بسم الله الرحمن الرحيم
السؤال
إذا ارتكب الرجل جريمة الزنا وأراد أن يتوب توبة صادقة، وهو يعيش في بلد غير إسلامي، فكيف يقام عليه الحدّ، هل يمكن أن يأتي إلى عالم من العلماء أو مؤسسة إسلامية ليقام عليه الحدّ، أو يسافر إلى بلد إسلامي ليفعل ذلك، أو لمن يسلّم نفسه؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فإني أسأل الله - عز وجل - أن يغفر ذنبك، ويصلح قلبك، ويستر عيبك، ويهديك بهداه.
ثم اعلم بارك الله فيك أن من جنح إلى خطيئة، أو وقع في فاحشة ليس فيها حق إلا لله - عز وجل - فإنه إذا استغفر وتاب وأناب، فقد استعتب رباً رحيماً كريماً هو أرأف به من أمه التي ولدته، وأنه -جل وعزّ- أكرم من أن يرده وقد أقبل عليه، أو يخيبه وقد صدق في رجائه، وليس بينه وبين المغفرة إلا أن يخلص التوبة، وربك يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، وعليه أن يستتر بستر الله عليه ولا يفضح نفسه، وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: \"من ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة\" أخرجه البخاري (2442) ومسلم (2580).
فإذا كان المرء يؤجر بالستر على غيره فستره على نفسه كذلك أفضل، والذي يلزمه في ذلك التوبة والإنابة والندم على ما صنع فإن ذلك محو للذنب إن شاء الله.
أخرج الحاكم في المستدرك(8219) من حديث عبدالله بن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قام بعد أن رجم الأسلمي فقال: \"اجتنبوا هذه القاذورة التي نهى الله عنها، فمن ألمّ فليستتر بستر الله، وليتب إلى الله فإنه من يُبدِ لنا صفحته نقم عليه كتاب الله - عز وجل -\" وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرّجاه.
قال العلماء: إذا تمحّض حق الله فهو أكرم الأكرمين، ورحمته سبقت غضبه، فلذلك إذا ستره في الدنيا لم يفضحه في الآخرة. وقد ورد في ذلك حديث - وإن كان فيه ضعف- أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: \"من أصاب حدّاً فعُجِّل عقوبته في الدنيا فالله أعدل من أن يثـنّـيَ على عبده العقوبة في الآخرة، ومن أصاب حدّاً فستره الله عليه، وعفا عنه فالله أكرم من أن يعود إلى شيء قد عفا عنه\" أخرجه الترمذي (2626) وقال: حسن غريب.
ويشهد لمعنى هذا الحديث ما أخرجه البخاري (2441) ومسلم (2768) عن ابن عمر رضي الله عنهما- قال سمعت رسول الله يقول في النجوى: \"يدنو أحدكم من ربه حتى يضع كنفه عليه -أي ستره- فيقول عملت كذا وكذا؟ فيقول: نعم. فيقول: عملت كذا وكذا؟ فيقول: نعم. فيقرّره، ثم يقول: إني سترت عليك في الدنيا، فأنا أغفرها لك اليوم\".
ولذلك كله فإن على من ابتلي بشيء من هذه الفواحش أن يصدق التوبة، ويعظم في الله الرجاءº فإنه أكرم الأكرمين، يفرح بتوبة عبده إذا تاب، فيغفر ذنبه، ويجبر كسره، ويمحو ذنوبه، ولو كانت مثل زبد البحر. ولكن لا بدّ مع ذلك من سلوك الطريق الصحيح التي تعين على الاستقامة وصلاح الحال بعد التوبة ومنها:
01 الإقبال على الله - عز وجل - جملة وذلك بأداء الفرائض، وأعظمها الصلوات الخمس مع جماعة المسلمين.
02 إشغال النفس بالعمل النافع المفيد الذي يستفرغ الطاقة، ويعمل العقل، ويبعد الأفكار الشهوانية التي يصنعها الفراغ، والنفس لا تقعد فارغة، فإن لم تشغلها بما ينفعك شغلتك بما يضرك.
03 تغيير نمط الحياة والبيئة التي كانت سبباً للوقوع في الفاحشة، ومن أهم ذلك البعد عن رفقاء السوء الذين يُغرون بالفاحشة ويُجرِّئون عليها، واستبدالهم بصحبة أخيار يدلون على الخير، ويعينون عليه. وقد أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - عن قول العالم للرجل الذي قتل مائة نفس ثم تاب: \"اخرج من بلدك فإنها أرض سوء، والحق بأرض كذا فإن فيها قوماً صالحين يعبدون الله فاعبد الله معهم\" صحيح البخاري (3470)، وصحيح مسلم (2766)، فأرشده إلى تغيير البيئة بالهجرة من بلده، وتغيير البيئة لا يلزم منه هجر البلد دائماً، بل تغيير نمط الحياة وتغيير نوعية العلاقات هو المؤثر الأكبر في ذلك.
04 مجاهدة النفس بكبح جموحها وشهواتها وقد قال الله: \"والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا\" [العنكبوت: 69]. وإنك واجد -بعون الله- من لذة النصر على شهوات النفس ما هو أعظم من نيل تلك الشهوات. ومن أعظم ما يعينك في هذه المجاهدة معرفة عاقبة السوء للمعاصي، وعليك بقراءة كتاب (الجواب الكافي) لابن القيم ففيه ما يبصرك بذلك.
05إعفاف النفس بالحلال الطيب وذلك بالزواج، كما أوصى بذلك نبيك محمد - صلى الله عليه وسلم - حيث قال: \"يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوجº فإنه أغضّ للبصر، وأحصن للفرج. ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء\" أخرجه البخاري(5066) ومسلم (1400).
06 القراءة في كتب الأئمة الربانيين التي تزكي النفوس وتقوي الإيمان، ومنها: (تهذيب مدارج السالكين) وبخاصة فصل التوبة منه، فإنك واجد ثمة كلاماً نورانياً يرفع عن القلب حجب الشهوات، ويصل النفس بخالقها -جل جلاله-.
07 المحافظة على أذكار اليوم والليلة فإنها حصن المسلم وقوته وزاده، ومنعة له من شياطين الجن والإنس، وعليك بكتاب (الوابل الصيب من الكلم الطيب) لابن القيم، فإنك واجد فيه من فوائد الذكر ووظائفه الكثير الطيب المبارك.
08يفيدك جداً قراءة كتب توسع ثقافتك، وترفع همتك، وتشغل وقتك، ومنها في مسألة التوبة كتاب (أريد أن أتوب ولكن) للشيخ محمد المنجد، و (التوبة وظيفة العمر) للشيخ محمد الحمد ونحوها.
وأودعك وأنا أدعو الله لك أن يتولاك بما تولى به الصالحين من عباده، وأن يوفقك لفعل الخيرات، وترك المنكرات، وحب الصالحين، وأن يهدينا وإياك سواء السبيل.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد