أخطاء تطبيقية في العمل القيادي


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

يحتاج القائد دائماً إلى تقويم للعملية القيادية التي يمارسها بحيث يستقيم الأداء المنوط به ويخرج النتاج كما يأمل ويرتجي، وفي العمل الإسلامي يحتاج القائد دائما إلى النصح والإرشاد والتزويد بوجهات النظر المتجددة، وقد أشار القرآن إلى ذلك إشارة بينة بقوله تعالى \" فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين \" آل عمران، فالقرآن يُعَلم أن هنا جانب هام لا ينبغي أن يغفل القائد عنه وهو كسب ثقة العاملين معك ومشاورتهم وتقبل نصحهم ثم أخذ القرار بناء على ذلك وعدم التردد فيه.

 

كما وضع النبي - صلى الله عليه وسلم - قواعد متكاثرة فيما يخص واجبات القائد ودوره وسنحاول - إن شاء الله - البسط فيها فيما يلينا من مقالات، واليوم سنحاول معا التركيز على بعض الممارسات العملية التي قد ينتج عنها أخطاء في العمل القيادي وممارسة القائد، مما يلقي بظلاله على العمل نجاحا أو فشلا، كما يلي:

 

يحتاج القائد دائما إلى تقويم للعملية القيادية التي يمارسها بحيث يستقيم الأداء المنوط به ويخرج النتاج كما يأمل ويرتجي

أولاً: إدارة العمل الإسلامي بتفرد الرأي إدارة ناقصة، والقائد الناجح هو الذي يحسن مشاركة العاملين معه كل بحسب خبرته وقدرته على العطاء، فالقائد مهما بلغ من خبرة وحنكة إدارية لابد وأن تقصر همته ويقصر نظره عن أمور قد تكون هامة ومؤثرة في ذلك العمل الذي يقوم به، ومن ثم احتجنا إلى الأخذ بمشاركة الآخرين في بيان الرأي والنصح، بل نحن في حاجة للإطلاع على الرأي المخالف أيضا، وصدقت الحكمة القائلة: قد يوجد في الأنهار مالا يوجد في البحار، وإذا عرض عليك اقتراح جديد لا تنظر إلى من قدمه ولكن انظر دائماً إلى جدوى الاقتراح، وفكر دائما في \'كيف\' تنفذ الاقتراح الجديد الجيد، وليس في \'لماذا\' لا تنفذه. فربما يصلك اقتراح جيد من عامل صغير بسيط فلا تتكبر.

فقد وقف رسولنا - صلى الله عليه وسلم - يوم بدر على عين ماء وعسكر بجيشه، فجاءه جندي بسيط اسمه الحباب بن المنذر، فقال له: يا رسول الله، أهذا منزل أنزلكه الله، أم هو الرأي والحرب والمكيدة؟ قال: »بل هو الرأي والحرب والمكيدة«، قال الحباب: ليس هذا بمنزل، الرأي عندي أن ننزل بأدنى ماء من بدر، ونغور ما وراءها من الماء. فقال - صلى الله عليه وسلم -: \"أشرت بالرأي\"، وتحول إلى الموضع الذي ذكره الحباب.

 

ثانيا: من أسوأ عيوب القيادات اعتمادهم كرسيا في منبر عاجي يتمركزون فيه، وهم في ذلك يستمتعون كل المتعة في دوران العاملين عليهم وتسيير شئون العمل بعد توقيعهم أو استئذانهم وإذا رفعت إليهم شكوى أو ملاحظة مخالفة لقناعاتهم اتهموا قائلها بالبعد عن الحقيقة، بل وأحيانا يُتهم القائل بأنه مغرض، وأحيانا يسفه رأيه ويضع على الناصح له دوائر حمراء، ولا يدرون أن العيب في القيادة هو وليس في الناصح له، ولا يكتشف القائد تلك المشكلة إلا بعد وقوع كارثة تضر بالعمل كله، ولذا وجب على كل مدير أن ينتبه إلى ذلك الخلل في إدارته قبل وقوع الكارثة، إن كثيراً من القادة والإداريين يكتفي باستقرار العاملين معه أو يكتفي بسؤالهم سؤالا عابرا عن أحوال العمل أو في بعض الأحيان قد يقنع بتصفح التقريرات المكتوبة له من المسئولين الفرعيين.. كل ذلك وهو بعيد عن موقع التفاعل ومكان الإنجاز وهذا من أكبر الأخطاء التي يمكن أن تصيب العمل فالقائد المنفصل عن ميدانية العمل هو قائد وهمي يقود خيالاً يتصوره في عقله فقط، ولا علاقة له بالواقع الموجود على الأرض، ويتجلى ذلك ويظهر عند حدوث المشكلات في الميدان، فإن هذا الأسلوب ينذر بتفاقم المشكلات والتهديد بإفشال الإنجازات.

 

وهذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - انظر كيف كان يتعامل مع أصحابه في حل المشاكل: كان دائمًا في موقع كل الأحداث يعيش مع أصحابه كل مشكلاتهم..

 

ثالثا: هناك الكثير من القادة والمديرين يسيّرون العاملين معهم بأسلوب الأمر والنهي وفقط، وهذا أسلوب قد زال زمنه وفات وانتهى وقت العمل به وهذا الأسلوب يشحن العاملين معك بشحنات سلبية متراكمة ضد القيادة والإدارة حتى إذا ماجاء الوقت المناسب فرغوا شحناتهم فكانت كأشبه بقنبلة تنفجر في وجه القادة والمديرين وهم عن ذلك غافلون، كما إن ذاك الأسلوب قد يورث عند العاملين الاهتمام بتطبيق وتنفيذ رغبات المدير وحسب ولا يهتمون بإجادة العمل.

 

رابعاً: كثيراً ما يلفت انتباهنا وضع بعض المسئولين أو العاملين في مكان هم أبعد الناس عنه سواء من ناحية الخبرة العملية أو من ناحية الدراسة النظرية أو من ناحية القدرة المهارية، والقائد حينذاك يخطئ خطأ بالغا في ذلك، إذ إن وضع الرجل المناسب في المكان المناسب هو مبدأ إداري رفيع، وأمانة شرعية معروفة، فليحذر القادة الذين يعتمدون على أهل الثقة مهما كانت قدراتهم ضعيفة ويبعدون أهل القدرة مهما تميزوا فإن منبع ذلك السلوك الشائن هو هوى النفس والحرص على الاستمرار في كرسي القيادة، ولئن مر مثل هذا السلوك مرورا غير مرضي بالعمل الدنيوي فإنه مرفوض ومنكر على الإطلاق فيما يخص العمل الإسلامي.

 

خامسا: إذا حدثت مشكلة انزل فوراً إلى موقع الحدث فتواجدك السريع في موقع الحدث أو المشكلة يقضي على نصف المشكلةº لأن المدير الناجح بيده كل مفاتيح الحسم فينبغي ألا يغيب عن موقع الحدث، وإياك أن تعتمد على التقاريرº لأنها عادة ما تكون متحيزة إلى أحد وجهتي النظر، وإذا اعتمدت عليها وحدها فلن تأخذ قرارًا إلا لتأييد وجهة النظر الموجودة في التقارير، أما وجهة النظر الأخرى والتي قد تكون هي الأصوب لن تتفهمها أو تقتنع بها لأنك من الأصل لم تسمعها.

وهذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - انظر كيف كان يتعامل مع أصحابه في حل المشاكل: كان دائمًا في موقع كل الأحداث يعيش مع أصحابه كل مشكلاتهم ويتدخل في حل المشكلة بسرعة. فذات يوم حدث خلاف بين أبي ذر الغفاري ـ وكان حديث عهد بالإسلام ـ وبين بلال بن رباح، فقال أبو ذر رضي الله عنه لبلال: يا ابن السوداء. ولك أن تتخيل لو أن هذه المشكلة تركت ليوم واحد فقط في مجتمع عربي يأبى الذل والخنوع ربما حدثت مشكلة لن يستطيع أحد أن يحلها، ولكن الرسول - صلى الله عليه وسلم - تدخل سريعاً وقال لأبي ذر: \"إنك امرؤ فيك جاهلية\" وهنا يشعر أبو ذر بالخطأ ويهدأ بلالº لأن القيادة أحيطت علماً وهو يثق في قيادته أنها تستطيع أن ترد له حقه، وبالفعل يشعر أبو ذر بالندم ويضع خده على الأرض ويطلب من بلال رضي الله عنه أن يطأ بقدمه على خده ويصفح عنه، ولكن بلالاً يرفض ويرفع أخاه ويقبله. إننا ولاشك نوقن بحسن أخلاقهم رضي الله عنهم أجمعين، ولكن شاهدنا هنا وجود القيادة السريع في موقع الحدث.

 

سادساً: الاعتماد على التحفيز وحده قد يسبب بعض الإنجاز ولكنه لا ينشىء التقدم وحده بحال، فتقَدُم الأعمال وإنجازها هو نتاج عملية معقدة وخطط محكمة وتطبيقات خبيرة ومتابعة دقيقة وتقويم مستمر، ولاشك أن التحفير له نصيب كبير في دفع العاملين إلى التطبيق، وفي العمل الإسلامي يكون التحفيز بالثناء تارة وبالشكر تارة وبإسناد المهمات تارة وبالتذكير بالثواب تارة، وبالترقي في المسئوليات تارة، كما أن طريق تخويف العاملين من العقاب-قد تنتج قليلاً لإنجاز بعض الأعمال، ولكنها طريقة لا تصلح للارتقاء بمستوى الجودة.

 

سابعاً: يهمل كثير من القادة بعض التفاصيل الدقيقة التي قد تدفع في سبيل تحقيق الفعالية بين العاملين في العمل فيما يتعلق بالعلاقات الاجتماعية وأسلوب التعامل وكسب الثقة ومثال ذلك، وفي هذا السبيل لابد للقائد أن يعبر عن نفسه وموقفه وهدفه وآماله فيما يتعلق بطموح العمل وتقدمه، إن تعبيرك عن ذلك هو الجسر الموصل بينك وبين العاملين معك، فعليك أن تولي هذا التعبير اهتمامك الكبير، كما إنه من المهم أن يتناقل العاملون كلماتك كمنهج مطروح أو كحكم مطلوبة فيما يخص كل وقت وكل عمل، مثل أن تقول \" حك جلدك بظفرك وتول جميع أمرك \" وتجعلها شعارا في حل المشكلات مثلا أو أن تقول \" استشر عشرة قبل النشرة \" وتكررها في الحث على التثبت واستشارة الناس.. وغيره..

 

واعلم أيها القائد أنك قد تكون في بعض الأحيان على قناعة تامة برأيك..ولكن الآخرين على قناعات مختلفة عنك فعبر عن رأيك بلا صدام أو إهمال للآخر، وقل:[نعم..إن آراءك طيبة ولا شك.. ولكن عندي طرح آخر].

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply