بسم الله الرحمن الرحيم
نعم لقد برزت الحاجة الملحة للخادمة في بعض المنازل لخروج المرأة للعمل ووجود بعض الآباء والأمهات المسنين والذين يحتاجون إلى عناية خاصة.
إلا أن عدم الدقة في اختيار الخادمات واختلاف ثقافتهن وأخلاقهن وبيئتهن عن عاداتنا وتعاليم ديننا أفرز العديد من المشاكل النفسية والسلوكية والأخلاقية والعقائدية لدى الأطفال.
كما أن قسوة المعاملة وعدم مراعاة إنسانية وحقوق الخادم من جانب بعض الأسرة أسهمت بدور بارز في استفحال المشكلات..
وإذا كانت الحاجة والضرورة قد فرضت علينا الاستعانة بالخدم فلابد من وضع ضوابط وحدود لتحري الدقة وحسن المعاملة وعدم ترك الحبل على الغارب للخادمة للتصرف في جميع شؤون الأسرة ابتداء من الأطفال ورعاية شؤونهم وانتهاء بتلبية طلبات الزوج، بمعنى ترك إدارة المنزل والتصرف المطلق للخادمة، وبذلك تتخلى الزوجة عن عرش مملكتها وتسلمه للخادمة لتسير دفة الأمور جميعها بدون رقابة من أي نوع.
لقد اقتضت حكمة الله - عز وجل - أن يسخر بعضنا لبعض لتبادل المنافع وقضاء الحاجات لأن الناس يتفاوتون بين قوي الجسم صحيح البدن الذي يستطيع القيام بكل متطلبات حياته بنفسه، وبين ضعيف ومريض ومعاق وشيخ هرم يحتاج إلى من يعينه على قضاء ضرورات حياته المختلفة.
إن وجود الخدم في أي مجتمع ليس ظاهرة مرضية أو نمطاً سلبياً من أنماط المجتمع الإنساني.. فهذه طبيعة الحياة الاجتماعية.. ولا يكاد يخلو أي مجتمع في أي زمان ومكان من وجود الخدم سواء كانوا يعملون بأجر أو يعملون متطوعين لخدمة أقاربهم وذويهم.
ثم هناك المرافق العامة في كل مكان وكل مجتمع وهي تحتاج إلى الخدم مثل المنشآت العامة والمصالح الحكومية والفنادق والمستشفيات ودور الإيواء وغيرها، فالخدم إذاً ضرورة اجتماعية واقتصادية تفرضها طبيعة الحياة الاجتماعية والظروف الاقتصادية.. وهي ليست من صنع أفراد أو تلبية لمصالح فئات محدودة في مرحلة معينة ولا سبيل للقضاء عليها بصفتها ظاهرة إنسانية أبداً....
مرحلة جديدة:
ولقد كانت نهاية السبعينيات مرحلة هامة في حياة الأسرة السعودية التي شهدت وفرة مالية.. تغيرت بسببها المفاهيم وتطورت النظرة نحو مكونات المنزل وحجمه وأساليب إدارته، وتوافق ذلك مع اتساع مشاركة المرأة في العمل الوطني إثر تخريج آلاف الطالبات من الجامعات والمعاهد المتخصصة في شؤون الطب والتمريض والتعليم والتجارة والصيرافة والإدارة، ونشأ عن الوضع الجديد حاجة ملحة إلى وجود خادمة تقوم بأعباء المنزل مثل أعمال النظافة والتجهيز والترتيب ومتابعة الأطفال الرضع في أوقات الدوام.
وزاد من الحاجة إلى العمالة المنزلية توسع حجم المنزل السعودي وتطور مفاهيم النظافة واتساع الدائرة الحضارية فيما يخص نواحي الجمال والزينة والذوق العام.
وزاد من اتساع الخدمة الحضارية نشأة الأطفال وترعرع الصبيان في بيئة ملتزمة بمعايير جديدة وقاسية فيما يخص المأكل والملبس والسلوك اليومي المطلوب للحفاظ على القيم المكتسبة.
وانفتح الباب واسعاً أمام استقدام العمالة المنزلية من الخدم والسائقين والمربيات.. وبدأت معطيات جديدة تلوح في أفق الأسرة السعودية، فأصبح مفهوم «خادمة لكل سيدة» أمراً محتوماً لا مناص منه!!
وتبلورت تبعاً لذلك مشكلات جديدة ولدت في بيئة العمالة المنزلية المستقدمة وهبطت أسئلة على الأسرة لم تكن موجودة من قبل، مثل راتب الخادمة وغرفتها وهداياها، وكيف تعمل؟ ومتى تعمل؟ وما هي ملابسها؟ وكيف تحتشم إذا دخل رب الأسرة الذي ينبغي عليه أن يكون مؤدباً، فلا ينزع شيئاً من ملابسه في بيته ولا يسترخي على الأريكة بطريقة غير لائقة ولا يدخل المطبخ والخدم فيه يشتغلون ولا يخرج منه وهم داخلون.. ومع حمل الخادمة أعباء كثيرة، فرضت قيود كثيرة أيضاً حدت من حرية صاحب المنزل وربة البيت وأشاعت جواً يكاد يكون صارماً.
وقد ترتب على هذا التطور الجديد في المجتمع السعودي نشوء نشاطات اقتصادية جديدة مثل مكاتب الاستقدام الأهلية ووسطاء إنهاء التأشيرات وخدمات التعقيب وارتفاع عدد مكاتب السفر والمرافق الصحية الخاصة.
فهل هناك حلول ممكنة للقضاء على تلك السلبيات التي نشأت داخل كل أسرة أم ستكون لها آثار وإفرازات جديدة على المجتمع؟
سلب وإيجاب:
ولكي نجيب على هذا التساؤل يجب أن نؤكد أن العمالة المنزلية لا يمكن اعتبارها عنصراً سلبياً في المجتمع وإنما هي ككل معطى جديد له إيجابيات كثيرة وسلبيات أيضاً قد لا تكون قليلة.
فلا يجب أن نعمم الحكم بالإيجابية أو السلبية.. لأن الأسرة مكون عائلي صغير وخلية اجتماعية فيها بذور خير المجتمع والوطن.. ولها دور تربوي هام ولا يمكن أن نلغي دورها التربوي والاجتماعي بمجرد انضمام فرد إليها.. لأن فعالية دورها تتوقف على مدى قيام أفراد الأسرة بمهامهم، لا على وجود هذا العنصر أو عدمه.
كما أن العلاقة التي تربط الخادم بالأسرة قد تكون علاقة عمل محدودة وقد تتطور إلى علاقة شبه عائلية، وقد تكون علاقة إيجابية تحقق المنفعة المتبادلة ورضاء الطرفين، وقد تكون علاقة سلبية اضطرارية تنطوي على الكراهية والرغبة في الابتزاز.
والأصل في وجود الخدم هو تحقيق الفائدة للأسرة من دون أي ضرر.. لكن الواقع أن للخدم سلبيات تختلف تبعاً لنوع الخادم وطبيعة ومكان عمله وصفاته الشخصية وأخلاقه وبيئته وثقافته العامة ومدى حاجته إلى العمل وكيانه الأسري وظروفه الخاصة بالإضافة إلى طبيعة التعاقد وشروطه.. كل هذه العناصر تؤدي إلى وجود المشكلة أو عدمها.
وكل التحليلات والكتابات التي تناولت ظاهرة الخادمة الأجنبية أكدت أن هناك ظواهر سلبية كثيرة نشأت.. وظواهر جدت أثرت على العديد من الأسر. خاصة إذا علمنا أن 3% فقط من هذه العمالة من الدول العربية في حين أن 97% هي عمالة غير عربية، ومن ذلك تلك الدراسة التي نشرت مؤخراً والتي أوضحت أن 88% من البيوت السعودية فيها خادمة.
ما دور الخادمة أو المربية في المجتمع؟
الدكتورة فريدة عبد الوهاب آل مشرف أستاذة التربية بجامعة الملك سعود تقول: بكل صراحة الخادمة لدينا تشارك في تربية الطفل، فهي تقضي وقتاً طويلاً معه وتلبي طلباته، بل أراها تحنو عليه تحتضنه وتقبله وتصحبه معها للنزهة وتلعب معه وتقضي معظم النهار معه في حالة عمل الأم.. فماذا بقي للأم والأب بعد عودتهما من العمل وهما في غاية الإنهاك؟ هل سيكون لديهما مزاج لتحمل بكاء وصراخ طفل ورعايته؟
لقد أوضحت البحوث التي أجريت في منطقة الخليج أن للخادمة تأثيراً سلبياً على الطفل والأسرة في المجالات التالية:
- القيم الدينية والثقافية.
- النمو اللغوي والاجتماعي.
- الأنماط السلوكية.
- الروابط والعلاقات الزوجية والأسرية.
ويلزم البحث عن بعض الاقتراحات التي تساعد على تقليل أثر الخادمة على أطفال الخليج.
ويرى الدكتور سامي الرافع أستاذ الخدمة الاجتماعية أن وجود الخادمة في المنزل بحد ذاته لا يمثل مشكلة في تربية الأبناء إن ظل الوالدان يحتفظان بدورهما الأساسي في التربية ويبقى دور الخادمة متوقفاً على الدور الذي توليها إياه الأسرة، فكلما تنازلت الأسرة، متمثلة في الوالدين، عن بعض أدوارها الاجتماعية والتربوية، مثل طريقة الكلام ونوعه وطريقة الأكل وطريقة قضاء الحاجة بالنسبة للطفل، وأسندت ذلك إلى الخادمة، كان تأثيرها أكبر وأخطر.. وكلما اتصف الوالدان بالحزم والمتابعة للتعليمات التي يوجهانها للخادمة حول طريقة التربية كان دورها ثانوياً.
فأهمية الأسرة بصفتها مؤسسة تنشئة اجتماعية لا يقلل من دور وجود الخادمة بشرط أن تكون عملية الضبط الاجتماعي دقيقة صارمة من ناحية الأسرة.
تأثير مستقبلي:
وحول رأى الطب النفسي يقول الدكتور فهد اليحيى استشاري الطب النفسي: وجود خادمات ومربيات الأطفال ظاهرة ليست غريبة، خصوصاً إذا غابت الأم عن البيت لانشغالها، أو عملها، أو طلاقها، أو وفاتها، فلابد من وجود بديل، مربية أو خادمة تتولى أمور الأطفال ولا سيما أن مسؤولية الأطفال مسؤولية كبيرة.
لذلك يجب على الوالدين الاهتمام بأطفالهما وتعويضهم وشملهم بالرعاية والعطف والحب والحنان والأمان.. المهم أن تكون الخادمة أو المربية مؤهلة لهذا الدور، وأن تكون لديها خبرة في تربية الأطفال.. ويجب ألا يغفل الوالدان عن الرقابة المشتركة على المربيات والخادمات.. لأن الوالدين أو أحدهما لا يعلم كيف تتعامل الخادمة مع الطفل أو الطفلة.. مع العلم أن الطفل يعجز عن التعبير أو الكلام فيحتفظ في عقله الباطن بأمور قد نجهلها فتؤثر عليه في المستقبل.
وهذا الأثر يبقى وقد يولد عنده إحساساً بالذنب قد يستمر معه فيفقد الطمأنينة وقد ينتابه اكتئاب يؤدي إلى اضطراب في الشخصية ويبقى الاضطراب فيه طوال عمره، فيفقد القدرة على تربية أطفاله تربية سليمة مستقبلاً.. وفي أوقات كثيرة نسمع منه: أنا أحب هذا الشيء ولا أعلم لماذا؟ وبالعكس.. أنا أكره هذا الشيء ولا أعلم لماذا؟ سواء كان ذلك صورة أو منظراً أو عطراً أو أي شيء آخر، ويعود السبب إلى احتفاظ العقل الباطن بأثر ذكرى قد تنسى مع الأيام ولكن يبقى الأثر، وقد يعاني منه ولا يتذكر إلا بجلسات نفسية عديدة. وهذا ما أكدته إحدى الدراسات التي أوضحت أن 70% من مشاكل الطفل النفسية نتيجة تخلي الأم عن مسؤوليتها وتركها للخادمة.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد