المدرس المسكين بين مطرقة المديرين وسندان الموجهين


 

بسم الله الرحمن الرحيم

رحم الله شوقي الذي قال:

قم للمعلم وفه التبجيـــــــــــلا                                                         كاد المعلم أن يكون رســـولاً

أعلمت أعظم أو أجل من الذي                                                        يبني وينشئ أنفساً وعقولاً

المعلم هو حجر الزاوية الرئيس في العملية التعليمية والتربوية، وعليه المعول في إنشاء الجيل الذي يعتمد عليه مستقبلاً، وبفكره النير، وعقله الحكيمº يبني النفوس العظيمة، ويضع لبنات البناء السليم والصحيح لأمة تنشد الرقي، وتطلب التقدم.

فحتى يقوم بهذا الدور الهام والعظيم لا بد من إعطائه المكانة التي يستحقها، والمنزلة التي تناسب هذا الدور العظيم الذي يقوم به، فيكرم ويحترم، كما قال الشاعر:

إن المعلم والطبيب كليهما                                                              لا ينصحان إذا هما لم يكرما

والناظر اليوم إلى حال هذا المعلم يجدها حالة مزرية، وأوضاعاً مخجلة مما يعانيه من ضغوطات، وما يتعرض له من مشكلات وخاصة ما يتعلق بعمله المباشر، فهو بين مطرقة المدراء وسندان الموجهين - إلا من رحم الله -، ونار المجتمع التي تكويه من كل الجوانب، فلا هو يجد التقدير والاحترام من رؤسائه المباشرين، وليست له هيبته ومكانته بين طلابه فيصبح (أضحوكة للجميع)، ومجالاً للاستهزاء وعدم الاحترام.

فالمدير يطلب منه كل شيء، ولا يشكره على أي عمل يقوم به، بل يتصيد له الأخطاء والهفوات لينال منه، فلا يهمه أن يجرح كرامته، أو أن ينزل به لوماً وتأنيباً وكأنه عبد من عبيده، أو مستخدم من مستخدميه، لا يأبه لمشاعره، ولا يهتم بعواطفه وأحاسيسه، فيقتل فيه روح العطاء، ويقضي على إمكانيات الإبداع والتفاعل الإيجابي الذي يمكن أن يصدر عنه، ويطلب منه حضوراً متواصلاً من قبل بداية الدوام وحتى بعد نهايته، ولا يفكر بتوفير كرسي يجلس عليه، فهل مثل هذه الحالة يمكن أن تنشئ أنفساً قوية، وعقولاً حكيمة كما قال شوقي.

ورحم الله زماناً أعطى للمعلم المكانة التي يستحقها من إكرام واحترام وتقدير، فتخرج من تحت يديه قادة عظماء، وعلماء أفذاذ، ومجتمعات لا تعرف إلا الخير والعطاء، والبذل والتضحية والفداء، فسادت الدنيا والعالم، وحملت للبشرية أنواع السعادة بمجاميعها، لأنها تعلمت من المعلم الأول محمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وتربت في مدرسته، ونهلت من نبعه الثر الصافي، وأعطت لكل معلم من بعده - صلى الله عليه وسلم - المكانة التي يستحقها، والمنزلة التي يرنو إليها.

أما الموجه فهو الذي يأتيه في ساعة من الساعات ليقوم بعد الأخطاء، وإحصاء الغلطات - إلا من رحم الله - وتسجيلها في دفتر زيارته، ولا يهتم إلا بالشكليات، ولا يركز على الأمور الأساسية من علمه ومعلوماته، وإمكانياته وعطائه، ومسلكه وتفاعله مع طلابه، ومدى الفائدة العلمية والتربوية التي تتحقق على يديه، وبالتالي يقتل في نفسه روح العطاء، ويقضي على كل ما هو بنّاء ومثمر في عمله، كما أنه لا يفيده في شيء، ولا يأت له بأي جديد ليكون كالأخ الكبير الحنون العطوف الذي يصلح ولا يفسد، ويقوم ولا يكسر، ويرتقي بمعلميه ولا يقضي على إمكانياتهم وطموحاتهم، فيأخذ منهم ويعطيهم، ويقدر لهم عطاءهم ومجهوداتهم فيرفع من معنوياتهم، ويكسبهم ثقة في نفوسهم، ويجعلهم في حالة من الحركة الدائبة والمستمرة نحو التطوير والارتقاء والتجديد.

فلنرفع من شأن المعلم، ولنعلي من قدره، ولننزله المنزلة التي يستحقها من احترام، وإكرام، وتقدير ليقوم بدوره الفاعل والمؤثر في المجتمع الذي يعيش فيه، لينهض بمجتمعاتنا، ونعود إلى المكانة اللائقة بنا، فنسود ونقود، ونصبح خير أمة أخرجت للناس، كما كان أجدادنا وسلفنا - رضوان الله عليهم أجمعين -.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply