التسول


 
 
 

بسم الله الرحمن الرحيم

ظاهرة..هواية..عادة

ظاهرة التسول شوهت المجتمع بأفراد قابعين على أرصفة الطرق.

هواية لجمع المال دون مشقة أو عناء.

عادة تغلغلت داخل كل نفس ضعيفة.

إنها ظاهرة التسول.. تلك الظاهرة التي أيقظت قلمي من سباته ليكتب كلمات لها آهات وأنين لعل المسؤولين يسمعونه ويعالجون ما نحن قادمون عليه.. فالتسول وضعنا أمام الكثير من المشكلات لعل منها مشكلة الإتكال ومشكلة التخلف والبطالة وغيرها..

فعند المرور بسيارتك أمام أحد الشوارع العامة يقابلك أطفال في عمر الزهور، منهم من يحمل بيديه علب مناديل، ومنهم من يجري خلفك رامياً بكل معالم الطفولة خلفه يجري وكله إصرار على ألا تغادر إلا وتضع بيده القليل من الريالات.. أما النساء فحدث ولا حرج منهن من ترمي بحيائها لتقف عند الصرافات الآلية لتدعي أنها صاحبة حاجة، ومنهن من تجدها عند أبواب المحلات الكبرى والسوبر ماركت، ومنهن من تجدها عند أبواب الجوامع والمساجد.. أما الشيء الطريف المضحك والمبكي معاً هي تلك الحركة التي يقوم بها الشباب العاطلون عن العمل حيث تجد شخصاً يطرق عليك بابك ليقول لك إنه جار جديد وإنه محتاج مبلغاً من المال وغداً سيرجعه إليك.. وبعد أيام تكتشف أنك وقعت صيداً سهلاً في مصيدة متسول.

ففي بعض مناطق المملكة انتشرت ظاهرة وقوف الشباب عند صرافات السحب الآلية، في مظهر لائق لا يدل على أنه متسول أبداً.. يأتي وعلى وجهه علامات الاستحياء المصطنعة ليطلب منك مساعدته إما بمبلغ كي يضع بسيارته وقوداً ويغادر لأنه كما يزعم مسافر، أو مساعدته في إخراج أحد أقاربه من المستشفى الخاص الذي يطلب مالاً لا يستطيع هو الآن توفيره.

ولأننا شعب طيب، صاحب نيّة حسنة، نمد يد العون لإخواننا في البلاد الأخرى، فكيف لا نمدها لأبناء بلدنا نقوم بمساعدة كل من يطلبنا.. وهذا سبب من أسباب انتشار التسول..

أخي المواطن.. أختي المواطنة..

نعلم أن لك قلباً طيباً يحب المساعدة، فلو أعطيت كل متسول ما طلب لكان ذلك سبباً في كثرتهم، وسبباً في انتشار هذه الظاهرة التي تؤرق المسؤولين ليل نهار.

لا تنس يا من تربيت في هذا المجتمع أن حبك للمساعدة سيجلب الدمار لمجتمعك، ولا تنس أن حكومتنا الرشيدة - وفقها الله - قد أنشأت في كل منطقة، بل في كل قرية جمعيات لمساعدة المحتاجين. فلو كان هؤلاء الأشخاص محتاجون لسارعوا بالتسجيل في تلك الجمعيات وخلصوا المجتمع من تشوّه قد يصيبه.

أجرينا حوارات كثيرة حول هذا الموضوع منها ما هو طريف ومنها ما هو مبكٍ,..

بدأنا هذا الحوار مع أحد المواطنين في أحد مناطق شمال المملكة العربية السعودية وحكى لنا هذا الموقف الطريف يقول:

كنت خارجاً من المسجد بعد أداء صلاة الظهر وبينما أنا متجه إلى المنزل فإذا بأحد الأشخاص يقترب مني.. وبعد أن سلم عليّ نظر إلى الأرض قليلاً باستحياء منه.. وبعد صمت دام عدة ثوان قال لي: أنا أسكن هنا بالقرب منك وقد احتجت مبلغ (300) ريال لأن ضيوفنا فاجأوني ولا يوجد معي ما أقيم لهم به وجبة غداء، طبعاً صدقته لأنه لا يوجد به علامة من علامات أصحاب التسول.. ابتسمت.. وأعطيته ما طلب والمفاجئ في الأمر إن هذا الرجل أصر علي أن أكون أحد ضيوفه على وليمة الغداء وليتني فعلت. أعطاني وصف البيت الذي يقيم به وهو على مقربة جداً مني وبعد أن أخذ الفلوس طلب مني أن أمهله يومين ويرجعهم لي.. وبعد يومين لم أره، ومر أسبوع، فشهر، فسنة ولم أر ذلك الرجل.. والبيت الذي أشار إليه يوجد به جيران لي أعزاء ولكن صفاء النيّة جعلتني أقع في مصيدة ذلك المتسول الذي ظهر لنا بطريقة تسول جديدة.. !

وتقول إحدى الموظفات: كنت أنا وزوجي عند صرافة السحب الآلي ففاجأنا وجود فتاة منقبة ترتدي عباءة كتف مزخرفة خلفنا تنادي لزوجي بصوت منخفض اقتربت منها فأخبرتني وأنها ليست من هذه المنطقة وأنا مسافرة، وفجأة مرضت والدتها وأدخلوها أحد المستوصفات الخاصة، ووالدتها محتجزة الآن في المستوصف ويرفضون خروجها إلا بعد دفع المستحقات المطلوبة منهم، وإنها لم تكن قد وضعت في حسابها هذا الموقف وتريد منا المساعدة.

كنت أكثر ذكاء منها فطلبت منها اسم المستوصف حتى أذهب إليه أنا وزوجي وندفع لهم مستحقاتهم. فتمتمت ببعض الكلمات المتلعثمة وولت هاربة خوفاً من أن أمسك بها ونبلغ عنها.. وبعد أيام وقعت إحدى زميلاتي ضحية لتلك المتسولة التي دائماً تتواجد عند صرافات السحب الآلي.

وتقول ربة منزل: كنت بصحبة بناتي في أحد الأسواق وعندما هممنا بدخول أحد المحلات كانت تمشي خلفنا امرأة كبيرة وبيدها أوراق طبية وتقارير كثيرة كان من ضمنها أوراق تخطيط ضربات القلب التي لا يستغني عنها أي متسول يطلب الاستعطاف. وكانت تدعو لنا لنساعدها وعندما أدرنا ظهورنا لها بدأت بالدعاء علينا والسب والشتم لنا.. !!

وتخبرنا إحدى المدرسات عن ذلك المنظر الغريب للمتسولات فتقول: كنت في أحد الأسواق برفقة زوجي.. كان أمامنا فتاتان عمراهما بين 15-20 عاماً يقفن في أحد المحلات ويطلبن المال والمساعدة من الناس.. وكنت أنا وزوجي نراقبهما، حيث تجمعان حصيلتهما ثم تتوجهان إلى المحلات لشراء الملابس غالية الأسعار، وبعد أن تنفد نقودهما يضعن أكياسهما في أماكن لا ترى ثم يطلبن المساعدة مجدداً وهكذا.. !

وتقول إحدى النساء كنت بصحبة أخواتي في السوق، فلفت انتباهي سيدة يبدو عليها أنها فقيرة معدمة ومعها طفلة يكسو ملامحها الحزن.. تألمت كثيراً عندما شاهدتها تقترب مني تطلب المساعدة.. وبالفعل أعطيتها بعض المال وغادرت.. وكانت السيدة بكامل حجابها من شراب و(جاونتي) وعندما هممنا بمغادرة السوق وجدنا تلك السيدة ما حصلت عليه، فكان حسب ما رأيت مبلغا ليس بالقليل، وكانت يدها مليئة بالأساور الذهبية، فندمت أشد الندم على فعلتي تلك.

قطرات قلمي أبت إلا أن تحاور من لهم رأي في هذا الشأن وأصحاب مقترحات رائعة للحد من انتشار هذه الآفة، فكان هذا اللقاء الذي أجريناه مع الشيخ عبدالله أحمد الشهري مدير تسجيلات الجاليات بمنطقة تبوك.

* ما رأيك بالتسول كظاهرة اجتاحت المجتمع السعودي مؤخراً؟

- أولاً: نحن لا نعلم عن النيّة إذا كان المتسول فقيراً أم لا. ولكن ظاهرة التسول أرى أنها ظاهرة تنظيمية وظاهرة غير حضارية، حيث تقابلك النساء مع أطفالهن في الشوارع وعند المحلات والمساجد.

* إن غالبية المتسولين قديماً كانت من النساء، ولكن هذه الأيام الغالبية العظمى من الشباب. هل يعني هذا أن للفراغ الكبير الذي يعيشه الشباب دور في عملية التسول؟ وما نصيحتك لكل شاب يقضي يومه في الطرقات من أجل التسول؟

- لا بد للشباب من البحث عن وسيلة لكسب الرزق الحلال وعدم اتباع الطريق الملتوي وغير المستقيم، فنحن في بلد معطاء، فكما ترون في المملكة العربية السعودية الكثير من الأجانب الذين يعملون ساعات طويلة ويتقاضون مقابل ذلك أجوراً قليلة، لكنهم فضلوا العمل على طرق أبواب التسول، فكيف بابن الوطن؟ لا بد لكل شاب من البحث عن عمل، فكبار رجال الأعمال لم يولدوا هكذا إنما نجدهم قد بدأوا من نقطة الصفر وبأعمال بسيطة حتى وصلوا إلى ما وصلوا إليه لذلك لا تيأس أخي الشاب وابحث عن رزقك.

* اقتراح توجهه إلى المسؤولين الذين تؤرقهم هذه الظاهرة ليلاً ونهاراً؟

- لا بد للمسؤولين من الحد من هذه الظاهرة، فعندما يجدون مثلاً متسولة لا بد من أخذها والتحقيق معها، هل هي بالفعل محتاجة أم أنها عادة وهواية وبالتالي معاقبة من كان كاذباً وغير محتاج، وإيداع المحتاج إلى الجمعيات الخيرية. ومن وجهة نظري أن هذا الأسلوب أو هذا الاقتراح يحد من هذه الظاهرة ويقللها.

* برأيك ما دور مكافحة التسول تجاه هذه الظاهرة؟

- مكافحة التسول ليس لها دور مذكور في القضاء على التسول، فمثلاً لا بد من القبض على المتسولين ودراسة شؤونهم، ومعرفة أحوالهم، والسؤال عنهم، وإرسال المتحتاجين إلى الجمعيات، وكما ذكرنا معاقبة الكاذب منهم.

* موقف حدث لك مع متسول؟

- كنت ذاهباً إلى أحد الأسواق وإذا بأحد الأشخاص يوقفني ويخبرني بأنه شخص منقطع وليس معه مال، وأنه مسافر. وبالفعل ساعدته وبعد أيام وجدت هذا الشخص في أحد الأماكن وأمسكت به وبعد أن قرأت أوراقه اكتشفت أن هذا الشخص مقيم في هذه المنطقة وليس كما يدعي، وأخذ يتوسل لي بعدم الإخبار عنه ونشر قصته وبعدها تحفظت على ألا أدفع ريالاً لأحد مهما كان لأن المحتاج عليه الذهاب إلى الجمعيات الخيرية.

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply