بسم الله الرحمن الرحيم
الطلاق مأساة لا تنتهي عند حدود الكلمة التي ينطق بها الزوج في لحظة غاضبة أو لحظة مجنونة، فكلمة الطلاق يهتز لها كيان الأسرة، فالزوج والزوجة والأبناء الذين يدفعون الثمن كله، ويتجرعون كأس المرارة والحرمان من دفء الأسرة.
وقد أشارت رسالة ماجستير للدكتورة ناديا التميمي عن ازدياد حالات الطلاق بشكل مخيف، ففي مدينة الرياض:
عام 1408 هـ بلغت حالات الطلاق 2564
عام 1409 هـ بلغت حالات الطلاق 2703
عام 1410 هـ بلغت حالات الطلاق 2912
عام 1411 هـ بلغت حالات الطلاق 3119
عام 1412 هـ بلغت حالات الطلاق 3098
عام 1413 هـ بلغت حالات الطلاق 2825
وخلصت الدراسة إلى أن سبب الطلاق واحد، وهو (انعدام التوافق الزوجي) والمقصود بالتوافق الزوجي هو قدرة كل من الزوجين على التواؤم مع الآخرين ومع مطالب الزواج، ويستدل على ذلك من أساليب كل منهما في تحقيق أهداف الزواج وفي مواجهة الصعوبات الزوجية وفي القدرة على التعبير عن المشاعر والانفعالات، ويحدث التوافق إما بتلبية الزوجة لمطالب الزوج أو تلبية الزوج مطالب زوجته، أو تلبية الزوجين لمطالب الزواج وبوصولها إلى حلول وسطى ترضي الطرفين وتتفق مع معايير المجتمع وتقاليده، ويعد الزوجان متوافقان زوجيا إذا كانت سلوكيات كل منهما مقبولة من الآخر وقام بواجباته نحوه، واشبع له حاجاته، وعمل على ما يربطه به وامتنع عن كل ما يؤذيه أو يفسد علاقته به أو بأسرتيهما.
وأهم صفات الأزواج السعداء هي القدرة على ضبط النفس والميل إلى التعاون والمزاج المعتدل وعدم الانسياق إلى اليأس أو فقدان الثقة بالنفس وغلبة روح المودة والصداقة والميل إلى الحركة والنشاط.
ومن أهم الأسباب التي قد تعدم التوافق الزوجي بين الزوجين:
1- تحول الأنماط الحياتية البسيطة التي كانت تتصف بالكفاف والقناعة والإيثار إلى أنماط معقدة تزيد من الضغوط النفسية على الأسرة.
2- الإقبال الكبير على التعليم الجامعي من الفتاة، مع تفضي كثير من الشباب الزواج من مستويات تعليمية اقل.
3- توضح الرسالة إلى أن أعمار السعوديات عند الزواج تظهر:
أ) 4 % تزوجن من عمر 12/ 15 سنة.
ب) 50 % تزوجن في عمر 16/ 20 سنة.
ج) 25 % تزوجن في عمر 21/ 25 سنة.
4- تشير الدراسة إلى أن أكثر من 85% من الشباب يفضلون أن يكون الفرق في العمر بينهم وبين زوجاتهم من سنة إلى عشر سنوات، وأن يكن من مستويات تعليمية أقل وذلك أدعى للتوافق بين الزوجين.
5- حددت الدراسة أسباب الطلاق، ومنها:
أ) مشكلات التواصل: وتتضمن عدم التفاهم واختلاف الثقافة وعدم التكافؤ الاجتماعي والتعليمي واختلاف وجهات النظر في تعليم الأبناء.
ب) المشكلات النفسية: ومنها الغيرة والأنانية والعناد والتسرع والعصبية والخيانة والانحراف والإدمان.
ج) مشكلات اضطراب الدورة: وتتجلى في التهاون في الحقوق والواجبات والمسؤوليات والسيطرة وضعف شخصية الرجل وعدم القدرة على الإنجاب.
د ) الضغوط الخارجية: وتتضمن تدخل الأهل والزواج بأخرى وعمل المرأة والفراغ وتدخل الآخرين.
و ) مشاكل أخرى تتضمن المشاكل المادية والعاطفية والجنسية، ومشكلات العادات والتقاليد.
وعلى الرغم من أن الطلاق يرتبط في أذهان الجميع بمعنى واحد وهو خراب البيوت، خراب حياة المرأة والرجل والأولاد، حيث تخرج المرأة من تجربة الطلاق بجوارحها حزينة، وشعورها بالخزي نتيجة هذا اللقب الكريه لديها (المطلقة)، ورغم أن المرأة تعيش سلسلة من الخلافات والمشاحنات وحربا مليئة بالنكد والتعاسة، وتنظر إلى مراحل حياتها والتي ترى أنها أصبحت مستحيلة، وتتمنى أن يتم العلاج الأخير ألا وهو الطلاق لهذا التصدع الأسري، ورغم شعورها بأنها سجينة خلف قضبان هذه الحياة الزوجية وتتمنى أن تخترق هذه القضبان وتصبح حرة إلا أنها عندما تصبح حرة تماما من هذا التصدع تكتشف أنها واهمة.
ومع تلك المأساة الحقيقية تعض المطلقات أصابع الندم في وقت لا ينفع فيه الندم وتعيش الحسرة والألم.
إن القصص الحقيقية للطلاق والمطلقات غارقة في بحر الندم والحسرة، ولقد استطلعت مجلة اقرأ في عددها 1211 لعدد من المطلقات وما يعانين من آلام نفسية جسيمة:
- تعترف (م. س) بألم وحسرة:
كنت أعيش حياتي مع زوجي كأي زوجين يجمعهما الحب والسعادة تحت سقف واحد، ولكن كانت طريقتي في التعامل معه هي سبب الطلاق، فقد كان لكبريائي دور في كل الذي حدث.
كنت أصر على تنفيذ طلباتي بطريقة ملحة وبكل غرور، في البداية كان لا يرفض لي طلبا ولكن يبدو في النهاية أنه ضاق بي ضرعا ومن تصرفاتي، فكانت النهاية الطلاق.
- أما (ص. ل) فتروي حكاية طلاقها قائلة:
للأسف نشب بين زوجي وبين أفراد أسرتي بعض الخلافات البسيطة بحكم القرابة، واشتدت الخلافات فطلب مني أهلي الضغط عليه، وعندما حاولت التدخل في الموضوع رفض وحذرني من ذلك ولكنني قررت الذهاب إلى أهلي كتنفيذ لنصيحتهم ومحاولة للضغط عليه ولكن كانت المفاجأة فقد غضب من تصرفي وطلقني.
- وتنصح (أم ايمن) بعد زواج 15 عاما ولها من الأبناء خمسة بنات حواء قائلة: علمتني الحياة الكثير من ضمنها كيف أرعى زوجي وأبنائي، وأتمنى من كل فتاة مقبلة على الزواج أن لا تتأثر بما حولها من كلام الناس وإنما تقدم على الزواج ورعاية الزوج بكل حب وإخلاص، فالإخلاص والحب لا أجد غيرهما في إكمال استمرار الحياة الزوجية.
إن الجهل بأحكام الدين السمحة وغلبة الحياة المادية وروح الأنانية وراء الارتفاع المخيف لحالات الطلاق المبكر.
ولنتعرف الآن على بعض من الآثار النفسية والاجتماعية المترتبة على الطلاق:
1- تصاب الزوجة بانهيار واكتئاب وقرحة معدية.
2- ارتفاع ضغط الدم والإصابة بالأمراض الجلدية مثل الاكزيما.
3- قد تتحول المطلقة إلى الإدمان وتعاطي الحبوب المنومة.
4- كراهية الأبناء، لأنها ترى فيهم صورة أبيهم.
5- يعاني كثير من الأبناء في المراحل المبكرة من القلق والخوف ويصاب بعضهم بالفصام والوسواس والشك.
وأخيرا على المطلقة أن لا تبك على ما مضى وعليها أن تنظر إلى الأمام وتتعامل مع الواقع الجديد وان لا تظهر كالضحية وعليها الصمود أمام هذا الواقع الذي لا شك يؤثر على جميع نواحي الحياة بلا استثناء.
ولا تنس أن الطلاق كغيره من الشدائد التي تقع في حياتنا هي في النهاية تضيف إلى سعة قدرتنا على مواجهة الصعوبات وتعطينا المفتاح لحل كثير من المعضلات وتقويم طريقنا وبالتالي نصبح أكثر قدرة وأكثر نضوجا وأكثر تفهما وتقديرا للأمور.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد