الإجهاد : كيف نعيش مع القدر السليم منه ؟ (2)


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

تحدثنا في المرة السابقة عن الإجهاد وأهم علاماته وأسبابه وذكرنا أننا بذلك نكون قطعنا نصف الطريق إلى التغلب علي الإجهاد. واليوم نعرض لك أيها الأخ الكريم استراتيجية كاملة للتعامل مع الإجهاد. وقبل أن نشرع في عرضها لك نوصيك بأهمية العمل بما تتعلمه وأهمية مساعدة الآخرين كذلك في التغلب على معاناتهم ومتاعبهم وكما قال النبي (- صلى الله عليه وسلم -) \" الدال على الخير كفاعله \"

 

استراتيجية التغلب على الإجهاد

الخطوة الأولي: لحظة من فضلك:

كلما زدت من دفع نفسك إلى الأداء وأنت مجهد كلما بات احتمال الوصول إلي ما تريد أقل، ذلك لأن المحاولة \" الأشد \" تزيد من الضغط وكذلك تزيد من فقدان الكفاءة. التي تتوقف فيها التفكير في الأمر. وعندما يتراكم الإجهاد ويصل إلي مستويات عليا فأنت في حاجة إلي لحظات لالتقاط الأنفاس. ومهما كان شعورك بالضغط عليك امنح لنفسك الوقت للمراقبة وإعادة النظر.

إنه وقت مجدي وغير ضائع لأنه يساعدك على وضع الأشياء في وضعها الصحيح والتخطيط للخطوة التالية. ولذا قف وقفة قصيرة مع نفسك وكما يقول عمر - رضي الله عنه - \" حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وزنوا أنفسكم قبل أن توزنوا \" وفكر في نواحي حياتك المختلفة: الإيمانية والصحية والشخصية والأسرية والمهنية والمادية اسأل نفسك هل أنت تحقق التوازن بين نواحي الحياة المختلفة أم تكرس كل وقتك لناحية واحدة فقط من نواحي الحياة؟ فمن أسباب الإجهاد هو التركيز على ناحية واحدة فقط من نواحي الحياة وإهمال الباقي كمن يركز على عمله ومهنته ويهمل باقي الجوانب، هذا من شأنه أن يعيش في تعب وإجهاد عظيم.

 

الخطوة الثانية: رتب الأوليات:

الإجهاد يجعل الأمر صعباً لإعطاء الأولية إلى أكثر الأشياء أهمية. حقاً إن اختيارك لما تعلمه في المرحلة التالية كثيراً ما يصبح عشوائيا لدرجة أنك تجد نفسك وبلا تفكير تقوم بأداء أول شيء يصادفك لأنك لا تملك الوقت الكافي للتفكير فيما تعلمه وهذا خطأ كثيراً ما تقع فيه والحقيقة أنك لو قمت بتحديد أولوياتك العظمى ستجد أنه من السهل أن تقطع العمل بعشوائية وأن تتخذ القرارات التي تؤدي إلي حياة أكثر توازناً وأقل إجهاداً.

 

عليك باستخدام أولوياتك كي ترشدك إلي قراراتك الصغيرة مثل \" كيف أقضي هذا المساء وإلي قراراتك الكبيرة مثل \" تغيير وظيفتك فإذا أدركت ما هو حيوي بالنسبة لك يصبح الأمر أسهل لتقليل الخسائر عندما يتصاعد الإجهاد إلي مستويات عالية: ولذا بمجرد أن تكون حددت أولوياتك الخاصة بك تستطيع التعامل مع الكثير من آثار الإجهاد وإليك بعض النماذج العملية:

1- الإجهاد يجعل أمر التخطيط واتخاذ القرارات أمراً صعباً أمنح نفسك وقتاً للتخطيط في كل يوم (أفضل وقت له هو الصباح المبكر)

2- الإجهاد يصيبك بالتعب: أمنح نفسك استراحات مناسبة لتناول الطعام والقيام بالتمارين وكذلك في عطلات نهاية الأسبوع.

3- الإجهاد يبطئ من سرعة شفائك ويضعف مقاومتك للمرفق \" تعلم أن تتوقف عن الأداء قبل أن تستهلك نفسك تماماً \"

4- الإجهاد يقوم بإغرائك بتجنب الأمور الصعبة أو تأجيل التعامل معها وبذا فإنها لن تحل واجهها بدلاً من ذلك. وكثيراً ما يكون من الأفضل أن تقوم أولاً بأداء العمل الأقل تفصيلاً لديك والذي هو أصعبها أيضاًَ.

 

الخطوة الثالثة: قلل من الضغوطات الخارجية:

هناك الكثير من الأشياء الصغيرة التافهة التي تمثل ثقلاً علينا نستطيع مواجهتها والتخلص منها بسهولة وبذلك نقلل من الضغوطات الواقعة علينا مثل: الفوضى في غرفة النوم، مكتبة الكتب غير المنظمة، المرآة المكسورة في سيارتك، زيارة لأحد الأقارب الثقال على نفسك..... وهكذا إن إزالة مثل هذه الضغوطات الصغيرة من شأنه وأن ينعشك بصورة عالية وأن يمنحك قوة للتغلب على الضغوطات الأكبر أو على الأقل التعايش معها إن لم يكن عندك ما تفعله تجاهها (مثل مرض أحد والديك أو أبنائك، مديرك الذي يضطهدك)

 

الخطوة الرابعة: قلل من الضغوطات الداخلية:

يقول الحق- تبارك وتعالى -في كتابه \" إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم \" فالحقيقة أن جزء كبير من الإجهاد من داخلك ومن نظرتك إلى الأمور بطريقة معقدة وكما يقول الرافعي \" فالحياة لا تتعقد بذاتها ولكن من نظرة الناس إليها.

لذا فتغيير نظرتك إلى بعض الأمور من شأنه أن يخفف جداً من الضغوطات عليك إن لم يزلها بالكلية وإليك أخي الكريم هذا الجدول الذي يوضح لك كيفية تغيير نظرتك إلى الأمور لتخفيف الضغط عليك.

وضع الضغط عليك

نوع الضغط عليك

ينبغي إتمام هذا الأمر

سأفعل قدر ما أستطيع في الوقت المسموح به

لا ينبغي أن أطلب المساعدة

كل إنسان يطلب المساعدة أحياناً سأكون سعيداً لو عاونت أي إنسان

لا أستطيع أن أدع أي إنسان يعرف ما أشعر به

ليس هناك ما أفقده إن تحدثت مع أحدهم عن مشاعري

ينبغي أن أؤدي هذا العمل جيداً

لا أستطيع إلا أن أؤدي أفضل ما في وسعي

الآخرون يستطيعون تدبر هذا الأمر أفضل بكثير

إن كل شخص معرض للإجهاد لست الوحيد في هذا

قد يكون هناك عواقب وخيمة إذا فشلت في هذه المهمة

ليس هناك في الحقيقة ما أخسره والحياة كلها تجارب أتعلم منها

 

الخطوة الخامسة: عش بطريقة سليمة:

من الآثار الخطيرة لوقوعك تحت الإجهاد هو تجاهلك لصحتك وعلاقتك مع الآخرين وهذا يوقعك في دائرة مفزعة، لأن الصحة الضعيفة والعلاقات الواهنة تضيف بنفسها إلي الإجهاد الأصلي. ولذا فمن المهم أن تقوم بالتركيز ليس مباشرة على الإجهاد نفسه ولكن أن تعتني أيضاً بصحتك وصدق سلمان - رضي الله عنه - إذ يقول \" إن لبدنك عليك حقاً وإن لنفسك عليك حقاً وإن لأهلك عليك حقاً فأعط كل ذي حق حقه \"

وحتى تعيش بطريقة سليمة تحتاج إلى:

1- الغذاء والتمارين:

وكلمة السر في ذلك هو الانتظام: أنت بحاجة إلي وجبات منتظمة وذلك سوف يصنع فارقاً له معناه وكذلك يفعل المشي أو استخدام السيارة بصورة أقل ومما يثير الدهشة أن ممارسة التمارين عندما تكون مجهداً يكون باعثاًَ على النشاط أكثر من أن يكون باعثاً على التعب وغالباً للشيء المثالي ينبغي أن تقوم بعمل التمارين بما لا يقل عن ساعة من الزمن مرتين كل أسبوع بما يبني القوة بطريقة متدرجة.

 

2-الراحة والترفية والعلاقات:

الراحة: تحتاج إلى الراحة كي تجدد طاقتك وقد أنعم الله علينا بأن جعل لنا النوم وسيلة للراحة من عناء اليوم المتواصل قال - تعالى -\"وجعلنا النوم سباتا \" ولذا فحاول أن تحصل على راحتك الكافية من النوم وفي أثناء عملك طوال اليوم أجعل هناك فترات منتظمة للراحة مثل: تناول الشاي مع أحد الأصدقاء، التنزه قليلاً

وتحتاج أيضاً بين الحين والآخر إلي فترات راحة طويلة مثل أجازة لمدة أسبوع، يوم تقتضيه في الخارج مع العائلة.

والراحة معناها: عدم العمل: ألا تقوم بأداء أي عمل في وقت الراحة.

الترفية: الترفيه يمدك الإحساس بالمتعة وأن نفسك باتت في حالة أفضل وأكثر اكتمالاً ورضاءاً

ولكن أحرص على أن يكون لك نشاطاً أسبوعياً للترفيه عن نفسك لدفع الملل واستعادة النشاط وقد قال (- صلى الله عليه وسلم -) روحوا القلوب ساعة بساعة.

العلاقات: الإنسان كائن اجتماعي بطبعه ولا يستطيع أحدنا العيش بدون علاقات مع الآخرين دعماً كبيراً لنا ومصدراً للسعادة والطمأنينة بل إن الفضفضة عن همومك وآلامك مع أحد أصدقائك المخلصين يزيل كثيراً من الإجهاد الواقع عليك.

ولذا فاحرص على أن تبقى علاقاتك طيبة مع من حولك.

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply