بسم الله الرحمن الرحيم
إن أي مشكلة تحدث بين الزوجين، فإن لهما تجاهها أحد أربعة مواقف:
الموقف الأول: العلاج:
ونعني به قلع جذور المشكلة من أصلها ونفيها كي لا تعود مرة أخرى، كفعل طبيب الأسنان عندما يقتلع ضرس العقل من فم المريض بعد ورم اللثة، فيكون قد قلع أصل المشكلة، فلا يتألم المريض بعد ذلك من وجع الضرس.
الموقف الثاني: الاحتواء:
ونعني به استيعاب المشكلة، وحسن التعامل معها، والحرص على عدم زيادة حجمها وتفاقمها، بل السعي لإيقافها وتجميلها، كما يجمل طبيب الأسنان ضرس المريض إذا أنكسر جزء منه فيلبسه بعجينة، ثم يعود كما كان، ولكن بعد إجراء عملية تجميل صناعي، ولا شك أن هذا يحتاج إلى تشخيص ووقت حتى يصل الطبيب إلى النتيجة المرجوة.
الموقف الثالث: التوظيف:
ونعني به محاولة تخفيف المشكلة من خلال توظيفها والاستفادة منها في ما هو خير، كفعل طبيب الأسنان مع الضرس المسوس، فإنه يحاول أن ينظفه من التسوس مع الاستفادة من أصل الضرس، ومثال ذلك أن يكون الزوج بخيلاً، ولا نستطيع علاج البخل أي اقتلاعه من جذوره، ولا احتواه، ولكننا أن نوظفه، فتجعل بخله عن الإنفاق في المحرمات مثلاً فهنا لا يعتبر بخلاً، ولكنه بخل محمود، أو أن يكون مسرفاً فنوجه إسرافه فيما يعود على تنمية الأبناء ثقافياً وتعليمياً للأمور التي تعود على الأسرة بمنفعة رأسمالية، أو أن تكون الزوجة قائدة وشخصيتها قوية ومتميزة، فتوظف هذه الصفة في الخير في تربية الأبناء مثلاً.
الموقف الرابع الإهمال:
ونعني به إهمال المشكلة وتجاهلها وتجاوزها، فلعلها تذهب مع الوقت، وكما قيل آخر الدواء الكي.
مثال:
لنضرب مثالاً على ما سبق بيانه ليتضح المفهوم أكثر..
مشكلة: زوج مدمن على المخدرات.. كيف نتعامل معها؟!
للزوجة هنا أن تختار: هل تريد:
1- العلاج: يعني أن يقلع عن المخدرات ويرجع سليماً معافى.
2-الاحتواء: يعني أن يتعاطى المخدرات بعيداً عنها وعن أولادها، فإذا عاد إلى رشده يرجع إلى البيت.
3-التوظيف: لايمكن تصوره في مثل هذه المشكلة،لأن المخدرات شر محض.
4-الإهمال: يعني تركه يتعاطى المخدرات من غير إرشاد أو توجيه لعله يقلع عنه في المستقبل لوحده.
مثال أخر:
مشكلة: زوجة مبذرة ومسرفة.. كيف نتعامل معها؟!
للزوج هنا أن يختار: هل يريد
1-العلاج: بمعنى أن ينقلها من العيب الذي هي فيه إلى الاعتدال في الإنفاق.
2-الاحتواء: فيجعلها مبذرة ومسرفة من مالها الخاص، وليس من ماله ومصروف البيت.
3-التوظيف: فيجعلها مسرفة في الخيرات وفعل الصدقات وليس في كل شي.
4-الإهمال: بمعنى أن يهمل التعامل مع هذه المشكلة ويبني الزوج حياته بنفسه لعلها تتأدب مستقبلاً.
وكذلك نقول هنا الأمر متوقف على القرار الذي يتخذه الزوج في التعامل مع هذه المشكلة، وكل مرحلة لها معاناتها ووقتها.
نبحث عن الكمال:
لماذا يشتكي أكثر الناس من حياتهم الزوجية؟
ويعبرون عنها بكثرة المشاكل وعدم الارتياح؟!
ذلك لأنهم دائماً يبحثون عن الكمال، فالزوج يريد زوجة كاملة الأوصاف والأخلاق والسلوك، والزوجة تريد زوجاً كامل الأوصاف. كذلك ولهذا نلاحظ أن أكثر الأزواج والزوجات يشكو بعضهم من بعض، والحقيقة أنهم هم الذين ينغصون على أنفسهم جمال حياتهم وسعادة نفوسهم، هؤلاء هم الذين يقفون موقفاً واحداً أمام جميع المشاكل الزوجية، فلا يعرفون غير موقف العلاج للمشكلة، ولهذا فإذا لم يحصل العلاج جاءهم الإحباط الزوجي، فلا يفكرون في الاحتواء، ولم يتعرفوا على التوظيف.
فهؤلاء يعيشون حياتهم الزوجية وكأن بيدهم عصا موسى عليه السلام، أو خاتم سليمان عليه السلام.
إن الشخصية الايجابية هي التي تحول المحنة إلى منحة، وتحول العائق
إلى فرصة، وبدلاً من أن تشتكي من النار، وتفكر في كيفية استثمارها سواء بالتدفئة أم بالطبخ عليها..
فتقول مرة أخرى للقارئ الكريم: أنت الذي تحدد كيف تتعامل مع مشكلتك..
وأنت صاحب القرار الأول والأخير.
هل تختار العلاج..؟
أم الاحتواء..؟
أم التوظيف..؟
أم الإهمال..؟
فكر.. ثم استخر.. ثم توكل على الله..
2- كيف نفكر لحل المشكلة الزوجية؟
سنتطرق لعدة وسائل تعين الزوجين لاحتواء المشاكل الأسرية وعلاجها
1-وسع الخيال:
أفضل طريقة لعلاج المشكلة أو احتوائها أو توظيفها بعد الاستعانة بالله – تعالى- وحسن التوكل عليه، هي أن يوسع أحد الطرفين خياله، فيزوده بالأفكار التي لو جمعها مع المشكلة، لأنتجت له حلاً يمكن أن يكون مقبولاً وفق القاعدة التالية:
نجمع بين المشكلة والخيال ثم نستخرج الحل المقترح
ولنوضح هذه القاعدة بالشرح التالي:
المشكلة: نختار هنا المشكلة التي يعاني منها أحد الطرفين مثل:
1- العناد، التدخين، الإهمال، ترك الصلاة، الغرور، الثرثرة...
2- الخيال: بعد أن نختار المشكلة نطلق لخيالنا العنان فنكتب كل ما نتخيله مثل: صاروخ، دبوس، بحر، غيوم، وردة.....
ثم نختار واحدة مما تخيلناه ونجمعها مع المشكلة، ثم نفكر بالناتج في علاج المشكلة، وقد تكون الحلول المقترحة مقبولة أو مرفوضة، ولكن لو فكرنا بهذه الطريقة فسنكون متميزين في علاج مشاكلنا، ثم نحاول تطوير الأفكار المرفوضة.
ولنبدأ عملياً بمثال حتى نوضح للقارئ وللقارئة أكثر.
المشكلة هي صمت الزوج ونتخيل معها وردة حمراء مثلاً فيكون الحل كالتالي:
الحل الأول: تقدم الزوجة لزوجها وردة حمراء، وعليها رسالة تعبر لها عن معاناتها بسبب صمته، وتدعوه للحديث معها.
الحل الثاني: تقدم الزوجة لزوجها وردة حمراء بعد أن تصبغها باللون الأسود وتقول له: هذا السواد يشعرك بأن الوردة ميتة مع أنها حية، وكذلك أنا ميتة بسبب صمتك.
الحل الثالث: أن تشتري الزوجة 20 وردة وتعلق على كل وردة بطاقة فيها كلمات تشجيعية للزوج مثل: أريدك أن تتحدث معي، أو أنا سعيدة عندما تتحدث معي وهكذا..
مثال 2: لو جمعنا بين الصمت والقمر فما هي الحلول؟
الحل الأول: أن تدعو الزوجة زوجها إلى الذهاب إلى البحر في ليلة مقمرة ثم تحاوره عن ألمها بسبب صمته.
الحل الثاني: أثناء وجود الزوجين على البحر ورؤيتهما للقمر، تقول له: كيف يضئ القمر؟ فيقول أنه يستمد نوره من أشعة الشمس، فتقول:لو لم تنشر الشمس أشعتها عليه لما رأينا جماله، ثم تلتفت إليه وتقول: وأنت لو أنك تعطيني من حديثك شيئاً فسترى جمالي وحيويتي.
هل تعلم أنك لو فكرت بهذه الطريقة، فستجد للمشكلة الواحدة،أكثر من 500 حل بعضها يناسبك وبعضها يحتاج إلى بعض التطوير ليناسبك.
(2) الاستراحة:
إن الأسلوب الثاني لحل المشكلة الزوجية أو احتوائها وخصوصاً إذا شعرت أن الطريق أمامك مسدود هو (خذ استراحة) وتوقف عن التفكير في علاج المشكلة، فإنك ستلاحظ أن الدماغ سيشتغل ويربط بين المعلومات على الرغم من أنك مشتغل بشي، وفجأة تشعر بنفسك بارتياح وسعادة، ومن الغريب في هذا الموضوع أن بعض الناس يرون الحل برؤيا في النوم، وهذه من عطايا الرحمن..
(3) أسال نفسك: وهذا أخر أسلوب من أساليب العلاج،وهو أن تسأل نفسك أسئلة كثيرة،وتحاول الإجابة عليها، ومن الأسئلة المهمة:
•ما هي المشكلة؟
•كيف جاءت؟
•هل هي مشكلة؟
•هل يمكن علاجها؟
•كيف نغيرها؟
•ما هي فوائدها؟
•هل ستكبر؟
•كيف نصغرها؟
•ماذا.. لو أهملتها؟
•ما هو سبب وجودها؟
•لماذا أنا متأثر؟
•هل وقع غيري بمثلها؟
وغير ذلك من الأسئلة التي تفتح لصاحب المشكلة الأفاق، فيبدأ يفكر بطريقة صحيحة، وبنظرة واقعية تساعده في العلاج.
(4) المناقشة:
وهذا الأسلوب آخر يمكن أن يساهم في علاج المشكلة الزوجية، وهو طرح المشكلة بطريقة غير مباشرة للأصدقاء والأحباب للاستماع لرأيهم ومناقشتهم في الحلول، فقد يكون الرأي المقترح هو الحل.
إن الاستفادة من اختلاف وجهات نظر الناس فر رؤيتهم لموضوع معين، أمر مطلوب لعلاج المشكلة الزوجية، فكل شخص يرى المشكلة من زاويته وخلفيته الثقافية، والاجتماعية، وربما يكتشف صاحب المشكلة أن المشكلة ليست مشكلة، وإنما هو الذي جعلها مشكلة، فكثير ما يخطئ الإنسان في الحكم على الشيء والمناقشة هي عبارة عن تلا قح الأفكار، فما هي الثمرة؟!
5-(الاستشارة):
والاستشارة هي طريقة من الطرق التي تساهم في النظرة الصحيحة للمشكلة، ولعل مبحث (كيف ننقذ هذا الزواج من الفشل)؟ يساعدنا في فهم معنى الاستشارة، فالمستشار لا يعالج المشكلة، وغنما يقترح حلولا جديدة تساعد صاحب المشكلة على رؤية صحيحة،وبالتالي يحسن التفكير فيها.
وهناك كثير من المؤسسات النفسية والاجتماعية التي تقدم الإرشاد الأسري، كما أن هناك جهوداً فردية موجودة في الساحة، ولكن من المهم أن يكون المستشار على قدر من الخبرة والدراية النفسية والاجتماعية والشرعية بالإضافة إلى فهم الواقع والتعامل معها.
(7) أربح أنا وتربح أنت:
لقد أعجبتني طريقة لحل الخلافات قرأتها في ثلاث كتب، الأول كتاب (إرادة العقل) مترجم (للدكتور جيلان تبلر وتوني هوب، والثاني كتاب (العادات السبع للقادة الإداريين) مترجم (لستيفن كوفي)، والكتاب الثالث (التربية والتجديد وتنمية الفاعلية عند المسلم المعاصر) لدكتور ماجد عرسان الكيلاني.
وملخص الطريقة هي أنه عند حدوث أي خلاف بين طرفين – وطالما تكون في أحد الاحتمالات التالي:
اربح أنا وتربح أنت، وتخسر أنت،اخسر أنا، تربح أنت ونخسر جميعاً،أو نربح جميعاً.
ونحن نفضل عند الخلاف الزوجي أن يربح لاثنين معاً.
فالقاعدة العامة والتي نرجوها دائماً بين الزوجين هي أن يربح الاثنان معاً، فلو أرادت الزوجة سجادا أحمر والزوج لونه أخضر، فيمكنهما أن يوفقها بين الرأيين عند التعارض بين الرغبتين، حتى يصلا إلى منهج الربح للاثنين معاً..
(9) الضغط الاجتماعي:
إن الضغط الاجتماعي يعتبر من الوسائل التي تساهم في علاج المشكلة الأسرية أو الزوجية وخصوصاً إذا كان الإنسان يراعي شعور الآخرين ويقدرها، ويحرص على الحفاظ علي سمعته، وأحيانا يخاف الزوج من أن تفشي زوجته سره أمام عائلته أو أصدقائه فيراعيها ويقدرها خوفاً من الضغط الاجتماعي للحفاظ على سمعته، وكذلك مر بي عدة قضايا استخدم فيها الأزواج هذا الأسلوب، وإن كان عند النساء أكثر..
ويحضرني في هذا الموقف رواية في عهد الحبيب محمد - صلى الله عليه وسلم- في إذا جار لجاره، وأن الأخير أستخدم هذا النوع من العلاج وعالج المشكلة.
وقد ذكر لنا ذلك لنا أبو هريرة عندما قال (جاء رجل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يشكو جاره، فقال له: اذهب فاصبر، فأتاه مرتين أو ثلاثة، فقال: اذهب فأطرح متاعك في الطريق ففعل: فجعل الناس يمرون ويسألونه، فيخبرهم خبر جاره فجعلوا يلعنونه، وبعضهم يدعو عليه،فجاء إليه جاره فقال: ارجع فانك لم ترى مني شيئاً تكرهه.
(10) العلاج القرآني:
لقد تطرق القرآن الكريم لخلاف الزوجي وبين لنا كيفية التعامل معه،ولكني لم أوسع في العلاج القرآني بسبب كثرة الكتب والمراجع في هذا الباب، سواء كانت كتب التفسير للآيات القرآنية أو كتب حديثة تستند إلى الكتاب والسنة.
نعود مرة أخرى إلى العنوان (العلاج القرآني) ونقول بأن الله – تعالى- بين لنا كيفية التعامل مع الزوج إن كان ناشزاً، أو الزوجة إن كانت ناشزة في الآيتين الكريمتين.
نشوز الزوج:
قال الله – تعالى-: {وإن امرأة خافت من بعلها نشوزاً أو إعراضاً فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحاً والصلح خير} النساء /128.
نشوز الزوجة:
قال الله – تعالى-: {واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع، واضربوهن، فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلاً} النساء/34.
يتبين لنا من الآيتين السابقتين العلاج القرآني لزوج الناشز من خلال الصلح، ولم يذكر تفاصيل الصلح ليدفع الزوجة إلى الابتكار والتجديد في احتواء الخلافات الزوجية، وأما بالنسبة لنشوز الزوجة ففصل فيه، وبأ بالوعظ والإرشاد لإصلاح المشكلة وعلاجها، ويمكن للقارئ،أن يبحث عن تفاصيل الآيتين في كتب التفسير والمراجع المتوفرة في المكتبات.
(فالإسلام لا ينتظر حتى يقع الشقاق قلما يثمر.. وما لم يتدارك الأمر منذ البداية فسيئول إلى زعزعة الكيان الأسري زعزعة لا يصلح مها استمرار حياة هنيئة مطمئنة لأعضاء هذه الوحدة الاجتماعية.
لأنه قد تكون هناك أشياء يخجل الزوجان من إطلاع الغرباء عليها، ولكن الحكمين اللذين من أهلها أشد حرصا من غيرهما على مصلحة الأسرة..
وأقوى رغبة في استمرار علاقة الزوجين.. وأكثر ائتماناً على أسرارهم، لأن في إفشائها مساساً بهما، بقدر ما فيها من مساس بالزوجين، ويقوم الحكمان بدراسة الأحوال،واستقصاء خلفيات النزاع، ولا يدخران وسعاً في إزالة أسباب المتاعب والخلاف إن يريد إصلاحاً يوفق الله بينهما، فالقرآن الكريم عالج المشاكل الزوجية وقاية وعلاجاً.
(من كتاب المشاكل الزوجية – فوائدها وفن احتوائها)
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد