بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه وبعد ..
فإننا اليوم بحمد الله نشهد حلقات القرآن الكريم وهي تتبوَّأ مكانًا لا بأس به ضمن اهتمامات شبابنا اليوم، وقد آتت بفضل الله تعالى-ثمارا يانعة، وأكلا طيبًة يطول المقام في الحديث عنها.
وإنما أردت من كتابة المقال إثارة الموضوع وتحريك الماء الراكد، لعلنا نتملس موطنا من مواطن التطوير والارتقاء بهذه الوسيلة الهامة من وسائل التربية والدعوة.
لئن كانت الحلقات قد قدمت نجاحات جيدة في السابق فقد آن لها أن تراجع مسيرتها، وتحدث نقلة نوعية في أدائها، تلبي احتياجات الشباب وتسير وفق أسس مبنية بطريقة سليمة بعيدا عن الارتجال.
وعليها أن لا تجتر الماضي بأفكاره وبرامجه كما هي، فإن تلك البرامج صنعت لمرحلة محددة كانت في وقتها ناجحة، وقافلة الزمن تسير بسرعة هائلة دون توقف، والمنافسون كُثُر، ويملكون من وسائل الجذب ما لا نملكه، ولئن بقينا كما كنا فسوف نفقد كثيرا من الشباب الجالس بين الصفين وربما بعضا من شبابنا.
وإنما أردت من كتابة المقال إثارة الموضوع وتحريك الماء الراكد، لعلنا نتلمس موطنا من مواطن التطوير والارتقاء بهذه الوسيلة الهامة من وسائل التربية والدعوة.
ولست أعني بهذا أن نتخلى عن ثوابتنا أو نحول حلقاتنا إلى أماكن للهو، فإن للجدية روادها ومحبيها، وإنما أعني تطوير الحلقات من حيث جودة المخرجات أو جودة العوائد، وجودة العمل وإتقانه، وإن كنا نتمنى وجود مجالات ومؤسسات تعنى بالترفيه، لتغطية هذا الجانب، ولا بأس أن يكون حفظة القرآن وخريجو الحلقات هم قادتها.
إن التقويم والتطوير المستمر في جميع النواحي حقيق أن يوصلنا إلى المستوى المأمول إداريا وفنيًا.
ولعل من أهم ما أشير إليه هنا من جوانب التطوير: الاهتمام ببناء الأهداف وصياغة الخطط في عمل الحلقات.
فإن العمل حين يكون خِلواً من ذلك فإنه لا يتيح للمشرف إلماما بالعمل ككل، ولا يعطي تصورا واضحا ولا دقيقا عن مستوى أدائه في الحلقة.
فهو يذهب كل يوم إلى حلقته و يمارس نفس العمل ومعه المعلمون والطلاب ويبذلون من أوقاتهم وجهودهم الشيء الكثير، لكن النتاج تبدو أقل من المطلوب، ولا تقاس بحجم ما بذل لأجلها.
ولست هنا بصدد بيان كيفية وضع الخطط والأهداف والوسائل وطرق متابعتها وقياسها فإن معرفة ذلك والإحاطة به يحتاج إلى الاطلاع والقراءة وحضور الدورات وورش العمل وغيرها من المناشط لتكون الخطط مبنية على أسس علمية صحيحة وفق واقع حي معاش.
حين توضع الخطط وتتضح الأهداف ومعالم السير فإن ما يبذل من جهود سيكون في محله بإذن الله.
ربما بدت حاجة في أن تتغير بعض تفاصيل الخطط وفقا لمتغيرات ومستجدات ووفق ما تم العمل به، وقد تعترض العمل عقبات وصعوبات. لكن العمل في النهاية إن نجح في تحقيق ما نسبته 80 % مما خطط له فقد حقق إنجازا كبيرا.
و عند مراجعة الخطط و استعراض ما تم تحقيقه من أهداف فإن القائم على العمل - وهو هنا المشرف على الحلقات - يستطيع أن يعرف أين وضع قدمه و مقدار ما قطع في مسيره.
أما حين تغيب الرؤية وتنعدم الخطط والأهداف فإن العمل سيظل مستمرا ولكن ربما يكتشف العاملون أنهم كانوا يدورون في أماكنهم لم يجاوزوها، لعدم وجود رؤية مستقبلية، كما ذكرنا سلفا.
لئن كانت الحلقات قد قدمت نجاحات جيدة في السابق فقد آن لها أن تراجع مسيرتها، وتحدث نقلة نوعية في أدائها، تلبي احتياجات الشباب وتسير وفق أسس مبنية بطريقة سليمة بعيدا عن الارتجال.
والمتأمل في الحلقات اليوم يجد أن أهم أهدافها هي: حفظ كتاب الله، وتربية النشء على كتاب الله، أما الهدف الثالث فهو حفظ الأطفال والشباب من رفقة السوء وقضاء أوقاتهم فيما ينفع.
وهذا الهدف الأخير ينبغي أن يكون تبعا للأهداف السابقة، لأن الرضا بهذا الهدف لن يحقق نتائج بحجم الجهد المبذول. وأنت تأسف حين ترى بعض الحلقات التي ترفع هذا الشعار تخل به حين يكون التواصل بينها وبين المنزل ضعيفا، ليبقى الشاب أو المتربي أحيانا- بين الحلقة والمنزل لا إلى هؤلاء وإلا إلى هؤلاء مع رفقة السوء يسيرون به نحو الهاوية. فمن المهم إذاً تضييق الفجوة بين الحلقة وجميع قنوات التربية في المجتمع لا سيما المنزل.
أما الهدف الأول وهو الحفظ فإنه يسوؤك أن تعلم أن عدد الخاتمين بالنسبة لطلاب الحلقات قد لا يتجاوز 1% من خلال ما هو موجود في بعض مطبوعات الجمعية الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم، وهذه نسبة تقريبية.
وأما الهدف الثاني وهو التربية فلا شك أن جزءا لا بأس به من هذا الهدف قد تحقق -بفضل الله تعالى-فها نحن نرى جزءا لا يستهان به من الشباب الصالح الغيور على وطنه وأمته من خريجي الحلقات.
وإذا ما كان طموحنا أكبر من ذلك فستكون خططنا المستقبلية مبينة على صياغة أهداف كبيرة تُعنى بصنع الموهوبين في شتى المجالات التي تخدم الأمة، وتعنى بصنع مؤهلين لتَسَنٌّم أماكن المسؤولية.
إننا حين نضع هذه الأهداف ضمن همومنا فسنقدم شيئا كبيرا لهذه الأمة العطشى، وهذا لا يعني أن طلاب الحلقات قوالب يمكن أن نصنعها بيسر وسهولة، فصناعة الرجال تتطلب قدرا كبيرا من الجهد.
صنع الرجال يعني أن توجه الشاب نحو صنع نفسه، لأن كثرة التوجيه وكبت الحريات أو تقليصها بدرجة كبيرة لا يصنع الشاب، وإنما يخلق لنا شابا مدجنا، لا يثق بقدراته، ولا يملك المبادرة الذاتية، بل يحتاج إلى من يسلك به الطريق بدلا من أن يسلك الطريق بنفسه.
إن بعض الموهوبين أو البارزين يزعم أن انعتاقه من بوتقة الحلقات جعله ينطلق ويتنفس الصعداء، ويكون له مكانه الذي كان ينبغي أن يتبوَّأه منذ أمد، وبعضهم يزعم أنه لو لقي التوجيه المناسب في حلقته لكان أفضل مما هو عليه الآن.
وبعيدا عن زعم هؤلاء وأولئك فإنه ينبغي أن نعترف بشيء من القصور تجاههم، حيث كانت تنقصنا معرفة خصائص كل مرحلة عمرية ودراسة أساليب التعامل مع فئات الشباب والموهوبين بشكل خاص.
قد يكون من المألوف أن بعض الحلقات لا ترحب بخروج الشاب منها حتى بعد تخرجه منها، فلا يكاد يخرج من حلقته طالبا إلا ويعود معلما أو مشرفا مهما كانت ميوله وتوجهاته الأخرى التي لا تتعارض مع أهدافهم. وربما كان خروجه من الحلقة سببا في النفور أو أخذ تصور سلبي تجاهه.
والخلاصة التي أريد الوصول إليها من خلال ما سبق: أنه ينبغي على الحلقات أن تتجاوز دور إقامة الحلقة لمجرد قيام حلقة فقط، بل تعمل عملاً مؤسسياً تبذل فيه الجهود وعصارة الأفكار، وتستشير وتقرأ وتتطور باستمرار لتسير على خطى مرسومة بدقة.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد