensory system لدينا شأنه شأن الأنواع لأخرى من قنوات الاتصال وظائفه

على نحو جيد إذا ما كان مقدار المعلومات التي يتم معالجتها واقعا في نطاق إمكانيته ولكنه يفشل في حالة ما إذا تجاوز مقدار هذه المعلومات طاقته وقد كانت البداية الحديثة لدراسة الانتباه في سنة 1958 م على يد دو نالد برودبنت، وهو عالم النفس البريطاني، والذي أورد في كتابة الإدراك والتخاطب) أن الانتباه نتاج لجهاز معالجة المعلومات ذي الوسع المحدود. والفكرة الرئيسية في نظرية برودبنت هي أن العالم يتكون من الكثير من الإحساسات التي تفوق ما يمكن تناوله بالإمكانات الإدراكية / المعرفية للملاحظ الإنسان، ومن ثم فإن الإنسان في سبيل مواجهة طوفان المعلومات المتاحة ـ ينتبه إلى بعض هذه الهاديات بطريقة انتقائية، ويتخلص من استقبال كثير من الهاديات الأخرى.

 

الانتباه والمخ الإنسانـي:

تحت دراسة العلاقة بين الانتباه والمخ الإنساني بصفة أساسية عن طريق ربط اضطرابات الانتباه بالصدمات التي يتعرض لها المخ. وكان هذا العمل المبكر قاصرا على أمراض الجهاز العصبي ولم يكن له إلا أثر قليل على النماذج المعرفية للعقل. رغم توافر أدلة على أن الانتباه له علاقة - جزئيا على الأقل بمناطق معينة في اللحاء . وقد استخدام المهتمون بالانتباه والمخ حديثا أساليب تم بناؤها في إطار كل من علم النفس المعرفي وعلم المخ. وتتوافر قائمة بالأساليب التي يمكن الاعتماد عليها في كلا المجالين. وقد تركزت هذه الجهود الحديثة على مجالين، الأول البحوث التقليدية التي أجريت حول العلاقة بين تشريح المخ وعمليات الانتباه. وقد استخدمت هذه الدراسات كل الوسائل المعرفية، مثل: (الإصفاء الثنائي، تكرار الكلمة المنطوقة الانتباه الموزع، ومهام اتخاذ القرار المعجمي، وتذكر كلمة بمساعدة أخرى ترتبط بها). ووسائل الإحساس عن بعد المستخدمة في دراسات الأعصاب مثل: (الفحص الطوموجرافي (السطحي) المحوري بالحاسوب. والفحص الطوموجرافي (السطحي) بإطلاق أشعة إكس. والمجال الثاني الذي تركزت عليه الجهود الحديثة في العلاقة بين المخ والانتباه هو استخدام الأساليب التي تم بناؤها في مختبر دراسة الوظائف المعرفية كاختبارات الشخصية والعقاقير التي يفترض أنها تحدث أثرا على عملية الانتباه بشكل انتقائي. وفيما يتصل بتحديد العلاقة بين تشريح المخ والانتباه ثمة أجهزة مستقلة تشريحيا في المخ تتناول الانتباه وأجهزة أخرى مثل أجهزة معالجة البيانات. إن جهاز الانتباه بمعنى ما، يشبه الأجهزة الأخرى كالأجهزة الحركية والحسية مثلا في أنه يتفاعل مع كثير من أجزاء المخ الأخرى، ولكنه يحتفظ بهويته الخاصة، ويمكن أن نجد دليلا على ذلك الاستنتاج لدى المرضى بتلف في المخ الذين يعانون من مشكلات خاصة بالانتباه ولا يعانون من عيوب في التجهيز (والعكس بالعكس). يضاف إلى ذلك الانتباه يتم من خلال شبكة من المناطق التشريحية لا تقع في مركز معين. وأخيرا يبدو أن مناطق المخ المتضمنة في الانتباه تقوم بوظائف معرفية مختلفة. (روبرت سولو، علم النفس المعرفي، ت. د. محمد نجيب وآخرون، 1996 م).

 

ثلاث مراحل في التذكر:

ينظر علماء النفس إلى الذاكرة بصفتها عملية تتكون من مراحل ثلاث:

1ـ فهناك أولا المرحلة السابقة على اكتساب المعلومة التي ننوي تذكرها فيما بعد، وهي التي تسمى مرحلة التسجيل، أي تسجيل المعلومة في شكلها المتاح لنا (مسموعة، أو مرئية، أو مقروءة، أو مرتبطة بأي حاسة أخرى). وتوصف هذه المرحلة أيضا بأنها مرحلة ترميز لأننا عند ما نسجلها في المخ نسجلها في شكل رموز عصبية وشحنات كهربائية يمكن للمخ أن يتعرف عليها ويسجلها ويعالجها فيما بعد عند الحاجة . تذكر أ ما نسجله ليس هو الصور أو الرموز أو الأصوات الفعلية الخارجية كما نراها أو نسمعها، ولكنها انطباعات تترك مساراتها في المخ بطريقة ما. لهذا توصف هذه الانطباعات بأنها مسارات أو أثار منقوشة على الخلايا العصبية في المناطق المختلفة في المخ.

2ـ وتأتي بعد ذلك المرحلة الثانية بعد تسجيل المعلومة وتسمى (التخزين) أي وضع المعلومة في مخزن الذاكرة للمحافظة عليها وإبقائها لأطول فترة من الوقت للرجوع إليها في وقت الحاجة.

3ـ ثم تأتي بعد ذلك المرحلة الثالثة في التذكر وهي المرحلة التي ترتبط في أذهان الناس بمفهوم الذاكرة، ونعني بها مرحلة الاسترجاع، أو الاستعادة، وتعتبر مرحلة الاسترجاع هي الخطوة النهائية في مرحلة التذكر.

وتتوقف كفاءة الذاكرة على كفاءة أداء كل مرحلة وتحقيق متطلباتها بدقة، وتتوقف كفاءة كل مرحلة على كفاءة الأداء في المرحلة السابقة عليها.

 

الذاكرة القريبة والذاكرة البعيدة:

يميز علماء النفس بين نوعين من الذكريات بسحب الصلة بالأحداث الماضية وهي: ـ

1ـ الذاكرة القريبة: الذاكرة القريبة هي تلك التي تتعلق بتذكر أحداث حدثت في الماضي القريب. مثال ذلك أن تتذكر ما تناولته من أنواع الطعام في الإفطار. وأنت إذا حاولت أن تغلق الآن هذا البحث وتحاول أن تستعيد المعلومات التي وردت في هذه الفقرة منه، فإنك تقوم في واقع الأمر باستخدام الذاكرة القريبة.

2ـ الذاكرة البعيدة فهي كما يشير اسمها تتعلق بتذكر أحداث وخبرات تمت في الماضي البعيد. ونستخدم الذاكرة البعيدة عندما نحاول أن نتذكر إجابات أسئلة في الاختبار، أو عندما نتذكر أن لدينا موعد هام اليوم. وتعتبر الذكريات القديمة هي جزء أيضا من الذكريات البعيدة بما في ذلك أن تتذكر نفسك وأنت في سن السادسة. أو أول يوم التحقت فيه بالمدرسة أو المنزل الذي ولدت به وأصدقاء الطفولة. ومن المهم التمييز بين هذين النوعين من التذكر لأن عوامل قوة كل منهما تختلف عن النوع الآخر. وبالرغم من ذلك فإن الذاكرة القريبة هي عملية مؤقتة وسلمة للذاكرة البعيدة نحن نستخدمها للمحافظة على المعلومات والأحداث التي نواجهها إلى أن نقرر أيها مهم يجب الإبقاء عليه، وأيها غير مهم يجب تلاشيه ونسيانه ليفسح أمام الذهن مساحة أكبر لتخزين المعلومات المهمة. وبعبارة أخرى فإن الذاكرة القريبة هي المرحلة الأولى الضرورية لتحويل المعلومات إلى مخزن الذاكرة البعيدة وتثبيتها هناك. ولكي يتم ذلك بكفاءة نحتاج لاستخدام بعض التدريبات مثل الحفظ، والإعادة، والتكرار حتى تثبت وتتحول الذاكرة القريبة إلى بعيدة و إلاّ ستلاشى المعلومات وتتبخر في دقائق. (إبراهيم، علم النفس أسسه ومعالم دراسته، 2003).

 

اضطرابات الذاكرة:

ولأمر ما تضطرب الذاكرة القريبة وتظل الذاكرة البعيدة نشطة وفعالة ولعكس بالعكس ويعرف الأطباء النفسيون وعلماء النفس المرضي أن هناك اضطراب يحدث في الذاكرة القريبة يسمى النساوة أو (الأمنيزيا) فنفس الأحداث القريبة ونظل نتذكر جيدا أحداث الماضي البعيد. وتحدث هذه الظاهرة عادة بسبب التعرض لحادث مفاجيء كالتعرض للإصابة بتبار كهربائي، أو ضربة شديدة ومفاجئة على الرأس أو بعد حادث تصادق شديد أدى إلى تغيرات عضوية ملموسة.

 

وتتعرض الذاكرة لعدة اضطرابات نجملها فيما يلي:

1- شدة أوحدة الذاكرة  Hypermnesia

وهي قدرة الفرد على استدعاء الحوادث بطريقة مذهلة، وتفصيلات حقيقية دقيقة حتى وإن حدثت منذ مدة طويلة. ولا يجارية في هذه الظاهرة أحد غيره وتظهر هذه في بعض الأمراض الذهانية وكذلك يظهر هذا المرض في الاضطرابات الوجداني المسمى بالهوس أولا ً \" الإنبساط \" ويعتبر هذا التذكر غير العادي اضطرابا إذ العادة الأيتذكر المرء التفاصيل الدقيقة بهذه الحدة

2- فقد الذاكرة Amnesia:

وينقسم فقد الذاكرة إلى ثلاثة أنواع وهي:

أ فقد الذاكرة للحوادث القربية.. وهنا لا يتذكر الفرد الحوادث التي مرت به منذ فترة وحيدة ولكنه يتذكر طفولته وما حدث قبل مرضه بكافة التفاصيل.

ب- فقد الذاكرة للحوادث البعيدة.. وفيه لا يتذكر الفرد الحوادث التي مرت منذ فترة طويلة. وهذه ظاهرة طبيعية تحدث لنا تمثل ظاهرة النسيان. ولكن يحدث أحيانا في حالات عنه الشيخوخة المتقدم أن يزحف فقد الذاكرة للأحداث القريبة ليشمل الأحداث البعيدة، ويصبح المريض في حالة من الذهول التام.

جـ - فقد الذاكرة المحيطي: وفيه يفقد المريض ذاكرته تماما بالنسبة لفترة معينة سواء قريبة أو بعيدة، فهو يتذكر كل شيء ما عدا مدة معنية من الزمن خلال شهر أو سنة خاصة يكون قد حدث خلالها صدمة نفسية وكتب المريض بالتالي هذه التجربة نظرا للألم الشديد الذي يصاحب تذكرها، وحدثت عملية النسيان لهذه الفترة، ويظهر هذا العرض في مرض الهستيريا، ونرى فقدان الذاكرة الهستيري تحت الإجهاد الشديد للهروب من الألم النفسي. كذلك يظهر أحيانا هذا العرض بعد ارتجاح المخ أو في حالات الصرع خصوص الصرع النفسي الحري.

3- تحوير الذاكرة Paramnesia:

أ التحادث الزائف confabulation وهنا يخترع المريض بعض الحوادث لملء الفراغ الناشيء من فقد ذاكرته ويظهر ذلك في مرض كورساكون، والذي يحدث بعد فترة من إدمان الخمر أو نقص فيتامين (ب) كذلك يظهر أحيانا مع اضطرابات الذاكرة للأحداث القريبة.

ب- التلفيق Falsification وهنا يغير المريض الجزء الكبير من تاريخه ومن الحوادث التي مرت به لكي تنطبق مع اعتقاداته الخاطئة وهذاءاته كما يحدث في مرض الفصام والبارنويا، فالمريض المصاب بذهان العظمة ويعتقد أن دمه أزرق وأنه من سلالة ملكية وأن له الحق في وراثة البيت الملكي في النمسا مثلا، سيزيف تاريخه السابق، ويلفت الأحداث بالنسبة لوالده وأجداده حتى تنطبق مع هذا الاعتقاد الخاطئ ز (عكاشة، علم النفس الفسيولوجي، ط 1982 م).

 

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply