بسم الله الرحمن الرحيم
لا تجد طفلاً إلا ويتمنى أن يكبر ويصبح شابًا ليحقق أمنيته «طيارًا» أو«مدرسًا» أو «مهندسًا»، ولا تجد كهلاً إلا ويتحسر على أيام الشباب المكتنزة طاقة وحيوية ويردد تحت وهن الكهولة: «ألا ليت الشباب يعود يومًا»، ولو أن الطفل اتعظ بالكهل لكانت فترة الشباب الذهبية أغزر في تاريخ إنجازاته وعمله وتحصيله، فمرحلة الشباب تسير على قدمين قويتين هما: الوقت الطويل والطاقة المتفجرة، وبذلك يكون الشاب قويًا في روحه وعضله وحيويته حتى قيل في كل بقاع العالم وعلى مر الأزمان «الشباب عماد المستقبل»، وأيضًا قيل هناك شعوب تتحرك دماؤها وساعاتها وآلياتها غير المادية بسرعة وهناك شعوب غير ذلك... ونحن المجتمع السعودي إذا ما صدقت الدراسات الإحصائية مجتمع شاب ذلك بأن نسبة «الشبابية» تزيد على 40% من عدد السكان، وهذا أمر يبعث على السرور والانتشاء، ويدعم خطط النمو ومعدلات التصاعد في جميع المجالات والنواحي التنموية، وفي الوقت نفسه يبعث على القلق والاحتراس في كيفية إدارة هذا «الشباب» وتوجيهه واستثماره الاستثمار الأمثل لصالح نفسه ولصالح مجتمعه في الوقت نفسه، وهذا مكمن صعوبة لا يستهان به. وهذه «الأربعون» بالمئة تحتاج إلى مزجة مقدرة التراكيب من التدين والوطنية فلا يطغى أحدهما على الآخر فيختل الوزن، وتميد بنا المسيرة، ونحتاج نحن إلى فهم هذه الفئة من الداخل وبيئاتها المتجددة من الخارج لنخرج بها ومنها بأفضل النتائج، وهذا يتطلب مركزًا للدراسات الاجتماعية الصادقة والمحكمة أو جامعات حاضنة لطاقات هؤلاء الشباب بجنسيه لا جامعات محددة لتلك الطاقات الشابة، وكلتا هاتين لا توجد في مجتمعنا حتى وقع بعض شبابنا في دائرة اللامبالاة التي هي نفسها كانت وسيلة تعامل المجتمع مع هذه الفئة فتحول هذا «البعض» المتزايد من طاقة منتجة إلى قلق محبط، ومن أداة فاعلة للبناء إلى آهات تنزوي خلف سلوكيات معقدة وهشة ومؤلمة، ومن صوت مستقل إلى صوت يتحدث عنه «الكبار» بالنيابة، يصفونه يومًا بالاتكالية والليونة والدلع، ويومًا بالتفسخ من واجباته المنوطة به وتقاليد مجتمعه وعاداته.. وبقي شبابنا هكذا مهزومًا من الداخل و«صدّق» ما يقال عنه.
ليأتي الحوار الوطني موقوتًا بأحسن توقيت وأفضله عندما يفتح مصراعيه ويخلي طاولته الجديدة للشباب ليسمعهم هذه المرة ويستوعب أصواتهم ويجيب عن أسئلتهم، ويفتح النوافذ كلها لنسمة أمل كان يحتاج إليها الشاب ليقول هأنذا بعد أن أرهقته الآذان الصامة عنه والألسن المعيّبة له والقرارات المغيّبة له.. في هذا الملف «المعرفي» حاولنا بقدر «شبابيتنا» أن نكون طرفًا صادقًا في الحوار الوطني بإضاءات صريحة على هذه الفئة التي ضُمر جزء منها بفضل عوامل الكهولة المتعمدة حينًا وغير المقصودة حينًا آخر.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد