بسم الله الرحمن الرحيم
القسوة..التهميش.. غياب الالتزام والتربية أبرز الأسباب
- ضعف الروابط الأسرية أنتج أفراداً خرجوا إلى الحياة دون رعاية تربوية حقيقية فمارسوا الإجرام
د. خالد القاسم:
وجود المهيجات المتنوعة في وسائل الإعلام ولا سيما القنوات الفضائية ساعد في مثل هذه الجرائم
د. منصور العسكر:
- التهميش الذي يعيشه بعض الشباب في أسرهم لعب دوراً كبيراً في سلوكهم الإجرامي
- غرس الخوف من الله في نفوس الناشئة هو صمام الأمان
- شغل أوقات الفراغ لدى الشباب بما ينفعهم يساعد على علاج هذه الظاهرة
- تطبيق العقوبات الشرعية الحازمة بحق فاعلي هذه الممارسات من أهم خطوات العلاج
* الخبراء:
- التطور الإعلامي الهائل ولَّد مضامين إعلامية تؤصل للانحراف
- الدراسات تؤكد: (الجانحون) غير منتمين لأسر مفككة
- هناك أسر تعيش جفاءً عاطفياً
المشاركون في التحقيق:
1 - د. إبراهيم بن عبدالله السماري
عضو الجمعية السعودية للدراسات الدعوية
2 - د. خالد بن عبدالله القاسم
أستاذ بكلية التربية/ جامعة الملك سعود
3 - د. منصور العسكر
أستاذ علم الاجتماع بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
تحقيق: وهيب الوهيبي
طالعتنا عدد من الصحف المحلية في الآونة الأخيرة عن بعض الحوادث التي بدأت تتسلل إلى مجتمعنا السعودي والمتمثلة في اختطاف الأطفال، حيث تقرأ بين فترة وأخرى عن اختطاف طفل بمنطقة كما نقرأ نفس الخبر عن اختطاف طفل آخر في ظروف غامضة وهذه السلوكيات السلبية وإن كانت قليلة ولم تصل إلى حد الظاهرة في مجتمع يشهد له بالمحافظة والاتزان، وقد تكون بعض هذه القصص غير صحيحة، إذ يعقب النشر أحياناً تكذيب في اليوم الثاني للواقعة من جهات رسمية.. نحن هنا لا نتحدث عن ظاهرة واضحة لكننا أحياناً نقرأ أخباراً في هذا الشأن مما دعانا إلى محاولة البحث عن أبعاد هذه القضية وحجم مصداقيتها ودوافعها.. هذا ما سيجيب عليه بعض المختصين والخبراء في ميادين الإعلام والتربية والدعوةº لعلنا نقف على تصورات مفيدة لمناقشة هذا الموضوع والالمام بجوانبه.
حالات غريبة
في البداية يؤكد الدكتور إبراهيم بن عبدالله السماري عضو الجمعية السعودية للدراسات الدعوية أن الحالات التي تحدث من هذه الممارسة ليست حالات شاذة - للأسف الشديد - وإن كانت حالات غريبة في مجتمع مثل المجتمع السعودي الذي يوصف بأنه مجتمع متدين بصفة عامة، فهي تكررت بما يجعلها تتخطى حاجز الشذوذ، لكنها في رأيي لم تصبح - إلى الآن - ظاهرة، وإنما قد تصبح كذلك إذا تجاهلنا التعامل معها كما ينبغي، ويرجع الدكتور السماري هذا الأمر إلى دواعي اجتماعية ونفسية.
فبالنسبة للخلفية الاجتماعية نجد صورتين خطيرتين.. الصورة الأولى أن المجتمع السعودي الذي عاش مخاض الطفرة بكل تداعياتها السلبية والإيجابية أصيب بأدواء كثيرة في نسيج علاقاته الاجتماعية، فالأسرة المترابطة إلى حد التلاحم بين الأب والأولاد والزوجين في عصور مضت أصبحت تعاني من تفكك بعد مخاض الطفرة، لأن المال فتح الآفاق نحو سبل ومسالك للاستزادة منه ألهت الأب عن بيته وزوجته وأولاده، وترتب على الطفرة سيئة أخرى هي ظاهرة الخادمات والسائقين، حيث أصبحت هذه الطائفة هي مدبرة الشؤون العائلية في المنزل، وكان طبيعياً أن تنقل قناعاتها وعاداتها إلى من فيه، وبالتالي أصبحت العلاقة بين رب الأسرة وأسرته علاقة شرفية لا غير، وغابت الرقابة والحماية.
والصورة الاجتماعية الثانية يجسدها التطور الإعلامي الهائل وامتلاء الفضاء بقنوات فضائية تؤصل الانحرافº إما لأن هدفها الربح المادي ولو عن طريق العبث الفني المشيع للفاحشة والجريمةº أو لأنها تستهدف شباب المسلمين بأفكار وأعمال تبعدهم عن المنافسة الحقيقية في الصراع الحضاري الذي يشهده العالم اليوم.
أما عن الخلفية النفسية، فإن ضعف الروابط الأسرية أنتج أفراداً خرجوا إلى الحياة بدون رعاية تربوية حقيقية، ففشلوا في حياتهم الدراسية، وفي حياتهم العملية، وبالتالي لم يستطيعوا التأقلم مع النمط الاستهلاكي السائد في المجتمع، فأحدث ذلك صدمة نفسية لهم، إلى حد الثورة على المجتمع برمته.
والنتيجة الحتمية لمعطيات الخلفية الاجتماعية والنفسية أن تأصل الإجرام في نفوس تلك الطائفة المنهزمة نفسياً المنبوذة اجتماعياً لفشلها.
ضعف التربية
من جانبه يشير الدكتور خالد بن عبدالله القاسم الأستاذ بكلية التربية بجامعة الملك سعود بالرياض إلى أن حالات اختطاف الأطفا موجودة ولكنها - بحمد الله - لم تصل إلى درجة وصفها بالظاهرة ويلخص في الوقت ذاته أهم الأسباب خلف اختطاف الأطفال وهي:
- ضعف التربية الأسرية لدى الكثير من الأسر والإهمال في تربية الأبناء مما يساعد في انحرافهم.
- وجود المهيجات المتنوعة في وسائل الإعلام ولا سيما القنوات الفضائية.
- الضعف الأمني وعدم وجوده في بعض المواقع والأحياء رغم أهميته.
التهميش وسوء المقابلة
ويشير الدكتور منصور العسكر أستاذ علم الاجتماع بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية أنه من خلال الدراسات التي عملت على الجانحين في المجتمع السعودي وُجد أنهم لا ينحدرون من أسر مفككة أو مصدعة، كما هو الحال في المجتمعات الغربية التي تثبت أن الجانحين في الغالب نشأوا في أسر متفككة، بل إن الجانحين في المجتمع السعودي يغلب عليهم أنهم نشأوا في أسر موجود لديهم الآباء والأمهاتº لكن تكمن المشكلة في أن هذه الأسر تعيش في جو من الجفاء العاطفي الأمر الذي يجعل الأبناء يمارسون بعض السلوكيات المشينة والتي منها جريمة الاعتداء على الأطفال، وكذلك بناء على النظريات والدراسات الاجتماعية، فمن أسباب وجود هذه الظاهرة سوء المعاملة داخل الأسرة لأبنائها فهي تعتبر مصدراً لضياع الفرد، فتدفعه لالتماس هويته عن طريق انتمائه لجماعات جانحة فاسدة خارج بيئته وعائلته وبالتالي يندفع إلى سلوك أساليب مشينة والتي منها جريمة الاعتداء على الأطفال.
كما أن التهميش الذي يعيشه بعض الشباب في أسرهم قد لعب دوراً كبيراً في سلوك بعضهم لجريمة الاعتداء على الأطفال من باب إثبات الوجود وحب الظهور والتعويض عن النقص الذي يعيشه في حياته الداخلية.
وكذلك فإن ضعف الالتزام بالعادات والتقاليد المجتمعية التي عاش عليها المجتمع السعودي والتي تنم عن أصالة وشهامة لدى الأفراد والأسر في السعودية، فكانت مسألة الانتماء المجتمعي قوية جداً تجعل الفرد في سلوكه العام يحرص ألا يمثل نفسه فهو دائماً يمارس السلوك الاجتماعي وفي هاجسه أن يبرز من ينتمي إليهم سواء القبيلة أو المدينة التي نشأ فيها أو القرية التي ترعرع فيها بأنها تمتاز بسلوكيات وأخلاقيات فاضلة، أما اليوم فالشباب ضعف لديهم هذا الهم وهذا الهاجس، نتيجة لغلبة النزعة الفردية في السلوك الاجتماعي لدى الأفراد، فأصبح يمارس سلوكيات وأخلاقيات مشينة ومنها جريمة الاعتداء على الأطفال دون أن يشعر بخجل أو تأنيب من داخله أنه شاذ عمن ينتمي إليهم.
فراغ الشباب
كذلك هناك عامل مهم له دور بارز في عمل الجريمة غير المبررة ألا وهو الفراغ، فنظراً لأننا نعيش في المجتمع السعودي في جو من رغد العيش والرفاهية في ظل الاستقرار الأمني والمعيشي - ولله الحمد - والمنة في ظل حكومة خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين فقد أصبح لدى الشباب وقت كبير لم يحسنوا استغلاله فأصبحوا يعيشون في فراغ في أوقاتهم، فالفراغ داء قتال للفكر والعقل والطاقات الجسمية، إذ النفس لا بد لها من حركة وعمل، فإذا كانت فارغة من ذلك تبلد الفكر وثخن العقل وضعفت حركة النفس واستولت الوساوس والأفكار الرديئة على القلب، وربما حدث له إرادات سيئة شريرة ينفس بها عن الكبت الذي أصابه من الفراغ فلذلك يلجأ بعض الشباب إلى ممارسة مثل هذه السلوكيات المشينة والمتمثلة في جريمة الاعتداء على الأطفال.
تطوير أداء المدرسة
ويؤكد الدكتور العسكر أن أساليب علاج مثل هذه الظاهرة عديدة وتتطلب أن تتعاون مؤسسات المجتمع في القضاء عليها كما أنها تتطلب وقتاً وجهداً متواصلاً حتى تؤتي ثمارها ولعلي أشير إلى بعض من هذه الأساليب: فأول أمر هو غرس سلوك الخوف من الله وحده في نفوس الناشئة وتذكيرهم بأن الله مطلع على الناس ولا تخفى عليه خافية، فهو في الحقيقة صمام الأمان وذلك بأن تكون الرقابة الذاتية لدى الأفراد في المجتمع هي التي توجههم لا أن يكون الذي يحول بينه وبين السلوكيات المشينة، والتي منها جريمة الاعتداء على الأطفال الخوف من الأجهزة الرسمية سواء الشرطة أم رجال الحسبة، كما أن من الأساليب المناسبة لعلاج مثل هذه الظاهرة هي شغل أوقات الفراغ لدى الشباب خاصة بما ينفعهم والتي منها الرياضة والتجارة والعمل المنتج للمجتمع والقراءة وغيرها مما يعود على الفرد بالراحة والسعادة وما يعود على المجتمع بالنفع العام، كذلك مما يساعد على علاج هذه الظاهرة أن تكون الأسرة قريبة من أبنائها وتساعدهم في التوجيه في الحياة العامة وتهيئ لأبنائها الرفقة الصالحة، كذلك من الأساليب المناسبة لعلاج مثل هذه الظاهرة تطوير أداء المدرسة بما يخدم الغرض الذي من أجله أنشئتº فهي للتربية والتعليم فعلى القائمين على التعليم التركيز على تربية الأخلاق والمثل العليا التي يرتضيها ديننا الإسلامي وتقاليد المجتمع لتستجيب مع تحديات المرحلة التي نعيشها واحتياجات المجتمع، كما أن من المناسب لعلاج مثل هذه الظاهرة توفير أماكن خاصة للشباب لقضاء وقت فراغهم للترفيه والترويح بما يتواءم مع ديننا الإسلامي وعاداتنا الفاضلة.
تطبيق العقوبات
ويعود الدكتور إبراهيم السماري مرة أخرى إلى الحديث عن خطوات أخرى للعلاج، حيث يوضح أن العلاج من هذه الممارسة وغيرها من الممارسات الشاذة ممكن لكنه صعب جداً، لأنه يتطلب تعاون عدد من الأطراف وفي عدة مجالات وبعدة وسائل في آن واحد، ويمكن تلخيص أهم خطوات العلاج في الآتي:
- تنمية الشعور الإيماني في نفس كل مسلم صغيراً أو كبيراً، وأنه محاسب ومسؤول، لأن الضمير حارس أمين للفرد، فإذا أحييت قيمه الإيمانية والإنسانية أصبح الحارس يقظاً ومستعداً للذود عن الحمى.
- تفعيل مسؤولية الأسرة، عن طريق إشعار الوالدين والأخوة والأخوات بمسؤولياتهم الدينية والتربوية تجاه أولادهم وإخوانهم.
- الاهتمام بمسؤولية المدرسة، وتأهيل المعلمين والمعلمات، والمشرفين والمشرفات، والمرشدين والمرشدات للتعامل التربوي الناجح مع التوعية بخطر مثل هذه الممارسات.
- تطبيق العقوبات الشرعية الحازمة بحق فاعلي هذه الممارسات الخطيرة وإعلانها لتكون رادعاً من الإقدام على مثلها، وهذا أهم خطوات العلاج دون ريب.
- ضرورة تكثيف الجرعات التوعوية الفعالة من الجمعيات المتخصصة كجمعيات مكافحة إيذاء الأطفال، وحقوق الإنسان في المدارس، والتجمعات الاجتماعية بالتعاون مع وزارة التربية والتعليم، ورعاية الشباب والمراكز الثقافية.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد