بسم الله الرحمن الرحيم
صفحات من ظلم المرأة العربية.نجدها بحسرة في زوايا هذا الوطن الممتد على هامش كبير من الألم.عندما نكون في قرن يحمل الرقم (21) بينما لا تزال المرأة سلعة يهديها الأب أو الأخ لصديق، فيرد الصديق الجميل، ويقدم شقيقته أو ابنته دون أي حقوق شرعية تُذكر تحت اسم يُعرف مجازاً بـ\"زواج البدل\". تلك الحقوق التي حفظها ديننا الإسلامي الحنيف أضاعها الكثير منا بجهل وأحياناً بقصد.
ينتشر زواج البدل في العديد من البلدان العربية، وهنا في فلسطين، فهو ظاهرة لا زالت قائمة خاصة في المجتمع الريفي. وتتلخص قصته بأن يتزوج شخص ما من فتاة فيقوم هذا الشخص بتزويج أخته لأخ زوجته، وبذلك يتفق الاثنان على عدم دفع مهر المرأة. ويكتفيان بأن قدم كل منهما للآخر شقيقته كزوجة شرعية، دون أي حقوق في المهر الذي أوصى بها القرآن الكريم.
العائلية هي السبب:
وتروي عائشة الأسباب التي دفعت عائلتها إلى تزويجها عن طريق زواج البدل بسبب العائلية والقرابةº إذ إن \"والدي يؤمن بالعائلية أكثر من غيرهº فقد تحدث مع عمي، واتفّقا على أن نتزوج دون مهر، ولا ذهب، وغير ذلك من الحقوق المشروعة في الزواج العادي، وكانت ابنة عمي \"لطيفة\" مقابلي في هذا الزواج\".
مضيفة: \"لم يستمر زواجنا سوى أربع سنوات، تبعتها المشاكل نتيجة خلاف حصل مع زوجة أخي أدى في النهاية إلى انفصالهما. نتيجة لخلافهما انفصلت عن زوجي، وحصل خلاف حادّ داخل العائلة بحيث بات الخصام والصدام واضحاً بين والدي وعمي\".
زواج كله مشاكل:
وتذكر سامية بأن تجربتها مع هذا النوع من الزواج سيئة لكثرة المشاكل التي تحصل معهاº إذ لا تمر بضعة أسابيع دون حصول مشكلة معهم، لكثرة تدخل الأهل في حياتهم الخاصة داخل البيت، الذي لا تستطيع من خلاله الإحساس بنوع من الاستقلالية الحقيقية بحيث لا توجد حرية كاملة حتى في الحياة الخاصة بيني وبين زوجي، لان أهل زوجي ما زالوا يعيشون على نظام العائلة الممتدة، وكل شيء بيننا مشترك من الطعام على راتب زوجي الذي لا ننعم به أبداً.
مضيفة: \"لا أنصح الفتيات بزواج البدلº لأنه عادة قديمة يجب أن تتلاشى آثارها من مجتمعنا، بشكل ينتقص من حقوق المرأة المسلمة التي كفلتها لها الشريعة الإسلامية، من المهر والذهب والبيت والحياة المستقرة داخل العائلة، بعيداً عن تدخل أحد في حياة الأزواج الخاصة.
ومن جانبها ترى لطيفة الغزاوي متزوجة عبر زواج البدل قبل عشرين عاماً أن زواج البدل يمكن أن يكون ناجحاً إذا كان هناك تفاهم بين الزوج وزوجته، يحصل هذا من خلال منع الآخرين من التدخل في شؤون العائلة الداخلية، بهدف الحفاظ على الرباط الأسري، وحماية الأطفال، مع إعطاء الزوجة حقها الشرعي في المهر والمسكن وغيره. وتضيف: \"والحمد لله استطعت أنا وزوجي الحفاظ على أسرتنا، وتربية أطفالنا حتى أصبحوا رجالاً في الجامعات، ولم تحصل معنا أي مشاكل صعبة، وفي حال حدوثها كنا نحلها داخلياً، وسراً، دون علم أحد من أهلنا، هكذا اتفقنا منذ البداية، حتى تكون حياتنا ناجحة\".
وأضافت الغزاوي: مع كل هذا الأمر الذي أعيش فيه بسعادة، فإنني أحبذ أن يتم زواج الأبناء في هذه الأيام بعيداً عن زواج البدل، حتى لا تكون هناك مسوّغات لأحد في هدم أي أسرة نتيجة لحصول خلافات عائلية، ومشاكل بين الزوجين.
زواج مرفوض:
ومن جانبها ترفض رانيا هذا النوع من الزواج على الرغم من أنها لم تتزوج بعد وتقول: بهذه الطريقة يتم الانتقاص من حقوق المرأة، وبالتالي تكون المشاكل الزوجية كثيرة، وأنا لن أقبل بزواج البدل أبداً، مهما كلف الأمر، وقد رأيت زميلتي في الجامعة تعاني من هذا الزواج، بعد إكراهها على الزواج من قريب لها، بالتالي لا يمكن أن تأخذ المرأة مهرها على الورق دون أن يكون مهراً حقيقياً، وفي أغلب الأحيان لا تحصل المرأة على حقوقها الشرعية المطلوبة في ذلك.
وتضيف: هذا الزواج يُعدّ بيعاً للمرأة وانتقاصاً من حقوقها الشرعية والقانونية، والتي كفلتها الشريعة الإسلامية، بحيث لا يمكن الانتقاص من تلك الحقوق المشروعة، ولا أحد يستطيع مصادرتها أبداً.
موقف الدين:
وقال محمد فخر الدين أستاذ الشريعة الإسلامية: إن هذا النوع من الزواج مباح من الناحية الشرعية، لكن بشرط حفظ حق المرأة في المهر، إلا إذا استغنت هي عنه عن طيب خاطر، ودون أن تكون مجبرة على ذلك امتثالاً لقوله - تعالى -: (فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِنَ النِّسَاءِ مَثنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ فَإِن خِفتُم أَلَّا تَعدِلُوا فَوَاحِدَةً أَو مَا مَلَكَت أَيمَانُكُم ذَلِكَ أَدنَى أَلَّا تَعُولُوا وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحلَةً فَإِن طِبنَ لَكُم عَن شَيءٍ, مِنهُ نَفساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً). [النساء: 3-4] أوضح \"فخر الدين\" أن سلبيات زواج البدل كثيرة جداً على الرغم من أن مقاصد الزواج تهدف إلى تقوية العلاقات الاجتماعية مع الناس، ولكن إذا كان هذا النوع من الزواج يؤدي إلى كثير من المشاكل بين العائلات، فإنه يفقد المقاصد الأساسية المتضمنة حماية الأسرة وعيشها بجو من الرحمة والسكينة. مضيفاً بأن زواج البدل نادراً ما ينجح لكثرة المشاكل التي تحصل بين الزوجين، ممّا يعكر الحياة الزوجية، وقد يؤدي في كثير من الأحيان إلى انهيارها، عبر الوصول إلى الطلاقº إذ يترك الزوجان خلفهما الأطفال دون حماية وإعالة حتى عاشوا مع والدهم أو والدتهم، تبقى المعضلة الأساسية في عدم تحقيق المقاصد الشرعية من هذا الزواج.
ويضيف \"فخر الدين\": \"تتعرض المرأة في حال حصول خلاف مع زوجة أخيها إلى إجحاف حقيقي، وخصوصاً إذا كانت تعيش حياة مستقرة مع زوجهاº إذ تصل تلك المشاكل إلى حد الطلاق، إذا لم ينجح الزواج في الطرف الآخر، وإذا حصل طلاق يتم بدون دفع مستحقات الزوجتينº لأنه يقوم على التبادل بحيث لا تأخذ كل منهما مهرها من خلال هذا النوع من الزواج.
لا يجوز ربط زوجة بأخرى:
ويدعو الدكتور محمد شرف أخصائي علم الاجتماع والأسرة إلى فصل كل زيجة عن الأخرى، لأجل التعامل مع كل زوجه بمهر منفصل، لا أن يكون المهر على الورق دون تطبيقه على أرض الواقع، لوجود اتفاق بين أهل الأزواج، موضحاً: \"لا يجوز بأي حال من الأحوال ربط أي زوجة بالأخرى، وبالتالي لا يحق ربط السابق باللاحق أي في حال حصول الطلاق يجب أن تحصل الزوجات المطلقات على حقوقهن كاملة\".
ويذكر الدكتور شرف بأن زواج البدل له مفاهيم اجتماعية مختلفة تقوم في أساسها على تبادل الزوجات ويضيف: \"وكانت هذه الظاهرة قديمة منذ عصر الجاهلية، بدأت في ذلك الوقت عن طريق عندما كان يبادل الأب ابنته ليتزوج هو امرأة مقابلها من العائلة التي يزوج ابنته لها\".
ويختم قائلاً: \"يتحمل مسؤولية إخفاق زواج البدل أكثر من طرف، وعلى رأسهم المحيطون بالأسرة من العائلة الممتدة حتى الأب والأم، وبطبيعة الحال سيعيش الأطفال بعيداً عن الأب والأم، وهذا بحد ذاته له تأثيرات سلبية على المجتمع بشكل عام\".
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد