مشكلات راتب الزوجة والابنة... الطمع هو السبب


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: 

 

كثر الحديث عن راتب الزوجة واعتبر البعض أن اقتطاع المرأة جزءاً من وقتها للعمل خارج المنزل يكون على حساب مسؤوليتها الأسرية ورعايتها لزوجها وأولادها، وفي مقابل هذا يجب أن يكون لها نصيب في تحمل نفقات المنزل.كما أصبحت قضية راتب الابنة مثارة بشدة في مجتمعاتنا العربية، ونسمع في شأنها حكايات لا نكاد نصدقها من غرابتها.. وحول تلك القضية كان لنا هذا التحقيق الصحفي.

سألت الدكتورة نجوى المحمدي وهي طبيبة حديثة التخرج عن راتبها، فقالت: انطلاقًا من الحديث النبوي "أنت ومالك لأبيك" فأنا أعطي كل راتبي على الرغم من تواضعه لأبيº لأنه تحمل أولاً مسؤوليات تعليمي على مدى سنوات طوال، إلى جانب أن أشقائي أصغر مني، وهم جميعًا في مراحل التعليم المختلفة. وقد وعدني أبي بأنه عند خطبتي سنتعاون سويًا في جهازي، وأنا -إن شاء الله- حتى لو تزوجت سأحاول دائمًا مساعدة أبي ما دامت ظروفه المعيشية وظروف إخوتي تحتاج إلى ذلك.

أما سلوى صالح (24 عامًا)، وتعمل معلمة في إحدى مدارس اللغات، فتقول: على الرغم من أنني أحصل على راتب جيد، لكن أبي يرفض أن أساهم في نفقات البيتº لأن لديه حساسية شديدة من هذا الأمر، وعلى الرغم من أن والدتي امرأة عاملة وتساهم بكل راتبها في المنزل، لكنّ كليهما يصر على أن أدّخر راتبي لشراء جهاز لي، ويقولان: يكفينا أنك ستتحملين تلك المسؤولية.

وتقول سلوى: إن كثيرًا من الآباء يتعاملون بحساسية، ولا يقبلون أي مساعدة من قبل الأبناء على أساس أنه سيكون أمامهم مسؤوليات يجب أن يبدؤوا في تحمّلها، في حين أن كثيرًا من الأزواج يرون أنه لا غضاضة في أن تشارك الزوجة بكل راتبها في المنزل، وعليها فقط مثل الزوج أن تحصل على مصروفها اليومي، وبما يكفي نفقاتها الشخصية.

المهندسة نهاد عياد (45 سنة) تقول: زوجي ميسور ماديًا، وحتى في بداية زواجنا كانت ظروفه غير ذلك، ولم يسألني مطلقًا عن راتبي، وكان يرفض أحيانًا مساهماتي، وهذا دفعني لتقديره، والإصرار على أن أساهم في مصروف البيت بشكل غير مباشر، وقد فتح الله علينا، وتحسنت ظروفه الاقتصادية. والآن وبعد أن صار لدينا أولاداً كباراً فلا فرق بيننا، وأنا أدبر ميزانية البيت بشكل لائق، مع ادّخار جزء من المال للطوارئ والمستقبل للأولاد.

(ك. ز مدرسة ثانوي) تقول: لقد سبّب لي راتبي مشكلات كثيرة مع زوجي، فهو إنسان غير متعاون، فبعد زواجنا كنت أعطي لزوجي كل راتبي، وكنت أقول: إن هذه مسؤولية يجب أن أتحملها معه، خاصة في ظل الأزمات المالية والأوضاع الاقتصادية غير المواتية. لكنني بالتدريج شعرت أن زوجي يعدّ ذلك حقاً أصيلاً من حقوقه. كما وجدته يساعد أهله بمبالغ كبيرة، في الوقت الذي يحتاج أهلي مني لأية مساعدة، ولا أعطيها لهم لأنه يأخذ كل شيء. كما أنني لاحظت أن إدارته لشؤون المنزل ليست رشيدة، وأنه ينفق على أموره الشخصية أكثر بكثير مما ينفق على المنزل. كما لاحظت أنه لا يلبي مطالبي بل يرفضها، وعندئذ قرّرت أن أحتفظ براتبي، وحدثت بيننا مشكلات كثيرة كادت تؤدي إلى الطلاق، وتدخّل فيها الأهل والأصدقاء، وحكموا بأن أساهم بنصف راتبي في مصروف البيت، وأحتفظ لنفسي بالنصف الآخر.

 

التفاهم والرضا هما الحل:

الدكتورة إلهام فراج أستاذ علم الاجتماع ترى أن راتب الزوجة يختلف عن راتب الابنة، وكلها مسائل تخضع لرضا الطرفين ومستوى التفاهم بينهما، وإذا كان هذا الأمر في حقيقته ليس فرضًا على المرأة سواء كانت زوجة أو ابنة، لكنها مسألة احتياجات وفهم من كل الأطراف. وكثير من الفتيات الآن يعملن ولديهن انتماء لأسرهن، وليس لديهن مطلقًا أي مانع لمساعدة الأب أو الأم.

إما إذا امتنعن عن هذا الأمر فإنني أرى أن الأب لا يجب أن يكون متعنتًا مع ابنته مثلما يقابل هذا الأمر من قبل زوجته، وإذا كان المفهوم الشرعي يشجع الابن أو الابنة دائمًا على بر والديهما، فإن هذا الراتب أو جزءًا منه هو جزء من هذا البر، وخصوصًا إذا كان الوالدان في حاجة إلى هذا المال. أما راتب الزوجة ففي كل الظروف الاقتصادية الحالية، أرى أن مسؤولية البيت تقع على عاتقهما، وإلا فلماذا تخرج المرأة من منزلها وتتخلى لبعض الوقت عن مسؤوليتها الأسرية إلا لكي تساهم في الجوانب المادية. أما إذا كان الزوج متيسرًا ماديًا، ولا يحتاج لهذا الراتب فهي أولى به، والأصل أنه لها حق التصرف فيه بالادخار أو حتى التصدق بجزء منه، كما ترى هي.

 

شراكة تقتضي المساعدة:

د. مصطفى عبد الفتاح أستاذ علم النفس يقول: الحياة في مجتمعاتنا العربية الحديثة معقدة، فالظروف الاقتصادية في غالبية هذه الدول غير مواتية، وهناك مشكلات بطالة تضرب هذه البلدان، والذي يجد عملاً من الشباب لا يصدق نفسه من الفرح، رغم ضآلة مرتبه. وتواجه الشباب مشاكل العثور على السكن ثم تأثيثه ثم مصروفات الزواج، وبعد الزواج تأتي مشكلة نفقات المنزل من إيجار ومواصلات وطعام وعلاج وتعليم للأبناء.

وفي ظل هذه الأوضاع، وفي ظل انتشار تعليم البنات، أصبحت الفتاة تنزل إلى العمل ولا تفضل الجلوس في المنزل.

ويفضل الأزواج الشباب أن تعمل زوجاتهم لمساعدتهم اقتصادياً.

وأمام هذا كله فإنه من غير المعقول أن تعمل الزوجة وتحصل على راتبها وتضعه في جيبها، وتترك زوجها يواجه مصيره بنفسه دون مد يد العون لمساعدته، فالحياة الزوجية الحديثة هي شراكة تقتضي مساعدة كل طرف للطرف الآخر.

 

ظاهرة جديدة:

يلفت د. صابر سليمان أستاذ علم الاجتماع النظر إلى ظاهرة جديدة انتشرت في بعض مجتمعاتنا العربية، وتتمثل في تلاعب بعض العائلات في راتب الابنة الموظفة، بمجرّد أن تتم خطبتها إذ يجبرها الأهل على شراء سيارة لأخيها أو والدها، أو شراء عمارة أو قطعة أرض عن طريق قرض بنكي، فتبقى تسدد الأقساط لعدة سنوات من بعد زواجها، لئلا يذهب أي شيء من راتبها إلى زوجها.

ويرى د. صابر شوكت أن الأصل في الأب والأم أنهما ينظران لمصلحة ابنتهما ومستقبلها، ويضحيان من أجل سعادتها، وغير مقبول أن يسبّبا لها مشكلات مع زوجها قد تؤدي إلى كراهيته لها، بل من الممكن أن تؤدي إلى أن يطلقها. فيجب أن تنظر الأسرة إلى المستقبل، ولا تجعل الأمور المالية هي الفيصل. و على الرغم من هذه الظواهر إلا أنني أعرف بعض الآباء الذين يستمرون في الإنفاق على بناتهم حتى بعد زواجهن لأنهم يعدون ذلك واجباً يتحملونه حتى نهاية أعمارهم، طالما كان ذلك في استطاعتهم.

 

حفظ حقوق المرأة:

تقول الاختصاصية الاجتماعية عفاف عايش: أمام حاجة سوق العمل إلى الكوادر النسائية المتخصصة لخدمة بنات جنسهن، خرجت المرأة من بيتها، والتحقت بالركب السائر، وتنوّعت أهداف الرغبة في العمل بين إثبات الذات، و الحاجة المادية لمواجهة الظروف، والنهل من ينابيع العلم والمعرفة، وحتى شغل أوقات الفراغ.

وترتب على هذا الخروج العديد من المشاكل الأسرية التي أعضلت الكثيرات، من بينها الاستيلاء على رواتبهن أو منعهن تعسفياً من الخروج للعمل، سواء أكان هذا الظلم من قبل الأب أو الأخ أو الزوج، مما دفع بعضهن إلى رفع قضايا في المحاكم لرفع الظلم الذي تطور خطره إلى منع تزويجهن من أجل حصد أموالهن.

هذه القضايا أخذت منحى آخر إذ تشارك المرأة زوجها في بناء السكن وتجهيزه، ثم ينتهي الأمر باستحواذ الزوج عليه دونها أو إيقاعها في فخ الكفالة الغارمة أو الشراء المباشر باسمها، ثم توريطها في التسديد وتحمل تبعات الديون.

ولو ناقشنا هذا الأمر فسنجد له أكثر من بعد، فمن ناحية نجد أن للوالدين حقاً في راتب الابنة بعد أن قاما برعايتها وتربيتها، ومهما أنفقت عليهما فلن تصل إلى تمام برّهما.

ثم للزوج الحق في أن تنفق من مالها على بيتها وأطفالها، طالما أنها تستقطع من وقته وراحته وواجباته حتى لو كان التحاقها بالعمل بموافقته، أما الأبناء و الإخوة فلا مانع من مدّ يد العون لهم من باب البر والتواصل والتراحم.

ولكن من ناحية أخرى من المهم وضع ضوابط تضمن حقوق المرأة في حالة المشاركة المادية سواء أكانت هذه المشاركة في أرض أو عقار أو سيارة، خاصة أن العلاقة الزوجية معرضة للطلاق والوفاة، وهذان الأمران من أهم مسببات ضياع الحقوق في حالة الشراكة بدون إثبات.

وهنا على المجتمع واجب ضمان حقوق المرأة وتوعيتها بطرق الحفاظ عليها، خاصة أن شعور المرأة بالأمان سوف يعطيها دافعاً أكبر للعمل والعطاء في بيئة مستقرة.

 

الحكم الفقهي:

وعن الحكم الفقهي في قضية راتب الزوجة والابنة يقول د. محمد المسير الأستاذ بجامعة الأزهر: إن للزوجة أن تتصرف في مالها بدون إذن زوجها، وراتب الزوجة جزء من مالها الذي تملكه، فلها أن تتصرف فيه بما شاءت ما دام هذا التصرف داخل دائرة الحلال، لأن ذمة المرأة المالية مستقلة عن ذمة الرجل، سواء كان أباً أو أخاً أو زوجاً، فالشريعة الإسلامية أعطت المرأة أهلية كاملة في التملك والتصرف.

وهكذا فإن الزوجة مستقلة في مالها، فمال الزوجة الخاص بها كالمرتب مثلاً لا يجوز قطعًا للزوج أن يأخذ منه شيئًا، إلا برضا الزوجة وطيب نفسها، وأخذ شيء منه كرهًا -سواء أكان هذا الإكراه مقنّعًا أو مكشوفاً- فإنه يعتبر غصبًا. والغصب حرام على المغتصب، ويجب عليه رد المغصوب لمن اغتصب منه. وعقد الزوجية لا يسوّغ أي ضغط على الزوجة، سواء في مالها، أو فيما تراه وتعتقده.

وإذا حدث تراضٍ, بين الزوج وزوجته بشأن الخروج للعمل أو راتب الزوجة أو النفقة، فإن الإسلام يتعامل مع الأمر بالتيسير والسماحة، ويقر هذا التراضي، فيجوز شرعاً أن يتنازل كل واحد من الزوجين للآخر عن حقه أو بعضه.

لكن إذا خرجت الزوجة للعمل بدون إذن زوجها، فإنها عاصية لزوجها ومقترفة لمحرَّم، آثمة في فعلها هذا، وتسقط نفقتها، فلا تجب على زوجها باتفاق الأئمة الأربعة.

وإذا عملت المرأة خارج بيتها، ثم أعطت راتبها لأسرتها (والدها أو والدتها أو أشقائها أو شقيقاتها) على الرغم من عدم حاجتهم إلى هذا المال، وامتنعت في نفس الوقت عن مساعدة زوجها وأولادها على الرغم من حاجتهم إلى ذلك المال، فهي امرأة مجافية للحق والعدل، فقد أصبح من العرف المستقر بين الناس، والذي لا ترفضه الشريعة، أن الزوجة الموظفة تساهم بقدر ما في نفقات أسرتها، خصوصاً إذا كانت هذه الأسرة في حاجة ماسة إلى مالها.

أما إذا كان الزوج في غير حاجة إلى زوجته، وكانت أسرة الزوجة في حاجة إلى شيء من مالها، فيستحب مساعدتها إياهم من باب الصلة والبر.

وللزوج أن يرفض خروج زوجته إلى العمل، ما دامت الأسرة لا تستفيد من هذا الخروج، على الرغم من حاجتها إليه، إلا إذا كانت قد اشترطت عليه في صلب العقد أن تعمل، فإن هذا ليس من حقه لرضاه منذ البداية بحق منقوص.

لكن هل يحق للأب أن يأخذ من راتب ابنته شيئاً؟ ذلك يتعلق بكل حالة على حدة، يعني نجد الآن الكثير من الأسر لا يوجد لهم معيل إلا هذه الابنة العاملة التي تعول أهلها جميعهم، وهي راضية بذلك. الأب لا يحق له أن يأخذ مالها دون رضاها إلا في حالة واحدة، وهي أن يكون في حاجة ماسة لمساعدة ابنته، ولكن إذا كان ذا سعة، وليس بحاجة لها فلا يجوز له ذلك.

 

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply