بسم الله الرحمن الرحيم
على الرغم من أن الطلاق يكون في كثير من الأحيان بمثابة الحل الوحيد للتخلص من مشكلات مستعصية أو للوقاية من أزمات مستقبلية، إلا أنه لم يزل يترك آثاراً بشعة على نفسية المرأة، التي قد تفرح يوماً أو يومين بعد وقوعه لا سيما إذا كانت معرضة لأذى نفسي أو جسدي شديد من قبل الزوج، لكن معاييرنا الاجتماعية وتقاليدنا ونظرة المجتمع مازالت تمارس ضغوطها وتوجه سهامها على المطلقة مما يجعلها أكثر عرضة للإصابة بانتكاسات واضطرابات نفسية بعد الطلاق.
فالقلق، والتوتر، والشعور بالاكتئاب والميل للعزلة والانطواء، والشعور بالاضطهاد والقهر وما يترتب عنهما وما قد يفرزانه من عدوانية، وتدني الثقة بالنفس وفقدان الثقة بالآخرين بعض ما قد تتعرض له النساء المطلقات في مجتمعاتنا.
نظرة المجتمع:
تقع المرأة في مرحلة من المراحل تحت مصدرين من مصادر الضغط النفسي، فهي تعاني من آثار العنف والشعور بفشل حياتها الزوجية، ومن جهة أخرى تعاني من نظرة المجتمع التي غالباً ما تنطوي على الإدانة أو الانتقاص.
وغالباً ما يترافق الشعور بالقلق والتوتر لدى المطلقة بحالة من عدم الشعور بالأمن النفسي لديها، وما إن تتعدى مرحلة من مراحله حتى تدخل في مرحلة أخرى أو دوامة أخرى.
في كثير من الأحيان تظن المرأة أن الطلاق قد يريحها، لكن قد يحدث العكس، هذه المتاعب قد تعمل على تطوير القلق والضغوط النفسية إلى حالة من حالات الاكتئاب كما حدث مع الشابة (ن). فبعد حصولها على الطلاق وتحررها من قيود زوجية تعرضت فيها إلى أبشع صور التعذيب ومنذ الأسابيع الأولى من زواجها ظنت أنه باستطاعتها أن تتنفس الصعداء، فرحت فرحاً شبيهاً بفرح الأطفال، قالت: أخيراً سأعود إلى حياتي الاعتيادية وسوف أعود البنت المدللة، سأكمل دراستي العليا، ولن أفكر بالزواج، غير أنها فوجئت بردة فعل اجتماعية قاسية وعنيفة، بعد انقضاء عدة أشهر كانت تصف نفسها بنظر الآخرين أنها مثل (خروف المسلخ) وبالأخص للمقربين من أسرتها وأسرة \"طليقها\"، وعلى الرغم من أنها متعلمة وفائقة الجمال، وعلى الرغم من أن معظم المطلعين على وضعها يعرفون بأن مواصلتها لحياة زوجية مع ذاك الرجل كانت مستحيلة، إلا أنهم وصموها \"بالمطلقة\" وما يقترن بهذا الوصم من تبعات، فحتى المواساة بالنسبة لها لم تكن كما ذكرت أقل أذى مما تعرضت له في حياتها الزوجية القصيرة.
سبب المحنة:
قالت أيضاً والدموع لا تفارق عينيها: بعد الطلاق كان بيت أهلي أشبه ببيت لقبول التعازي، واستمر هذا الوضع لأكثر من شهر، بدأت أشعر بأنني عبء على أهلي، وكانت تحرقني دموع والدتي كلما فتحت الأبواب لاستقبال وفود النساء اللواتي كن يأتين لمواساتنا كوننا بحسب اعتقاداتهن في محنة، وفي حقيقة الأمر كانت عباراتهن واستفساراتهن وفضولهن للتوثق مما أشيع حول سبب طلاقي من شائعات هو سبب محنتي، بل محنة الأسرة جميعها، أحسست بأن أهلي قد تأثروا بما قيل ويقال وأصبحوا يتحسبون لما سوف يقال، وأصبحوا على الرغم من تفهمهم يضيقون عليّ الخناق تدريجياً، أقنعوني بعد انتهاء مدة العدة بأنني لست بحاجة للعمل على الرغم من أنني كنت سأعمل في شركة والدي، واستجبت على أمل أن يكون توجههم هذا مؤقتاً وعلى أمل أن يتخلصوا من آثار ما سمعوا وما يقال.
وبدأت أسأل نفسي: وما ذنبي أنا؟ وكنت أصاب بنوبات بكاء شديدة، وقررت أن أعتزل الحياة، أغلقت علّي باب غرفتي ولم أكن أغادرها إلا لمشاركتهم الطعام، لكن مرت أشهر وموقف أهلي لم يتغير، لم يشعروا بالذنب وظننت أنهم سيشعرون، لم يتخلصوا من الآثار وظننت أنه سيكون بمقدورهم.
انتظار الخاطب:
حينما فاتحتهم بموضوع إكمالي الدراسة في كلية الدراسات العليا، أخذوا يتذرعون بأسباب كثيرة للتأجيل، لكنهم كانوا بانتظار الخاطب القادم أو مشروع الزواج الجديد، ليتخلصوا من لعنة \"مطلقة\" لكنهم لم يكونوا مدركين أو أنهم لم يريدوا أن يدركوا أنني لم أتخلص بعد من آثار الصدمة التي ابتدأت فيها حياتي، لم أتخلص من ضجيج صوته وصراخه، لم أتخلص من آثار تعذيبه وجلده لي حتى النزف لأسباب لا أعيها حتى اللحظة، هم لا يدركون أنني فقدت ثقتي بهذا القفص الذي يسمى الحياة الزوجية، طلبت مهلة للتفكير وأردت خلالها أن أعطي نفسي استراحة المحارب.
تقديم تنازلات:
لكن أكثر ما كان يؤلمني هو مستوى الأشخاص الذين وجدوا في كوني مطلقة فرصة لهم للارتباط بامرأة جميلة، باعتقادهم بأنها ستتنازل إلى الحد الذي ترضى فيه بأن تكون زوجة ثانية أو أن ترتبط بشخص غير متعلم، أو بأرمل طاعن في السن، هؤلاء هم عينات الرجال الذين تقدموا لخطبتي، هؤلاء الذين كان يبكيني قدومهم لهذا الطلب ويفرحني في الوقت ذاته، لأنها تعطيني الحق في الرفض القاطع، وتيقنت بعد حين أنه لن يتقدم لي أفضل من هؤلاء وهذا أراحني مرحلياً، فلست أرغب في الزواج، ولست أثق بأن أي ارتباط سيكون أقل صدمة من ارتباطي الأول. كل ما أسعى إليه هو الضغط على أهلي ليسمحوا لي بشق طريقي بعيداً عن التفكير بالزواج، لكن هذا كم يحتاج من الوقت؟ لست أدري!؟
ضغوط الأهل:
الحالة (س) سيدة تجاوزت الأربعين كانت قد تزوجت ولما تتجاوز السادسة عشرة وانتهت علاقتها بزوجها الأول إلى الطلاق بعد سلسلة من المتاعب التي لم تزل تعاني منها حتى اللحظة، لم يدم زواجها ذاك أكثر من عام ولم تنجب، وبعد مضي أشهر العدة أجبرت على الزواج من رجل مختل نفسياً، وتعرضت في زواجها منه إلى ما هو أكثر قوة من تجربتها السابقة، لكنها اضطرت بفعل ضغوط الأهل وتخوفهم من حصولها على لقب \"مطلقة\" للمرة الثانية لمواصلة حياة زوجية مريرة وأنجبت ثلاثة كان وجودهم في حياتها من الأسباب التي تدفعها للتكيف مع العنف من قبل الزوج، احتملت كثيراً، وصبرت طويلاً، صبرت إلى درجة الانهيار والإصابة بحالة اكتئاب متقدمة، غير أن عامل الزمن وما تعرضت له من عنف منذ طفولتها لم ينتقصا من جمالها.
أسباب التعاسة:
وبعد حديث مطول معها لم يكن الهدف منه سوى إقناعها بضرورة الخضوع للعلاج النفسي كخطوة أولى ثم مساعدتها في حل مشكلاتها الأخرى كخطوة لاحقة تبين بما لا يدع مجالاً للشك بأن جمالها كان ولم يزل سبباً من أسباب تعاستها، فهو وراء التعجيل بزواجها وهو وراء ما تعرضت له من عنف من قبل زوج طلقت منه وأجبرت على الزواج بآخر مختل عقلياً ذاقت معه شتى أنواع التعذيب، عانت من فقر شديد ومن وجود زوج لا مبال، طرقت كل الأبواب لتتمكن من توفير أدنى احتياجات أبنائها، لكنها قالتها بمرارة: لا أحد يحسن إلي وإلى أبنائي دون انتظار مقابل، بماذا أختلف عن الأخريات، أنا أطلب صدقة وهم يطلبون جسدي ثمناً، لم أفعل ولن، لكن ما العمل مع أطفالي؟
كيف أوفر لهم الطعام والملابس ومن أين؟
(س) جاءت متأخرة ولم يسعفها الوقت للتخلص من آثار عنف يستحيل ذكر بعضه، الجنون كان وسيلتها للتكيف مع واقع لم يعد يحتمل، ولذا أدخلت إلى مستشفى للأمراض النفسية، لكن ولأن العنف حلقة فإن هنالك ضحايا محتملون هؤلاء هم من شقيت في البحث عمن يساعدها في توفير لقمة عيشهم، إنهم أبناؤها أو ضحايا المستقبل..أما الجمال والطلاق فهما النعمة والخلاص اللذان قد ينطويان على الكثير من مسببات المتاعب.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد