التحديات الإدارية في العالم العربي


بسم الله الرحمن الرحيم

 

عالمنا العربي في حاجة ماسة إلى نهضة إداريّة في كافة مؤسساته ونظمه وفعالياته، تخرج به من حالة الخمول والفوضى الإداريّة التي جعلته يتخلف عن كثير من الأمم، رغم كل ما يملكه من مقوّمات النهضة وعلى رأسها المنظومة القيميّة من الدين والأخلاق، والعنصر البشري والكفاءات العقلية، والثروات الماديّة.

وبلا شك فإن العالم العربي أجدى به أن يغير نظرته بشكل جدي إلى القوى البشريّة التي تتوافر لديه، والتي كانت دائماً في مختلف حقب الحضارات القديمة والحديثة، تقدم مساهماتها الملحوظة، حتى تستطيع النظم الإداريّة في عالمنا العربي أن تواجه تحديات كبيرة تختلف عن تحديات الماضي، ويتمكن من الاستجابة لرياح التغيير التي تهب من كل جانب على مجتمعاتنا باعتباره جزءاً من المجتمع العالمي الزاخر بالمتغيرات.

 

ماهيّة التحديات:

تشمل التحديات التي تعيشها الإدارة العربيّة في العصر الحديث جوانب اقتصاديّة واجتماعيّة وتكنولوجيّة وثقافيّة وتعليميّة وقانونيّة، ورياح التغيير التي تتعامل معها الإدارة قد تكون تدريجيّة أو فجائيّة، إيجابيّة أو سلبيّة، ذات تأثير حسن أو سيئ، كما أنها تمثل فرصًا أو معوقات، وتكون عوامل مساعدة أو عوامل مهددة.

ومن أهم التغييرات التي يجب على نظم الإدارة العربيّة استيعابها تلك المتعلقة بالتحول من المجتمع الصناعي إلى مجتمع المعلومات، والتحول من التكنولوجيا المحدودة إلى التكنولوجيا العالية المتفوقة.

يُضاف إلى ذلك ضرورة إدراك التحوّلات التي يشهدها العالم من الاقتصاد المحلي إلى الاقتصاد العالمي ومن القطاع العام إلى الخاص (عملية التخصيص)، وقيام الاتفاقيّات العالمية في ظل التكتلات الاقتصاديّة والسعي لكسب مزيد من الأسواق.

ولا تنفصل تلك التحديات عن تحديات من نوع آخر تمثل امتداداً لمتغيّرات عالمية تتمثل في انطلاق الاقتصاد العالمي إلى آفاق جديدة من إستراتيجيّات السوق الحرة وظهور أنماط استهلاكيّة جديدة في ظل زيادة المنافسة العالميّة وانتشار السلع الترفيهيّة والخدمات على المستويين المحلي والعالمي.

 

النمط الحديث للإدارة:

لابد للعالم العربي والمجتمعات الساعية للنهضة من تغيرات إداريّة تتواءم مع المستجدات والتحدّيات ومنها: التحوّل من النظم المركزية إلى اللامركزيّة، والتحوّل من التخطيط الذاتي إلى التخطيط الإستراتيجي، وكذلك الأخذ بشكل التنظيم الشبكي أو الأفقي بديلاً للتنظيمات الهرمية التقليديّة، وضرورة تبني خيار التفوّق والتميّز بديلاً لخيار الوسطيّة.

إن الفلسفة الإداريّة الحديثة تختلف عما كانت عليه سابقًا، فهي اليوم تقوم على التفكير في المستقبل القريب والبعيد، والاهتمام بالعملاء وهم المستهلكون لسلعة أو المستفيدون من خدمة، والأخذ بعين الاعتبار الاهتمام بالجودة الكلية في المنتج وفي الخدمات وفي العلاقات وفي المناخ التنظيمي، بالإضافة إلى التطوير والابتكار باعتبارهما ركيزتين أساسيتين للإدارة الحديثة، وضرورة إدراك أن العنصر الإنساني هو أهم العناصر جميعًا.

من الأهمية بمكان لنظمنا الإداريّة العربيّة أن تدرك حقيقة أن الأهداف الإداريّة بدأت تأخذ أشكالاً جديدة تتمثل في التفوّق والتميز في تقديم السلع والخدمات التي تنتجها المنظمة، والسعي لكيفية كسب مزيد من الأسواق، من خلال تحقيق رضا العملاء وزيادة أعداد المتعاملين مع المنظمة وزيادة العائد على الاستثمار، وتحقيق النمو المطّرد للمنظمة، مع الالتزام بالتجديد والاستحداث، ليس فقط في المنتج أو الخدمة ولكن أيضًا في طرق إنتاجها وترويجها.

 

القوى البشريّةالعربيّة:

كما أسلفنا يمتلك العالم العربي طاقات هائلة في مختلف التخصصات من القوى البشريّة، والعنصر البشري في النظم الإداريّة الحديثة هو العنصر الرئيسي في الإنتاج والخدمات، وهو أيضاً أغلى الموارد التي تحتاج إليها الإدارة.

والغريب أن تشهد الإدارة العربيّة حالة من الخمول والتراجع رغم ما تملكه من العنصر البشري الذكي والمفكر، فلسنا كعالم عربي- أقل بحال من الأحوال عن النمور الآسيويّة التي أثبتت وجودها في مدى قصير من الزمان، عبر عنايتها بالعنصر البشري من خلال تعليمه وتدريبه وتثقيفه وزيادة وعيه وفتح الباب أمام انطلاقاته ليشترك مع الإدارة في مختلف المساهمات التي يستطيع أن يقدمها.

وعلى ذلك فنظمنا الإداريّة العربيّة يجب أن تضع نصب عينيها التعرف على طرق التعامل مع رأس المال البشري، كيف تتعامل مع الإنسان المنتج، وليس عيباً أن نستعين في ذلك بخبرات من سبقونا نحو النهضة والتقدم، ولكن ذلك يكون في المدى القصير حتى تتوافر لدينا الخبرات البشريّة والإداريّة الكفيلة بالحفاظ على ما يتحقق من تقدّم في المنظومة الإداريّة والإنتاجيّة.

إن الإنسان هو الثروة الحقيقيّة لأي مجتمع، إذا أحسن إعداده وتأهيله وأخذ فرصته الحقيقيّة فإنه يبدع، ومن ثم يفيد مجتمعه ووطنه، والعنصر البشري يمثل أساس عمليّة الإصلاح، وهو العنصر المتحكم في التطوير والتنمية في كافة مجالات التنمية، ولذا فعلى النظم الإداريّة العربيّة أن تأخذ على عاتقها الاهتمام برفع كفاءة وتنمية القوى البشرية من خلال تشريعات تتضمن نظم تدريب العاملين في كافة المجالات والمستويات، وإيفادهم في بعثات، أو إجازات دراسية، أو تدريبية، أو المشاركة في مؤتمرات علمية وحلقات عمل تخصصيّة.

 

التنمية الإداريّة العربيّة:

َنبّه العالم العربي لضرورة تحقيق التنمية الإداريّة كسبيل للتقدم والرقي فأنشأ المنظمة العربيّة للتنمية الإداريّة سنة 1969، كإحدى المنظمات المتخصصة المنبثقة عن جامعة الدول العربيّة، لتتولى مسؤوليــــة التنمية الإداريّة في المنطقة العربيّة، وطبقاً لاتفاقية إنشائها، تتحدد رسالة المنظمة في الإسهام في تحقيق التنمية الإداريّة في الأقطار العربيّة بما يخدم قضايا التنمية الشاملة.

والسؤال هو: هل نجحت مؤسسات التنمية الإداريّة والبشرية العربيّة الرسميّة في لعب الدور المنوط بها؟

لا شك أنه إذا كنا قد قطعنا شوطاً فأمامنا أشواط من العمل الجاد ليس على المستوى الرسمي والمؤسساتي فقط، ولكن عبر الوحدات الأصغر من ذلك، سواء الوحدات الصناعيّة أو الماليّة أو الاقتصاديّة، وحريّ بنا أن نذكّر بأهمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة التي تُعدّ أحد الصيغ للتعامل مع مشكلات البطالة

وهي وسيلة فعّالة في حفز وتفجير طاقات القوى البشريّة.

وعودة إلى التحديات التي تواجه نظمنا الإداريّة في العالم العربي لنؤكّد على ما يشهده العالم من تحوّلات كبرى غير مسبوقة حملتها، وعجّلت بانتشارها ثورة الاتصالات والمعلومات التي جعلت من الكرة الأرضيّة قرية صغيرة مفتوحة. وعلينا ككتلة عربيّة توحيد القوى والعمل لتتكامل اقتصاداتنا في وجه الدول والاقتصاديات الأكبر والأقوى.

وهنا يبرز دور البعد الإداري في تطوير وإثراء بيئة الاستثمار والتمويل في الوطن العربي، وإبرازه لدور التنمية الإداريّة في أبعادها التنظيميّة والتشريعيّة والإجرائيّة والبشريّة في جعل المنطقة العربيّة أكثر جذباً للتمويل والاستثمار العالمي وأكثر قدرة على المنافسة في الأسواق العالميّة..وللحديث بقية.

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply