بسم الله الرحمن الرحيم
لعلك قد تحمّست للتفكير الإبداعي, واشتقت إلى جني فوائده الإدارية الثمينة, وأحسست بقيمة ما يضيفه الإبداع في المؤسسات من تجديد وتقدم، وتميز وتطوير، وتحسين للأداء, ورفع للكفاءات، وحل للمشاكل بأسلوب أسرع وأفضل وأوفر, واليوم سنعرض عليك بعض المفاتيح التي تفتح لك باب الإبداع على مصراعيه، وتتيح لك فرصة الدخول في دنيا الإبداع الواسعة.
وقد قال الله – تعالى- في كتابه: ((إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَومٍ, حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِم))، ولذا فدائماً ما يكون أول مفتاح في أي شخص هو نفسه, فإذا نجحت في تغيير نفسك وتطويرها وتحسينها فُتِحت لك مفاتيح كل شيء, وحتى تستطيع تغيير نفسك تحتاج أن تعرف تلك الصفة الجديدة التي تحتاج أن تتصف بها, وهذا يجعلنا نهديك المفتاح الأول النفيس وهو:
صفات المدير المبدع:
فبالوقوف على صفات المدير المبدع وتأملها تعرف شكلك الذي تريد أن تصل إليه في المستقبل, ولذا ننصحك بأن تأخذ كل صفة من هذه الصفات - التي سنذكرها لك إن شاء الله - لمدة أسبوع, وتتخيل نفسك جيداً وأنت متصف بها, وتجتهد في تحقيقها في نفسك والاتصاف بها, وأنا أريد منك الآن أخي القارئ أن تتخيل نفسك ذلك المدير المبدع الذي له الصفات التالية:
· لديه أهداف واضحة يريد الوصول إليها.
· لديه تصميم وإرادة قوية.
· يبحث عن الطرق والحلول البديلة ولا يكتفي بحل أو طريقة واحدة.
· يتجاهل تعليقات الآخرين السلبية.
. لا يخشى الفشل.
· اليقظة والوعي والإحاطة بما يدور حوله.
· حب الاستطلاع والمساءلة.
· حب التعلم والانفتاح على الخبرات الجديدة.
· التركيز على المهمات وعدم التشتت.
· الأمانة والشجاعة والحرص على الإقدام والمثابرة.
· الحساسية الزائدة تجاه المشكلات.
· القدرة على تحرير الأفكار والتعبير عنها.
· له قدرة على دمج العناصر المتفرقة.
. مبادر وإيجابي ومتفائل دائماً.
· يبحث عن التشويق والإثارة.
فهذه جملة من صفات المدير المبدع التي متى نجحت في الاتصاف بهاº صرت مديراً مبدعاً بالتأكيد, والحقيقة أن الإبداع موجود فينا, ولكن المشكلة أن هناك مجموعة من العوائق الشخصية تعترضنا وتمنعنا من الإبداع, فإذا تعرفت أخي القارئ على هذه المعوقات وتجنبتهاº صار ذلك مفتاحاً آخر لا يقل عن المفتاح الأول الذي أهديناه لك, ولذا فمفتاحنا الثاني اليوم هو:
تجنب المعوقات الشخصية للإبداع.
فهذا أمر يجب أن نقر بوجوده, أن أكثرنا يعاني من داخل نفسه من مشاكل ومعوقات تمنعه من أن يبدع في عمله, وإنما يكون بداية العلاج بالتعرف على مثل هذه المعوقات ليأتي تجنبها بعد ذلك, ولذلك تعرف على هذه المعوقات التي سنذكرها لك، وافهمها جيداً ليتسنى لك تجنبها بعد ذلك:
. الشعور بالنقص ( أنا ضعيف, أنا غير مبدع).
· عدم الثقة بالنفس.
· عدم التعلم والاستمرار في زيادة المحصول العلمي.
· الخوف من تعليقات الآخرين السلبية.
· الخوف من الفشل.
· الرضى بالواقع.
· الجمود على الخطط والقوانين والإجراءات.
· التشاؤم (لا فائدة).
فسارع اليوم وابن ثقتك بنفسك, وكن شخصية فعالة, لا تخش من الفشل, وكن صاحب همة وإرادة تطمح للإنجاز والارتقاء دائماً في ظل تفاؤل ينير لها الطريق، ويطلعها على فرص ذهبية متوالية, ليفتح لها آفاقاً جديدة لم تكن تحلم بها من قبل.
وبمثل هذه الروح الوثابة التي تمتلكها تجد الآخرين يتغيرون حولك، وتسري روحك إليهم لتنتعش أرواحهم, وتصبح بيئة المؤسسة بيئة إبداعية ملهمة تستحق أن تكون مفتاحاً ثالثاً من مفاتيح الإبداع, إنه:
بيئة المؤسسة الإبداعية:
فحتى يبدع الفرد لمؤسسته يجب أن توفر المؤسسة بيئة تتقبل الإبداعات على أنواعها، إذ لا يمكن أن يبدع المرء في بيئة ترفض الجديد، وحتى تصبح بيئة المؤسسة بيئة إبداعية يجب على المدير وفريق إدارته أن يكونوا مبدعين, وأن يقتنعوا بأن موظفيهم بإمكانهم أن يبدعوا، ويبتكروا حلولاً لمشاكل تواجههم، بل ويجب أن يلغوا الكثير من القواعد العقيمة التي تضع حدود حول الموظفين تعيقهم في عملية الإبداع.
وإليك بعض القواعد التي تساعدك على خلق بيئة إبداعية في مؤسستك:
1. ضع طرق وأساليب رسمية وغير رسمية لتحفيز وتكريم الموظفين على الأفكار الجديدة.
2. اعط فرصة للموظفين لمقابلة الإدارة والمسؤولين على مختلف مستوياتهم الإدارية، افتح باب الاتصال بين جميع جهات المؤسسة حتى تخلق وعي بوضع المؤسسة في قلب وعقل كل موظف.
3. احذف واشطب كل ما يعيق الإبداع من نظم وقوانين وقواعد، أما الموظفون والمدراء السلبيون فيجب العمل على تغيير أفكارهم ومعتقداتهم.
4. اغرس في عقول وأنفس الموظفين بأنه لا مستحيل على الإنسان.
ومن أمثلة ذلك: أنه حدث مرة في مؤسسة جنرال إلكتريك أن أراد المدير استغلال حماسة موظف جديد في الشركة فطلب منه أن يبتكر طلاء يزيل الحرارة عن الزجاج الخارجي للمصباح الكهربائي، فبدأ ذلك الموظف الجديد يحاول الوصول إلى ذلك مما أثار سخرية الموظفين القدامى منه فيما بينهم إذ أنهم قد تعودوا على عدم الإبداع, وتجمدت مفاهيمهم على أنه من المستحيل صنع هذا الطلاء، لكن المفاجأة فجرها ذلك الموظف الجديد عندما استطاع ابتكار طلاء يخفف من حرارة المصباح الكهربائي، حقاً إنه لا مستحيل أبداً!
5. تعليم الموظفين نظام (كايزن kaisen) وتعويدهم عليه, وهذه كلمة يابانية تعني التطوير المستمر، فهذا النظام يعني إدخال تحسينات صغيرة وبسيطة على الخدمات والمنتجات بشكل دائم، وبذلك لن يستطيع أي منافس اللحاق بك، ومن الشركات التي تعمل بهذا المبدأ شركة سوني، وقد سئل مديرها في مرة عن الجدوى من وراء طرح منتجات جديدة بينما القديمة لم تباع بعد؟ž فرد قائلاً: إن لم أبتكر وأبدع فسأصبح تابعاً، وأنا أريد أن أكون قائداً لا تابعاً.
6. قم بإنشاء نظام لتلقي الأفكار والاقتراحات، هذا النظام يجب أن يوفر فرصة للموظف لتجربة فكرته بشكل مصغر, ثم تنفيذ الفكرة بشكل واسع على المؤسسة بأكملها، وهذا النظام مطبق في شركة تويوتا اليابانية، حيث تتلقى الإدارة 1500000 اقتراح!! مليون ونصف اقتراح سنوياً! ويتم تطبيق 98% منها، ويكرم الموظفون أصحاب الاقتراحات معنوياً ومادياً.
ولئن كانت هذه القواعد كفيلة بخلق بيئة إبداعية في مؤسستك إلا أنه يجب عليك بالإضافة إلى ذلك تجنب ما يعوق الإبداع في مؤسستك ليكون مفتاحاً رابعاً نهديه لك:
معوقات الإبداع في المؤسسات:
فكثير من المؤسسات للأسف الشديد قد قتل فيها الإبداع منذ أمد بعيد بسبب أخطاء بسيطة في ظاهرها مهلكة في حقيقتها, أو عادات روتينية عقيمة أحاطت بجو المؤسسة وبيئتها فسجنتها في سجن التقليد والجمود بعيداً عن الإبداع والتطوير, إنها معوقات الإبداع نلخصها لك عزيزي القارئ فيما يلي:
· التأخير في تنفيذ الأفكار.
· عدم تشجيع المبدع وجعله ينفذ الفكرة وحده دون دعم مادي أو معنوي.
· التقيد بالقوانين والقواعد الجامدة.
· الخوف من الفشل.
· وجود مدراء تقليدين.
· وجود موظفين مثبطين.
· الأقوال السلبية مثل:
1. ستستغرق هذه الفكرة وقتاً طويلاً.
2. هذا مستحيل.
3. هذه فكرة غبية.
4. لا أعتقد أن ذلك مهماً.
5. لا أريد أية معلومات إضافية.
6. الوضع جيد ولا يحتاج إلى تغيير.
7. مؤسستنا صغيرة والفكرة كبيرة.
8. ليس عندنا وقت الآن.
فاحذر من هذه المعوقات القاتلة وتجنبها لتتمكن من فتح باب الإبداع في مؤسستك.
وإليك عزيزي القارئ نموذج لقائد نجح في صنع بيئة إبداعية رشيدة إنه أعظم قائد في التاريخ إنه النبي - صلى الله عليه وسلم -.
النبي - صلى الله عليه وسلم - يصنع بيئة إبداعية في مجتمعه:
فالمتتبع لسيرة النبي - صلى الله عليه وسلم - مع صحابته يجد كيف نجح النبي - صلى الله عليه وسلم - في إنشاء بيئة مبدعة ناجحة, ومن أبرز مظاهر ذلك حرصه على مشاورة أصحابه في جميع الأمور, وتشجيعه إياهم على إبداء آرائهم، والأخذ بها في كثير من الأحيان, كما كانت هناك درجة عالية من الاتصال بين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وجميع صحابته, وكان لجميع الصحابة الفرصة الكاملة لعرض أفكارهم وآرائهم, ولذلك كثيراً ما تجد في السيرة مواقف يعرض فيها صحابة صغار أو غير مشهورين آراءهم ويأخذ بها النبي - صلى الله عليه وسلم -, ومن أشهر المواقف التي تصور لنا هذه البيئة الإبداعية التي صنعها النبي - صلى الله عليه وسلم -º موقف يوم بدر:
\"بعد أن جمع - صلى الله عليه وسلم - معلومات دقيقة عن قوات قريش سار مسرعاً ومعه أصحابه إلى بدر ليسبقوا المشركين إلى ماء بدر، وليَحُولوا بينهم وبين الاستيلاء عليه، فنزل عند أدنى ماء من مياه بدر، وهنا قام الحباب بن المنذر - رضي الله عنه - وقال: يا رسول الله: أرأيت هذا المنزل، أمنزلاً أنزلكه الله ليس لنا أن نتقدمه ولا نتأخر عنه؟ أم هو الرأي والحرب والمكيدة؟ قال: «بل هو الرأي والحرب والمكيدة» قال: يا رسول الله فإن هذا ليس بمنزل، فانهض يا رسول الله بالناس حتى تأتي أدنى ماء من القوم - أي جيش المشركين - فننزله ونغور – نخرب - ما وراءه من الآبار ثم نبني عليه حوضاً فنملؤه ماء، ثم نقاتل القوم فنشرب ولا يشربون، فأخذ النبي - صلى الله عليه وسلم – برأيه، ونهض بالجيش حتى أقرب ماء من العدو فنزل عليه, ثم صنعوا الحياض، وغوروا ما عداها من الآبار.
فهذا الموقف يصور لنا كيف كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مع أصحابه, حيث كان أي فرد منهم يحق له أن يدلي بأفكاره، ويعرض رأيه حتى في أخطر القضايا, ولا يكون في قلب هذا الشخص أدنى خوف من احتمال غضب القائد الأعلى, مما قد يترتب عليه من العقوبات والسمعة السيئة، والضرر في نفسه أو ماله.
ولا يتوقف الأمر على الحرية في إبداء الآراء, بل يزيد على ذلك بأن يأخذ النبي - صلى الله عليه وسلم - بالفعل برأي هذا الصحابي الجليل, ويتغير جزء من خطة المعركة بأكملها بناء على رأي ذلك الصحابي الصائب, ويتحرك الجيش بأكمله ويغير من موقعه بناء على اقتراح الحباب بن المنذر - رضي الله عنه -, ولك أن تتخيل معي شعور هذا الصحابي الجليل وهو يرى الجيش بأكمله - بما فيه من رسول الله صلى الله عليه وسلم وكبار الصحابة كأبي بكر وعمر رضي الله عنهما - يتحرك ويغير من مكانه بناء على اقتراحه هو, فكفى بذلك تشجيعاً على الإبداع، وصنعاً لبيئة مبدعة متحفزة!
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد