الإبداع المهني


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

إن الإبداع المهني لا يعتمد على الخبرة والمهارة اليدوية فقط، بل لا بد من وجود عامل الذكاء، والتفكير والتطلع إلى التحسين والإصلاح والتطوير.

والتربية الإسلامية لا تعارض ذلك بل تحفز العقول على الابتكار والإبداع في المجال العملي والمهني، ومن الشواهد على ذلك:

قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (لأن يغدو أحدكم فيحطب على ظهرهº فيتصدق به ويستغني به من الناس، خير له من أن يسأل رجلاً، أعطاه أو منعه ذلك، فإن اليد العليا أفضل من اليد السفلى، وابدأ بمن تعول), وفي هذا الحديث بيان لأهمية المهنة التي تكف الإنسان عن المسألة، كما أن في الحث على التكسب والنهي عن المسألة أول مفاتح الإبداع المهني، لأن المرء لا يبدع مهنياً ما لم تكن له صنعة يتخذها.

وقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخطب يوم الجمعة إلى جذع في المسجد قائما، فقال: إنَّ القيام قـد شـق عليّ، فقال لـه تميم الداري: ألا أعمل لك منـبرا، كـما رأيت يُصنع بالشام؟ فشاور رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المسلمين في ذلك، فرأوا أن يتخذه، فقال العباس بن عبد المطلب: إنَّ لي غلاما يقال له كلاب، أعملُ الناس، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: مره أن يعمله، فأرسله إلى أثلة بالغابة فقطعها، ثم عمل منها درجتين ومقعد. فظهر الإبداع المشوري من تميم الداري بصنع منبرا، ثم ظهر الإبداع المهني من غلام العباس بن عبد المطلب، حيث كان أعملُ الناس، فأخذ - صلى الله عليه وسلم - من كل شخص ما يُحسن ويُجيد فيه: من مشورة وصنعة، وفي هذا تشجيع منه - صلى الله عليه وسلم -، وتأييد للأعمال الإبداعية المفيدة.

وهذا يرسم للمؤسسات التعليمية قواعد تربوية في المجال المهني، ويؤكد لها أهمية العناية بالدروس المهنية النافعة التي تستثمر العقول، وتزيل حواجز الخجل من الأعمال والصنائع التي يعرض ويعزف عنها كثير ممن لم يرتق في السلم التعليمي.

فبعض ممن لم يستطع مواصلة دراسته يأنف من العمل في الصنائع المهنية التي ربما لو عمل فيها لكان مبدعاً، يشار إليه بالتفوق الذي ربما لا يحققه في السلم التعليمي. وقد أشار ابن قيم الجوزية إلى أهمية مراعاة استعدادات الصبي لما هو مهيأ له، فيذكر أنه مما ينبغي أن يعتمد حال الصبي، وما هو مستعد له من الأعمال، ومهيأ له منها، فيعلم أنه مخلوق له، فلا يحمله على غيره، ما كان مأذوناً فيه شرعاً، فإنه إن حمله على غير ما هو مستعد له لم يفلح فيه، وفاته ما هو مهيأ له، فإذا رآه حسن الفهم، صحيح الإدراك، جيد الحفظ واعياً، فهذه من علامات قبول العلم، وإن رآه بخلاف ذلك، ورأى عينه مفتوحة إلى صنعة من الصنائع، مستعداً لها، وهي صناعة مباحة نافعة للناس، فليمكنه منها، وهذا كله بعد تعليمه ما يحتاج إليه في دينه.

ومن هنا لابد للمنهج التعليمي أن يراعي ويحقق الميول لدى الدارسين بأهمية الأعمال المهنية، من خلال دراسة السيرة النبوية، وسير الأنبياء - عليهم السلام -، وكذلك الصحابة، وعلماء الأمة، فقد \"كان داود زرادا، وكان آدم حراثا، وكان نوح نجارا، وكان إدريس خياطا، وكان موسى راعيا\". وكان الإمام أبي حنيفة يتجر في الخز، وكان ماهراً فيه. وكان الإمام أحمد بن حنبل يعمل التكك ويبيعها، ويتقوت بها.

فمهمة المؤسسات التعليمية أن تغرس ذلك في أفراد الأمة ليبدع الإنسان فيما هيأ له.

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply