من أركان القيادة


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين، والصلاة والسلام على قائد الغر المحجلين نبينا محمد عليه وعلى آله أزكى صلاة وأتم تسليم، وبعد:

إن القيادة نوع من الولاية التي ينال كل إنسان نصيبه منها، كما قال - صلى الله عليه وسلم -: \"كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته\".

 

ومشكلة القيادة مشكلة تعاني منها أمة الإسلام، وكثير من الناس يتصور أن ذلك على نطاق الدول فحسب، فتراه يرجع ما آل إليه حال المسلمين من تقهقر إلى سوء القيادة أو الإدارة على النطاق العام، وليت الأمر كان كذلك إذن لخف الخطب، فمشكلة القيادة مشكلة أعظم استفحالاً ربما عانى منها الأفراد في كل مؤسسة، بل في كل بيت، بل في كل عمل مشترك.

 

ولهذا أحببت أن أقف اليوم ولا تزال الوقفات مع سورة يوسف - عليه السلام - متصلة مع آية لها تعلق بهذا الموضوع، وهي قول الله تعالى حكاية عن نبيه يوسف: \"ائتُونِي بِأَخٍ, لَكُم مِن أَبِيكُم أَلا تَرَونَ أَنِّي أُوفِي الكَيلَ وَأَنَا خَيرُ المُنزِلِينَ\"(يوسف: من الآية59).

 

فأنت تجد أنهم لما جاؤوه في أول سنوات الشدة يطلبون الميرة، وبعد أن أكرمهم وأنزلهم وتعرف عليهم واستمال قلوبهم وعاطفتهم ووفى لهم الكيل، جاء الأمر، جاءت القوة قال لهم: \"ائتُونِي بِأَخٍ, لَكُم مِن أَبِيكُم أَلا تَرَونَ أَنِّي أُوفِي الكَيلَ وَأَنَا خَيرُ المُنزِلِينَ\".

هنا جاء الحزم: \"فَإِن لَم تَأتُونِي بِهِ فَلا كَيلَ لَكُم عِندِي وَلا تَقرَبُونِ\" (يوسف: 60).

وقد تضمن هذا الأسلوب ركنان أساسيان في مفهوم القيادة ما أحوجنا إليه في قيادتنا.

 

إن الذين يقودون الناس بالإحسان والأفعال التي تأسر القلوب فقط لا ينجحون نجاحاً كاملاً.

كما أن الذين يقودون الناس بالشدة والحزم وجر الأبدان فقط يفشلون فشلاً ذريعاً، ولو نجحوا زمناً فسوف يفشلون أزماناً.

يوسف وهو عزيز مصر وهو يتولى مسؤولية كبرى في الملك جمع بين الأمرين، فاستضافهم ابتداء وأكرمهم واستمالهم فأحبوه، ثم جاء بالعزم وأصدر الأمر: \"ائتوني بأخ لكم من أبيكم\"، ثم قرنه بالحزم: \"فَإِن لَم تَأتُونِي بِهِ فَلا كَيلَ لَكُم عِندِي وَلا تَقرَبُونِ\".

 

إن هذا الأسلوب الذي يجمع بين قيادة القلوب وقيادة الأبدان يدل على توافر ركيزتين أساسيتين جدير صاحبها بتولي القيادة، وهما: الأمانة والقوة، فالأمانة من مقتضيات حب الإحسان وقيادة القلوب، كما أن القوة متعلقة بقيادة الأبدان.

 

ويوسف - عليه السلام - جمع هنا بين القوة والأمانة، فالقوة عندما قال: \"فَإِن لَم تَأتُونِي بِهِ فَلا كَيلَ لَكُم عِندِي وَلا تَقرَبُونِ\"، والأمانة عندما قال: \"أَلا تَرَونَ أَنِّي أُوفِي الكَيلَ\" ولا يوفِ الكيل إلا الأمين.

ولذلك ركز شيخ الإسلام - رحمه الله - في كتاب السياسة الشرعية على هذا الجانب وأنه لا يقوم بالمسؤولية إلا من اتصف بهذين الصفتين.

 

وهذا الأمر ينسحب على كل مسؤول ليشمل المجتمع بأسره، حتى في داخل البيوت، فالذي يريد أن يقود بيته بالحب وحده فلن ينجح، فالناس قد يتمردون على الحب وإن كانوا أبناءكº لأن الحب دافع للرعاية والعناية وإعطاء الحقوق، ولكنه ليس سبباً للأخذ على يد المسيء ومعاقبة الظالم وأطر الجاهل على الحق، ومن طبع الإنسان الظلم والجهل فلزم التعامل معه بما يناسبه.

والذين يريدون أن يقودوا الناس بالشدة والبطش وسوق الأجسام فقط فسوف يفشلون أيضاً فأطر النفوس على ما لا تحب سبب لتمردها عليه متى وجدت الفرصة أو القدرة.

 

ولابد من قيادة القلوب وقيادة الأبدان جميعاً، قيادة القلوب بالإحسان وبالرحمة وباللطف وبالعطف وبالتواضع وبالوفاء وبالعدل، وبهذا تستميل قلوب الناس \"وَلَو كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ القَلبِ لَانفَضٌّوا مِن حَولِكَ\" (آل عمران: من الآية159) وقيادة الأبدان أن تكون حازماً جريئاً تأطر على ما ينبغي فعله، وتمنع من فعل ما لا ينبغي فعله وإن وافق أهواء البعض، و\"إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن\".

أسأل الله أن يوفق كل راع وكل مسؤول في قيادة رعيته إلى ما يحب ويرضى، والحمد لله أولاً وآخراً، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply