كيف تنظم وقتك (2-3)


بسم الله الرحمن الرحيم

 

ثانياً: التنظيم

بعد أن أدركنا أهميةَ التخطيطِ وطريقتَه، بقي علينا أن نعرفَ القضيةَ الثانيةَ، وهي لا تقلُ عن سابقتِها في الأهميةِ ألا وهي التنظيمُ.

لو جازَ لكلِّ أمةٍ, في الدنيا أن لا تنظمَ نفسَها، لما جازَ للمسلمينº لأن دينَهم يقومُ على التنظيمِ والترتيبِ بالدقائقِ والثواني، فالذي يُصلي قيلَ موعدِ الصلاةِ بخمسِ دقائقº هل تصحُ صلاتُه؟، والذي يفطرُ قبلَ أذانِ المغربِ بخمسِ دقائق، هل يصحَ صومُه، والذي يصل عرفةَ بعد طلوعِ فجرِ يومِ النحرِ بخمسِ دقائقَ لا يصحُ حجُه، كلٌّ ذلك لتعليمِنا النظامَ وضبطَ النفسِ، وإلا فماذا يَضرُ الصائمَ في الصيفِ (عقلاً لا شرعاً) إن صامَ أربعةَ عشرَ ساعةً إلا خمسَ دقائقَ؟!

إذن من الحِكَمِ المرادةِ أن نتعودَ على النظامِ في أعمالنِا كلِها، وألا نُصابَ بطاعونِ العشوائيةِ والفوضويةِ في حياتنا.

 

هناك عواملُ تساعدُك على تنظيمِ جميعِ أمورِك منها:

1- اكتب أي معلومةٍ, تريدُها مباشرةً، ثم ضع هذه الورقةَ في مكانٍ, تكونُ متأكداً من وقوعِ بصركَ عليها.

2- حاول أن تتجاهلَ بعضَ المشكلاتِ، فهذا هو خيرُ علاجٍ, للقضاءٍ, عليها.

3- قسم الأعمالَ المطلوبةَ إلى مجموعاتٍ, بحيثُ تجمعُ الأعمالَ المتشابهةَ في مجموعةٍ, واحدةٍ,. فمثلاً:

- تريدُ شراءَ بعضِ الخضارِ وبعضِ المأكولاتِ والمرطباتِ فتذهبُ إلى الأماكنِ التي تجمعُ هذين الأمرينِ حتى لا يضيعَ عليكَ الوقتُ.

- مثالٌ آخرَ: تريدُ شراءَ كتبٍ, و أشرطةٍ, و تصويرِ أوراقٍ, و زيارةِ قريبٍ, و شراءَ بعضِ الخضارِ والفواكه، فماذا تفعل؟

قسم هذه الأعمالَ إلى مجموعاتٍ,.. فنقسمُها إلى ثلاثةِ أقسام: أدواتٌ مدرسية وصلةٌ رحم، والخضارُ والفواكه؟ بعد ذلك هل يمكنُ أن تقومَ بها في مسيرةٍ, واحدةٍ, من خلالِ ما يلي:

هل يوجدُ حولَ منزلِ قريبِك من يبيعُ أدواتٍ, مدرسيةٍ, وفواكهَ وخضار؟ فإن كان كذلك فإنك بذلكَ توفرُ على نفسِك أوقاتٍ, كثيرةٍ, يُمكنُ من خلالِ عدمِ التنظيمِ أن تضيعَ سدى.

4- عدمُ تركِ المهامِ غيرُ منتهيةٍ,º فالتنقلُ من موضوعٍ, لآخرَ سوفُ يُضيعُ عليك وقتك، ولن تصلَ إلى هدفِك فتصبحُ كالمنبت لا أرضا قطعَ ولا ظهراً أبقى.

- مثالُ ذلك: من أرادَ أن يحفظَ عمدةَ الأحكامِ فيبدأُ بالحفظِ، فيحفظُ مائةَ حديثٍ, مثلا، فتعلو همتهُ فينتقل ليحفظَ في كتابِ بلوغِ المرامِ فيحفظُ تسعيَن حديثا، فتعلو همتُه فيحفظُ في مختصرِ صحيحِ مسلمٍ, خمسين حديثاً ثم بعد ذلك ينقطعُ ويفترُ والنتيجةُ لا شيء!!

- مثالٌ آخرَ: قررَ محمدٌ أن يقرأَ كتابَ فتحِ المجيدِ شرحَ كتابِ التوحيدِ وخصصَ له وقتاً وبدأ بالقراءةِ وبعد أن قطعَ مشاوراً لا بأسَ به غيَر وجهةَ نظرهِ فانتقلَ إلى كتابٍ, آخر، ثم إلى آخرَ وهكذا فينتهي عمرُه وهو يتنقلُ من كتابٍ, إلى آخرَ دون أن يُتمَّ قراءةَ واحدٍ, منها.

5- حاول أن تقللَ من الأعمالِ (الروتينيةِ)، وهي الأعمالُ اليوميةِ ذاتِ الطبيعةِ النمطيةِ والتي تشكلُ قيمةً يسيرةً لتحقيقَ الأهدافَ العامة.

مثالُ ذلك: شراء الخبز يمكن أن تشتري ما يكفيك لمدة سبعة أيام مثلا بدلا من أن تذهب في كلِّ يوم لشرائه.

مثالٌ آخر: دفترُ التحضيرِ للمعلمينº هذا عملٌ يقومُ به المعلمُ يومياً في الغالبِ ولذا يمكنُ أن يتقللَ منه من خلالِ تصميمِ ورقةِ التحضيرِ في الحاسبِ الآلي وكتابةِ التحضيرِ فيها، وفي كلِّ عامٍ, يطبعُ هذه الأوراقَ مع تغييرِ التاريخِ والحصةِ وإن كان هناكَ زيادةٌ يسيرةٌ سجلَها ودونَها، ثم توضعُ في ملفٍ,، وبذلك يحفظُ المعلمُ وقتَه من إعادةِ الجهدِ مراتٍ, عديدة وكراتٍ, مديدة دون فائدةٍ, تُذكر.

6- حاول استغلالَ الأجهزةِ والمعداتِ الحديثةِ التي تحفظُ وقتك، كأجهزةِ التصويرِ و(الفاكس) والحاسبِ الآلي، وبالنسبةِ للمرأةِ أجهزةُ الطبخِ أو الغسيلِ أو كي الملابسِ ونحو ذلك.

7- تعلم في الاتصالاتِ الشفاهيةِ (هاتفٌ أو مقابلاتٌ) كيفَ تقطعُ المحادثاتِ أو النقاشَ بأسلوبٍ, لبقٍ, وواضحٍ, عندما تعتقدُ أن الموضوعَ قد تم تغطيتُه تماماً.

8- اتقن قولَ (لا) عندما ترى أن الاستجابةَ معناها ضياعُ الوقتِ وإفسادُ سُلَّمِ أولوياتِك، فالخجلُ والمجاملاتُ قد يضرانِ بك وبالآخرينَ كثيراً.

9- ضع أكثرِ النشاطاتِ أهميةً وأكثرَها صعوبةً والأعمالَ التي تتطلبُ تركيزاً كبيراً فـي ساعاتِ صفائِك الذهني، والتي تكون فيها في أوجِ نشاطك.

- فمثلا من الأعمالِ المهمةِ حفظُ القرآنِ أو السنةِ النبوية أو المنظومةِ العلمية فتخصصُ لها مثلاً بعد الفجرِ أو بعد المغربِ، والقراءةَ في كتبِ الأدبِ والسيرةِ تخصصُ لها وقتَ القليلةِ مثلا أو عند النومِ لأنها لا تحتاجُ إلى إعمالِ فكرٍ, كثير.

10- لا تضيّع وقتكَ في القيامِ بالمهامِ المستحيلةِ، كمن يريدُ أن يقرأَ كتاباً باللغةِ الإنجليزيةِ وهو لا يحسنُ حرفاً واحداً منها

 

من أهم القضايا في التنظيمِ كيف تُنظمُ أوراقَك؟ ويمكن ذلك من عدةِ طرقٍ,:

- أن تضعَ الأوراقَ في ملفاتٍ, لكلِّ ملفٍ, موضوعٌ خاصٌ به مثلا: ملف لقضايا المرأةِ، وملفٌ لأنشطةِ المسجدِ، وملفٌ للمسابقات، وملفٌ للأوراق الخاصةِ بعائلتك، وملفٌ للفواتيرِ والضماناتِ، وهكذا فكلُ ورقةٍ, تأتي تضعَها في ملفِها الخاصِ بها.

- أو أن تضعَ أدراجاً لكلِّ درجِ موضوعٌ خاصٌ به، فدرج لأوراق المدرسة مثلا، ودرج لأوراقك الخاصة، ودرج للفتاوى، ودرج للبحوث.. وهكذا. وتكتبُ على كلِّ درجٍ, عنوانا لهذه الأوراقِ الموجودةِ فيه.

- أو أن تحفظهَا داخلَ جهازِ الحاسوبِ وذلك من خلالِ جهازٍ, يسمى (اسكنر) فتضعُ الورقةَ عليه ثم تنسخُ صورتَها داخلَ جهازك، وقد وضعت قبلَ ذلك ملفاتٍ, لكلِّ ملفٍ, عنوانٌ خاصٌ به: ملفٌ للفتاوى، ملفٌ للصور، فتضعُ الورقةَ في المكانِ المخصصِ لها، وبهذه الطريقةِ لا تحتاجٌ إلى كثيرِ ملفاتٍ, ولا تأخذُ مساحاتٍ, كبيرةٍ, في مكتبتك الخاصة، وكلما احتجت ورقةً أخرجتَها من جهازِك وتحاولُ أن تنسخَ هذه الملفاتِ على دسكاتٍ, بين كلِّ فينةٍ, و أخرى حتى لو حصلَ خللٌ في جهازك يبقى عملُك محفوظا.

- ومن طرقِ تنظمِ الوقتِ: الحذرُ من مضيعاتِ الوقت، وهذه المضيعاتُ للأوقاتِ على قسمين:

 

القسمُ الأول: أن تكون من الإنسانِ نفسِه ومن ذلك:

- عدمُ التفريقِ بين الأهمِ والأقلِ أهميةً: كمن فرطِ في قواعدِ منزلهِ وأهملَ فيها ولكن أهتمَ غايةَ الاهتمامِ بتزينهِ وتأثيثهِ فهل يبقى البناءُ؟

- سوءُ التنظيمِ: سواءً كان ذلك في المواعيدِ أو في تنظيمِ الأوراقِ والكتبِ أو البدءِ بأعمالٍ, جديدةٍ, مع عدمِ الانتهاءِ من أعمالهِ القديمةِ، أو تكرارِ العملِ الواحدِ عدةَ مرات، ولله درُ الصديقِ حين قالَ في وصيتهِ للفاروقِ - رضي الله عنهما -: واعلم أن لله عملاً في الليلِ لا يقبلُه في النهار، وأن لله عملا في النهار لا يقبلُه في الليل.

- عدمُ التخطيطِ للمستقبلِ فتراه يعملُ بعشوائيةٍ, تامةٍ, ولا يعرفُ ما سيعملُه غدا أو بعد غد.

فالطالبُ في المرحلةِ الثانويةِ مثلا الذي لم يخطط للمستقبلِ من خلالِ قدراتهِ يضيعُ في اختيارِ التخصصِ: هل القسمُ الشرعي، أم القسمُ الطبيعي، أم الإداري، ولذلك تحصل الأخطاءُ الكثيرةُ في ذلك، فبعد أن يتخرجَ من القسمِ الطبيعي يدخلُ في كليةٍ, شرعيةٍ,.. فهذا الطالبُ كم فوتَ على نفسِه من فوائدَ وعلومٍ, أثناءَ دراستهِ المرحلةَ الثانويةَ، تفيدُه كثيراً في المرحلةِ الجامعية؟ كل ذلك بسببِ غيابِ التخطيطِ للمستقبل.

 

القسم الثاني: أن تكون المضيعاتُ للوقتِ من غيركِ ومنها:

- الهاتفُ: فهو يعدُ في الأساسِ إحدى وسائلِ توفيرِ الوقتِ، لكن إساءةَ استخدامِه قد تجعلُهُ من مضيعاتِ الوقتِ، ولتفادي ذلك:

- عليك أن تنظرَ إلى الهاتفِ بوصفهِ وسيلةً لتوصيلِ الرسائلِ فقط.

- إن أمكن استخدامُ الفاكسِ فيما تريدُ نقلَه فهو أفضل.

- استخدم في منـزلكِ الجهازَ الصوتي لنقلِ رسالتِك للمتصل.

- حدد وقتاً للردِ على المكالمات.

- حاول أن تختارَ فتراتِ انخفاضِ إنتاجيِتك، فلا تستخدم الهاتفَ في فتراتِ صفائِك وارتفاعِ إنتاجيتِك.

- اعلم أن الحوارَ الهاتفي السيئَ يُمكنُ أن يُكلفَك ساعاتٍ, من الوقتِ الضائعِ فيما بعد لمعالجةِ سوءِ الفهم الذي حصل.

- الزيارةُ المفاجئة:

وهذه اشتكى منها المتقدمون أيضاً كالإمامِ ابنِ الجوزي - رحمه الله - ولعلاجِ هذه المشكلةِ:

- أتقن كلمة: ((وَإِن قِيلَ لَكُمُ ارجِعُوا فَارجِعُوا هُوَ أَزكَى لَكُم)) (سورة النور 28). إن كانتِ الزيارةُ من غيرِ موعدٍ, مُسبق.

- ضع بعضَ الأعمالِ التي لا تحتاجُ إلى إعمالِ فكرٍ, في مثلِ هذه الزياراتِ للقيامِ بهاº فمثلا عندما كان يحضرُ الباطلون لزيارةِ الإمامِ ابنِ الجوزي، ماذا كان يفعلُ حتى لا يضيعَ وقتُه يقول: (أعددتُ أعمالاً لا تمنعُ من المحادثةِ لأوقاتهِمº لئلا يمضي الزمانُ فارغا، فجعلتُ من المستعدِ للقائهِم قطعُ الكاغدِ وبريُ الأقلامِ، وحزمُ الدفاترِ، فإن هذه الأشياءَ لابد منها، ولا تحتاجُ إلى فكرٍ, وحضورِ قلبٍ,، فأرصدتُها لأوقاتِ زيارتِهم لئلا يضيعَ شيءٌ من وقتي) [1].

- إن كان الطارقُ عليك كثيرٌ فيمكنُ أن تخصصَ يوماً أو يومين لمثلِ هذه الزياراتِ فيتعارفُ الناسُ على ذلك، ولا مانعَ أن تضع لوحةً على البابِ تفيدُ ذلك.

- حاول أن تنفعَ هؤلاءِ بما يفيدُ، وألا يضيعَ الوقتُ بكلامٍ, لا فائدةَ منه.

- حاول ألا تكثرَ من الكلامِ أو التشعبَ فيه حتى لا يطولَ الوقتُ ويضيعَ الزمان.

القسم الثالث: الارتباطات العائلية: ولعلاج هذه المشكلة أُوصي بما يلي:

- أن يكون لك تأثيرٌ على الحاضرين، وذلك بوضعِ برنامجٍ, ينفعُ الجميعَ، ولا يحتقر أحدُكم نفسَه.. فيقولُ من أنا حتى أضع برنامجاً لمن أهم أكبرُ مني فاستعن بالله - تعالى -.

- إن لم يكن لك تأثيرٌ في المجلسِ وبعد فراغِك من السلامِ عليهِم يمكنُ أن تستغلَ الوقتَ بذكرِ الله - تعالى -أو مراجعةِ حفظك أو حفظِ بعضِ المتونِ العلمية فتكون في جيبِك ورقةٌ من إحدى المتونِ التي قد عقدت العزمَ على حفظهِا وتضعها على هيئةِ ورقةٍ, صغيرةٍ, فكلما حفظتَ بيتا أدخلَ الورقةَ في جيبِك وهكذا.

- يمكنُ أن تستغلَ وقتَ المناسبةِ في دعوةِ بعض الحاضرين إلى الله - تعالى -فتجلسُ تحادثهُ في ذلك لعل الله - تعالى -أن يهديه على يديك فقد جاءَ في الحديث: \" لئن يهدي الله بك رجلا واحدا خيرٌ لك من حمرِ النعم \"

- بعد الانتهاءِ من الطعامِ إن كان لك همٌ دعوي مع أقاربِك وإلا انصرف إلى برنامجك الذي رسمتَه قال - تعالى -: ((فَإِذَا طَعِمتُم فَانتَشِرُوا وَلَا مُستَأنِسِينَ لِحَدِيثٍ,)) (سورة الأحزاب: 53).

يقولُ ابنُ كثيرٍ, في تفسيره: إذا فرغتم من الذي دُعيتم إليه فخففوا عن أهلِ المنزلِ وانتشروا في الأرض.

 

----------------------------------------

[1] صيد الخاطر ص 306-307.

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply