إدارة الأزمات .. ومواجهة المشكلات


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

تُعتبر الأزمة لحظة حرجة وحاسمة تتعلق بمصير الكيان الإداري الذي يُصاب بها، ومشكلة تمثل صعوبة حادة أمام متخذ القرار تجعله في حيرة بالغة، فيصبح أي قرار يتخذه داخل دائرة من عدم التأكد، وقصور المعرفة، واختلاط الأسباب بالنتائج والتداعي المتلاحق الذي يزيد درجة المجهول في تطورات ما قد ينجم عن الأزمة.

كما أن الأزمة تعبر عن موقف وحالة يواجهها متخذ القرار في أحد الكيانات الإدارية من \"دولة، مؤسسة، مشروع، أسرة\" تتلاحق فيها الأحداث وتتشابك معها الأسباب بالنتائج، ويفقد معها متخذ القرار قدرته على السيطرة عليها أو على اتجاهاتها المستقبليةº إذ تعتبر الأزمة تحدياً وصراعاً بين متخذ القرار وبين القوى الصانعة للأزمة مرافقة لقلق أو قوى ضاغطة وتهديد أمن الكيان الإداري.

 

مفهوم إدارة الأزمات:

تعدّدت التعريفات لمفهوم إدارة الأزمات، وإن كان المعنى العام لمجمل هذه التعريفات واحد وهو \"كيفية التغلب على الأزمة بالأدوات العلمية الإدارية المختلفة، وتجنب سلبياتها والاستفادة من إيجابياتها\" وإن كان لكل باحث تعريف مختلف في مفرداته ولكنه متفق في معناه.

فيعرف الباحث البريطاني (ويليامز) إدارة الأزمات \"بأنها سلسلة الإجراءات الهادفة إلى السيطرة على الأزمات، والحد من تفاقمها حتى لا ينفلت زمامها مؤدية بذلك إلى نشوب الحرب، وبذلك تكون الإدارة الرشيدة للأزمة هي تلك التي تضمن الحفاظ على المصالح الحيوية للدولة وحمايتها\".

في حين يرى الخبير الإداري د. ماجد شدود أن إدارة الأزمات يجب أن تنطلق من إدارة الأزمة القائمة ذاتها وتتحرك في إطار الاستراتيجية العامة للدولة، وهذا يتطلب تحديد الأهداف الرئيسة والانتقائية للدولة خلال الأزمة والتحليل الاستراتيجي المستمر للأزمة وتطوراتها والعوامل المؤثرة فيها، ووضع البدائل والاحتمالات المختلفة وتحديد مسارها المستقبلي من خلال التنبؤ والاختيار الاستراتيجي للفرص السانحة وتحاشي أمر المخاطر التي تحملها الأزمة أو التقليل منها حيث يتطلب ذلك معلومات وافرة ومعطيات مناسبة وإدارة رشيدة.

 

عوامل نشوب الأزمة:

كما أن لكل شيء سبباً فإن هناك عوامل تتسبب في وجود الأزمةº فهي لا تنشأ مجزأة، وليست وليدة اللحظة، ولكنها نتاج تفاعل أسباب وعوامل نشأت قبل ظهور الأزمة، وتتعدد الأسباب التي تؤدي إلى نشوب الأزمة فمنها: سوء الفهم والإدراك أو سوء التقدير والتقييم أو الرغبة في الابتزاز واستعراض القوة وتعارض المصالح، كما أن الأزمات تنشب من أجل الموارد كالمياه والغذاء والمراعي والصراع من أجل التوسع السكاني، وأزمات الانفجار السكاني، وأزمات النظام الرأسمالي والصراع الأيديولوجي والاجتماعي، والصراع على الأسواق ومصادر المواد الأولية، والصراع السياسي على السلطة بين الأحزاب المختلفة كذلك الصراع على الهيبة والنفوذ بالإضافة إلى الأسباب الاجتماعية والاقتصادية للصراع.

 

خصائص الأزمة:

لا يخلو شيء من صفات وخصائص تميّزه عن غيره ولعل من أهم خصائص الأزمة الأساسية هي: المفاجأة العنيفة عند انفجارها، واستقطابها للاهتمام والتعقيد والتشابك والتداخل والتعدد في عناصرها وعواملها، كذلك نقص المعلومات، وعدم وضوح الرؤية لدى متخذ القرار، وسيادة حالة من الخوف تصل إلى حد الرعب من المجاهيل التي يضمها إطار الأزمة، وهي مخاطر تضم انهيار الكيان الإداري، وانهيار سمعة وكرامة متخذ القرار داخل الكيان الإداري، والدخول في دائرة المجاهيل المستقبلية التي يصعب حسابها.

ولذلك يرى الباحثون أنه بفعل المفاجأة وضيق الوقت والشعور بالخطر الداهم والتوتر المرافق لاتخاذ القرار يكون تعريف قرار الأزمة بأنه قرار عادي في ظروف استثنائية، تؤثر سلباً عما ينبغي توفره في الظروف العادية من بيانات وتحليل هادئ وصياغة بدائل متأنية لاختيار البديل الأفضل منها حيث تتطلب مهاراتُ إدارةِ الأزمةِ القيادةَ واتخاذَ القرارات وإدارة الموارد البشرية والمادية إلى جانب مهارات الاتصال ومهارات التفكير الإبداعي.

 

وصايا للتعامل مع الأزمة:

يحتاج التعامل مع الأزَمات لوصايا لا بد أن تُراعى، ولهذا يقدم الباحثون وصايا عشر للتعامل مع الأزمة، وهي توخي الهدف وتحديده في معالجة الأزمة، والاحتفاظ بحرية الحركة وعنصر المبادأة والمباغتة والحشد والتعاون، كذلك الاقتصاد في استخدام القوة والتفوق في السيطرة على الأحداث، والتأمين للأرواح والممتلكات والمعلومات والمواجهة السريعة والتعرّض السريع للأحداث واستخدام الأساليب غير المباشرة كلما كان ممكناً.

ويعتمد المنهج المتكامل للتعامل مع الأزمات على عدة مراحل كمرحلة الاختراق لجدار الأزمة، ومرحلة التمركز وإقامة قاعدة للتعامل مع عوامل الأزمة بعد اختراقها، ومرحلة توسيع قاعدة التعامل، ومد جسور ومجسات الاختبار، ومرحلة الانتشار السريع لتدمير عناصر الأزمة، وشل حركتها ومرحلة التحكم والسيطرة على موقع الأزمة، وأخيراً مرحلة التوجيه لقوى الفعل الإداري الصانعة للأزمة في مجالات أخرى.

ويشير الباحثون إلى الطرق غير التقليدية كطريقة تفريغ الأزمة من مضمونها، وطريقة تفتيت الأزمات، وطريقة تدمير الأزمة ذاتياً وتفجيرها من الداخل، وطريقة الوفرة الوهمية، وطريقة احتواء وتحويل مسار الأزمة، كذلك طريقة فرق العمل والاحتياط التعبوي للتعامل مع الأزمة، وطريقة المشاركة الديمقراطية للتعامل مع الأزمة وطريقة احتواء الأزمة أو تصعيدها.

هذا وتعتبر طريقة فرق العمل من أكثر الطرق شيوعاً واستخداماً للتعامل مع الأزمات، وتتطلب وجود أكثر من خبير ومختص وفني في مجالات مختلفة، وحساب كل عامل بدقة وتحديد التصرف المطلوب بسرعة وتناسق، وعدم ترك بعض الأمور للصدفة، أو تجاهل بعض العناصر حيث يلعب إعلام الأزمة دوراً مزدوجاً إخبارياً وتوجيهياً في هذا المجال

 

تجهيزات لإدارة الأزَمَات:

ويحتاج التعامل مع الأزَمَات إلى توفير تجهيزات مختلفة حتى يمكن النجاح في إدارة الأزمة، وبالشكل الذي يحقق الأهداف المطلوبة ولعل أهم هذه التجهيزات.

1ـ غرفة عمليات إدارة الأزمات، وتقوم الدول الكبرى بتجهيزها بالكمبيوتر ووسائل الاتصال والمراقبة والتصنت والتشويش والتشفير ومؤمنة ضد أي حريق، وأحياناً توضع على سيارات متحركة لتكون قريبة من موقع الأحداث أو طائرة في حالة الدول المتقدمة.

2ـ الإعلام: وهو أشد خطورة وفاعلية وأداءً لصنع الأحداث والتأثير على مجرياتها وعلى اتجاهاتها، وذلك لما يتوفر للإعلام من قدرات هائلة تساعد على الانتقال السريع واجتياز الحدود وتخطي العوائق.

3- أدوات التأثير: وذلك لوقف تصاعد الأزمة أو التعامل معها والقضاء عليها، ومن أهم هذه الأدوات الاجتماعات الشخصية، وعقد المؤتمرات والمحاضرات، واستخدام وسائل الإعلام الجماهيرية.

4- أدوات الامتصاص: وهو استيعاب الأزمة، ومن أدواتها الاعتراف بها، واللجوء لحل وسط خاصة في مسائل التعويض المادي المناسب، أو إعادة الحقوق لأصحابها، وكذلك التحكم والاحتكام إلى أطراف خارجية محايدة أو تغيير القيادات الفاسدة التي شوّهت النظام.

 

احتياجات إداريّة:

بالإضافة إلى ما تحتاج إليه إدارة الأزمات من تجهيزات تساعد في حل الأزمة فإن هناك إجراءات إدارية تساعد في التعامل مع الأزمات التي تتعرض لها المؤسسات، ولعل أهمها تبسيط الإجراءات، وهو ما يساعد على التلقائية في التعامل مع الحدث ومعالجته بسرعة وبشكل سليم.

كما تحتاج إلى إخضاع التعامل مع الأزمة للمنهجية العلمية: من تخطيط وتنظيم وتوجيه ورقابةº فهي إدارة ذات طابع خاص لديها كافة الصلاحيات والمسؤوليات للتعامل مع الأزمة، وعلى الجميع أن ينصاع إليها وينفذ أوامرها، و إلا وُجّه إليه أقصى العقوبات ودرجات العنف.

بجانب هذا تحتاج للتواجد المستمر في موقع الأحداث: حتى يكون متخذ القرار على بينة كاملة بتطورات الأحداث سواء كان هذا التواجد سرياً أو على حسب طبيعة الأزمة وظروفها.

كما توجد مجموعة من المبادئ يجب مراعاتها عند إدارة أزمة دولية كتمديد الأهداف والحرص على عدم إحراج الخصم والتصعيد التدريجي للردع أو الخيارات المرنة وإتاحة الوقت الضروري للخصم للتدبر وتوسيع نطاق المشاورات وإحكام قبضة القيادة السياسية على القرار، وتوسيع قاعدة الدعم اللازم للقرار، وتحصين قرار الأزمة ضد المؤثرات الداخلية وتعزيز نظام الاتصالات.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply