إدارة العقل نقطة البداية للنجاح


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

لا بد أن أكثرنا سمع أو قرأ هذه العبارة: (البدايات تدل على النهايات) وبالنسبة لي فقد كنت في فترة سابقة من حياتي أعتقد بها اعتقادًا جازمًا، لكن مع كرّ الأيام وفرها عليّ، وجدت أنه من المحبط أن نقتنع بها كفكرة لا يمكن تغييرها، فكثير من الفاشلين في بداياتهم تحولوا إلى النجاح في نهاياتهم، على سبيل المثال أديسون الذي كان يعتبر من التلاميذ المتأخرين في الدراسة ثم إذا به يصبح من أعظم المخترعين ويكفيه أنه أول من أضاء عالمنا بالمصباح الكهربائي، وتحكي تجربته لنا أنه أخفق ما يقرب من ألفي مرة حتى استطاع الوصول إلى اختراعه العظيم.

 

حول البداية في المشوار الشخصي:

كنت أقرأ في الكتب المدرسية لإخوتي ولأخواتي الأكبر مني سنًا وذلك قبل دخولي المدرسة الابتدائية، وهو الأمر الذي كان له فضل كبير في تعميق الوعي لديّ وفتح آفاق المعرفة في سن صغيرة جدًا، وأنا إذ أذكر هذا فلسببينº أولهما: أن مجلة المعرفة تصدر عن وزارة التربية والتعليم وهي المسؤولة الأولى عن المناهج التعليمية لتسهم في رقي الفرد وتطور المجتمع، وثانيهما: كون قراءاتي هذه تعد نقطة البداية بالنسبة لي في تكوين قناعات ما زالت مغروسة في صلب شخصيتي، وهي قناعات جيدة برأيي وأفادتني في التغلب على كثير من الصعاب.

سأتعرض بمناسبة هذه المقالة لدرسين أحدهما من كتاب أختي التي كانت تكبرني بخمسة أعوام عندما كانت بالصف السادس الابتدائي، يدور حول فتى أراد أن يشارك في مسرحية تقدمها مدرسته، فكان دوره صغيرًا جدًا، مما جعله يعود إلى المنزل محبطًا، وعندما علم والده سبب شعوره بالإحباط ما كان منه إلا أن فكّ ساعة يده التي يلبسها وبيّن لابنه أجزاءها الكبيرة والصغيرة، ثم قال له: سنعيد كل هذه الأجزاء إلى مكانها المناسب ما عدا أصغر جزء فيها أو «برغي»، وعندما فعل الأب ذلك لم تعمل الساعة، وكانت الحكمة التي تعلّمها الولد أن يقبل بأي دور مهما كان صغيرًا لأن له أهميته في المسرحية، ومنها يمكننا أن نقبل بأي عمل مهما بدا ضئيلاً إذا كان سيساعد في دوران عجلة الحياة من حولناº أما الدرس الثاني فقد كان في كتاب القراءة للصف الثالث الابتدائي حول كيفية تنظيم الوقت خلال اليوم، وقد راقت لي فكرته كثيرًا ونفذتها منذ ذلك الحين بشكلها العام وليس حرفيًا لأن تنظيم الوقت يختلف بالنسبة للتلميذ والطالب بين أيام المدرسة التي تتطلب منه الاستيقاظ مبكرًا وبين العطلة الصيفية التي يستطيع أن ينام معها إلى الضحى، أما الآن وفي عصر الفضائيات والرفاهية فمن أسفٍ, أن ينام شبابنا وفتياتنا للظهر أو للعصر أو حتى للمغرب ثم نتساءل: لماذا تخلفنا وتقدم غيرنا؟

 

إدارة العقل نقطة البداية في النجاح:

هذا الدرس عن تنظيم الوقت هو جوابي لمن يسألني عن الكيفية التي أدير بها شؤوني كلها من حيث توفيقي بين المنزل والعمل وغيرهما من المهمات الأخرى التي تفرض على الواحد منا أن يضطلع بها ليساهم في إيقاد شمعة وسط كل هذا الظلام الذي يحيط بأمتنا العربية المسلمة، وبما أن هذه المقالة ستظهر خلال فصل الصيف مع وجود بعض الطلاب الذين لم تحالفهم فرصة النجاح في امتحانات آخر العام ويتهيئون للامتحانات التكميلية، فأرجو أن يعلموا أن تنظيم الوقت هو السبيل الأهم ليس للنجاح فقط بل للتفوق، وأسمح لنفسي بالاستطراد هنا لإثبات ملاحظة على نظام الامتحانات للشهادة الثانوية في المملكة العربية السعودية حيث إن الامتحان الأخير الذي يشترك في أسئلته جميع طلاب الثالث الثانوي في المملكة لا يدخل فيه إلا مقرر الفصل الثاني، بينما يشمل المعدل العام علامات الطالب خلال العام كله بما فيها نتائجه في الفصل الأول، وهذا فيه الكثير من عدم الإنصاف إذا إن بعض المدارس وخاصة المدارس الأهلية يمكن أن تساعد طلابها من بداية العام فترفع معدلاتهم في الفصل الأول عكس المدارس الحكومية مثلاً، لذا فإنه من الواجب إعادة النظر بهذا النظام كي تكون الفرص متكافئة أمام الطلاب جميعا للقبول في الجامعات المختلفة، وهذا غير ممكن إلا إذا تم اعتماد تجربة الامتحانات النهائية في الدول العربية الأخرى كسوريا ومصر حيث يتم امتحان الطلاب آخر العام في مضمون الكتاب كله، وهذا فيه من الصعوبة ما فيه لكنه على أية حال له ما يبرره من حيث تحقيق العدالة بين جميع الطلابº ومع ذلك فإن تنظيم الوقت من بداية العام هو الأهم سواء تم الامتحان بنصف الكتاب أو كله.

يندرج تنظيم الوقت تحت ما يسمى حاليًا بإدارة الوقت، كما ينضوي التخطيط تحت ما يوصف بإدارة العقل، فلا بدّ للبداية الناجحة كي تقود إلى نهاية ناجحة من تخطيط ناجح، وفقدان التخطيط سبب لكثير من إخفاقاتنا ليس على مستوى الأسرة والمدرسة فحسب بل على صعيد المؤسسات كلها والتعليمية منها بشكل خاص، فنحن نعمل بدون خطة واضحة وبدون استراتيجيات بعيدة المدى، وكثيرا ما تتلبّسنا العشوائية والارتجالية والفوضوية، مع أن الله - سبحانه - دعانا في آيات الذكر الحكيم إلى إعمال العقل في كل شأن من شؤوننا، وإلى التخطيط في أمورنا الدينية والدنيوية فقال عز من قائل: {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد واتقوا الله، إن الله خبير بما تعملون} والتخطيط للغد الدنيوي يجب ألا يتعارض مع المنظور الديني بالمفهوم الإسلامي للحياة لأن الدين والدنيا لا ينفصلان عند المسلم بقوله - سبحانه -: {قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين}º وقوله عز من قائل: {وابتغِ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنسَ نصيبك من الدنيا}.

 

خاصية المرونة:

بالطبع لا بد من الرقابة على كل عمل، وتعتبر آليات النقد الذاتي من أهم الآليات في التأكد من سير العمل بشكل صحيح، فبالمتابعة المستمرة لخطوات العمل وتفحص أوراق المسيرة يمكن الانتقال من المجال النظري إلى التطبيق العملي بأقلّ الأخطاء الممكنة، لأن وضع المخطط ليس صعبًا بقدر الحرص على تنفيذه، ولا بد أن تظهر أثناء التنفيذ بعض الثغرات في التخطيط، فتجب معالجتها كأولوية من الأولويات حتى لو اضطررنا إلى العودة لنقطة البداية، وهنا نتوقف عند فاصلة هامة في الموضوع، ألا وهي القدرة على العَود والبدء من جديد رغم الخطأ، وهي ما يمكن تسميته بالمرونة، حيث إن المرونة من الناحية الفيزيائية هي قدرة المادة على الرجوع إلى وضعها الأصلي بعد إخضاعها لضغط معين، ومن الناحية الإنسانية فإن التجربة الخاطئة تشكل ضغطًا نفسيًا كبيرًا وكذلك المرور بأي امتحان أو ابتلاء، وكلما كان المرء أقدر على مواجهة الضغوطات والعودة من جديد إلى نقطة البداية رغم الإخفاق من أجل الانطلاق مرة أخرى دل ذلك على تحلّيه بخاصية المرونة التي يفتقدها الكثيرون.

لا يمكن أن نمتلك المرونة ما لم نمتلك الإيمان بأن ما حصل من أخطاء حتى لو كان من عند أنفسنا، فإنه كان في قدر الله وعلمه، وأيضا ما لم نمتلك العقل كي لا نقع في مطبّ الجبرية وأنا عاجزون عن الإقلاع من جديدº ومن أجل بداية جديدة يجب أن نكفّ عن التمني وعن كل جملة تبدأ بـ «لو»، وقد حذر منها المصطفى - عليه الصلاة والسلام - فقال: (المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير، احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز، وإن أصابك شيء فلا تقل لو أني فعلت كذا كان كذا وكذا ولكن قل قدر الله وما شاء فعل فإن لو تفتح عمل الشيطان).

 

كيف نبدأ بعد الإخفاق؟

هذه بعض مبادئ قد ننساها في خضم تجربة الفشل:

1- الإخفاق تجربة تتعلم منها لكنها ليست فخًا تقع فيه، والماضي بنك للمعلومات وليس سجنا تعاني داخل أسواره، والاعتراف بالخطأ ليس معناه البكاء على اللبن المسكوب.

2- النجاح الشخصي رغبة خاصة بك أنت، أما إذا شعرت أنك تريد النجاح لتحقيق أماني من تحبهم، فالنجاح إن حصل ليس إلا إخفاقًا، لأن النجاح الحقيقي هو ما نحقق فيه أنفسنا قبل أي أحد.

3- افحص أهدافك في المرة تلو المرة، فإذا كنت ترى العوائق فقط فمعنى ذلك أنك لا تركز على الهدف.

4- إذا كان الموضوع الذي تريد النجاح فيه ليس من اهتمامك، لكنه جزء ثانوي في مشروع أساسي فلا مانع أن تجعل هذا الأمر الثانوي أحد أماكن التحدي التي يجب أن تتخطاها في مشوارك الحياتي.

5- تذكر أن كل ما تحققه من نجاحات مهما قل شأنه في أعين الآخرين فإنه بالنسبة لحياتك أنت «برغي» الساعة الضروري لإكمال المسيرة.

6- كثيرًا ما يكون سبب الفشل أننا قدرّنا مواهبنا بشكل مبالغ فيه، وغالبًا ما تكون الطموحات أعلى من الإمكانيات، وبالنسبة للمواد التعليمية فقد تكون صعبة على فهم بعض الطلاب لذلك لا مانع من اللجوء إلى مساعدة الأهل أو أحد المختصين.

7- كذلك بالنسبة للامتحانات فإن تنظيم أوقات النوم والصحو مهم جدًا لعمل الساعة البيولوجية بدون إصابة بالصداع.

 

أين يكمن الخطأ في مجتمعاتنا؟

إن الخطأ الفردي لا تنعكس آثاره إلا على حياة الفرد وما يخصه من أهل أو قرابة، أما الخطأ أثناء تنفيذ أي مخطط اجتماعي فإن آثار الخطأ ستكون أشد وقعًا وإيلامًا، ولذلك فمن المهم أن تتم دراسة جادة لكل المخططات قبل البدء بوضعها على جدول التطبيق، ويفيد في هذا الأمر دراسة تجارب المجتمعات الأخرى والاستفادة من أخطائها مع ضرورة الانتباه إلى الفارق في السياق الاجتماعي والتاريخي التي تجعل لكل تجربة خصوصيتها المتفردة، وهذا ما تفتقده كثير من المؤسسات وبخاصة مؤسسات التعليم في الوطن العربي، والدلائل أكثر من أن تعد وتحصى، ويعود السبب إلى أننا في وطننا العربي كله نفهم الخصوصية على أنها وجه مناقض تمامًا للحرية.

وبما أن مؤسسة التعليم أحد أهم مؤسسات المجتمع، فلا مانع أن نأتي بها كمثال على المؤسسات الأخرى، إذ طالما ترددت قرارات المسؤولين عن التعليم بين الأخذ والرد وبين الكتابة والمحي كإصدار القوانين من قبل وزير ما ثم التخلي عنها من قبل وزير تالٍ,، والسبب هو الهوة بين وجهات النظر لدى المسؤولين وتحديدًا المثقفين منهم وهذا التحديد لأن بعض المسؤولين تبوءوا مناصبهم بدون تمتعهم بالحد الأدنى من الثقافة بسبب المحسوبيات- فبينما يرى بعضهم أنه يتوجب علينا في عصر العولمة التخلي عن الخصوصية وذلك من أجل الانطلاق في الإبداع المتحرر من كل قيد، يرى آخرون أن التمسك بالخصوصية هو الحصن الواقي من التردي في المنحدرات التي هوت فيها الأمم الأخرى عندما تخلت عن خصوصيتها، والحقيقة ليست في هذا الرأي ولا ذاك، لأن الإبداع لا ينمو إلا في تربة الخصوصية وفي جو من الحرية، فتقليد الآخرين وخاصة الوقوع في فخ الهوى الغربي يسلبنا كثيرًا من مقومات وجودنا كأمة، ولكن السؤال الذي ما زلنا ندور حوله ولا نحاول الإجابة عنه: لماذا لا نفهم الخصوصية إلا بشكلها السلبي من حيث هي كتلة من القيود المانعة للتطور فننفلت منها لنظن بأننا أحرار ثم لنظن بأننا مبدعون لأننا منفلتون؟ متى نصل إلى المفهوم الوسطي بأن الخصوصية هي هوية لنا تميزنا عن الآخرين ولكنها أيضا ليست قيدًا على حريتنا؟

 

هل نمتلك شجاعة الاعتراف بالخطأ وتقبل النقد؟

مررنا بالكثير الكثير من التجارب الخاطئة، وسببها برأيي هو عدم الفهم الحقيقي لهذا الكنز الذي خصنا الله به نحن العرب ألا وهو دين الإسلام، ذلك النور الذي أضاء لنا مجاهل التغيير في النفس والمجتمع: (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما أنفسهم) وفي نفس الوقت حمل لنا مفاهيم الانفتاح على الآخرين: }يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبًا وقبائل لتعارفوا|، فلم نحن نخاف التغيير إلى هذا الحد فنرفع معاول الهدم لنسقط رأس أي فكرة تطويرية حتى قبل أن ندرسها جيدا؟ ولم نحن إما متقوقعون حد الانكفاء أو منفتحون حد الذوبان؟ أترانا نستطيع أن نبدأ من جديد بعد كل هذه الأخطاء؟ أترانا نمتلك الشجاعة للاعتراف بها؟ أترانا خير أمة أخرجت للناس ونحن لا نفهم المعروف والمنكر إلا في حيزهما الضيق؟ هل نقتنع أن النقد الذاتي هو أهم أساليب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في واقعنا الحالي وأنه حق للجميع؟

أجاب الخليفة عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - عن هذا السؤال، وحدد لنا الخطوة الأولى في تطوير المجتمع عندما قال: (رحم الله امرأ أهدى إلي عيوبي)º وبذلك كرس الفاروق قاعدة أساسية إذ جعل اعتراف المسؤول الأول بالخطأ وقبول التوجيه من الآخرين نقطة البداية الأولى في التطور، والاعتراف بالأخطاء لا يجرد المسؤول من قيمته الحقيقية بقدر ما يدل على نضجه وتواضعه وحرصه أن يكون النقد ذاتيًا من داخل المجتمع لا أن يأتي محفوفًا بأصوات خارجية لا تسعى إلى التطور والإبداع بقدر ما تبتغي الهدم والإفساد.

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply