سيكولوجية الإبداع


 

 

 

التربية الإبداعية لا تلزم الناشئة بالسير وفق خطط سلوكية معدة لهم من قبل، بل تترك لهم الحرية بأن يتفاعلوا مع ما يميلون إليه من مؤثرات خبرية، فهي تربية تجعل من مسؤوليتها إحاطة الناشئة بأكبر قدر من المثيرات التربوية وبأكثرها تنوعًا وتباينًا، لأنها في حقيقة الأمر تؤمن بأن هؤلاء الأطفال إنما يحملون استعدادات متباينة وخصبة.

صار من المتعين ونحن نعيش في ظل متغيرات تكنولوجية وتقانية مدهشة أن نعيد النظر في أساليب التربية التقليدية التي تمارس في مؤسساتنا التعليمية، وقد فعلت خيرًا مجلة «المعرفة» في عددها رقم (61) الصادر بتاريخ ربيع الآخر 1421هـ الموافق يوليو 2000م، حينما أفردت ملفًا متميزًا بعنوان: «الموهوبون كنوز مكنوزة»، واستكمالاً لهذا الدور الرائد الذي يستشرف المستقبل بأسس ومفاهيم جديدة فإننا نكمل ما يدعم المسيرة التطويرية التي نهجتها مجلة «المعرفة» بأن نقدم دراسة عن: «سيكولوجية الإبداع» نحاول من خلالها أن نناقش عدة قضايا وأطروحات تساهم في خلق جيل من المبدعين الذين يحتاج إليهم وطننا العربي ـ بكل تأكيد ـ مع حلول الألفية الجديدة، من هذه القضايا موضع الدراسة:

* ماهية التربية الإبداعية، وماهية الإبداع.

* الأسباب التي أدت إلى قصور الاهتمام بالتربية الإبداعية.

* صفات الشخصية المبدعة.

* المدرسة وتدعيم التربية الإبداعية.

* كيف نشجع الإبداع وننميه؟

ماهية التربية الإبداعية

التربية الإبداعية تؤمن بأن مهمة «التربية» تتركز في ترجمة الاستعدادات النفسية التي يحملها كل فرد إلى سلوك واقعي، لأنها تؤمن بأن كل طفل إنما يشكل عالمًا قائمًا بذاته، وأن البيئة زاخرة بالاستعدادات والمواهب العظيمة، وينبغي ألا تقوم التربية بإجبار الطفل على تلقي أو استيعاب أشياء لا يحمل نحوها حبًا أو رغبة في تحصيلها، إنها تربية تؤمن بأنه إذا أحسنا تربية كل طفل على حده بحسب ما لديه من قدرات ومواهب واستعدادات فإن حال المجتمع سوف يتحسن، ومن ثم تحدث نهضة اجتماعية وثقافية واقتصادية... إلخ.

ماهية الإبداع

الإبداع هو إنتاج شيء ما، على أن يكون هذا الشيء جديدًا في صياغته، وإن كانت عناصره موجودة من قبل، ويرى «برونوفسكي» أن الشخص يصبح مبدعًا عندما يجد (الوحدة) في (تنوع) الطبيعة، أو في الأشياء التي لم يكن يظن من قبل، ولا يتوقع أن يكون بينها وحدة.

كما ينظر إلى الإبداع من جانب معرفي يتبلور في أن العقل البشري (المخ البشري) يعمل على تخصيب ما يتلقاه من معارف ومعلومات بحيث يأتي بكيفيات أو صيغ جديدة، لم تكن موجودة أو متوافرة من قبل، وعلى ذلك فإن الشخصية المبدعة هي التي تعمل على تصدير المعارف وليس الاكتفاء باستقبالها.

أما الإبداع من حيث هو أداء خلاق مبتكر، فإن المبدع في مجال ما من مجالات الإبداع لا بد أن يكون متمتعًا بخلفية من الخبرات الثرية في مجال إبداعه، لأن الإبداع الأدائي لا يظهر إلا إذا توافرت له الإمكانات التي تسمح بظهوره. كما ينبغي أن يتوفر للشخصية المبدعة قوامها النفسي المهيئ لظهور وتجلي هذه الموهبة الإبداعية، مع قدر مناسب من الحماسة والجدة والأصالة.

والإبداع عملية تركيبية، وهذا ما يفسر بجلاء سر تطور الحضارة الإنسانية على مر العصور، حتى وصلت إلى ما نحن عليه من إنجازات مذهلة وتراكمات تكنولوجية وتقانية وثقافية وفكرية وإبداعية رائعة، ذلك لأن المبدع لا يؤمن قط بالتكرار النمطي الروتيني، بل هو يعمد بشتى الطرق إلى ابتداع مركبات جديدة غير مسبوقة.

صفات الشخصية المبدعة

 

* القدرة على التفكير الإبداعي:

نستطيع أن نقول في البداية إن التفكير في عمومه هو كل نشاط ذهني أو عقلي يتجاوز الإحساس والإدراك الحسيين إلى الأفكار المجردة.

والتفكير الإبداعي الذي يجب أن يتميز به المبدع هو نوع من التفكير يتميز بإبداع الشخص لنتاج جديد، ولتكوينات جديدة في النشاط المعرفي ذاته من خلال إبداعه. والمبدع في استخدامه لهذا النوع من التفكير فإنه يتميز بالبحث والانطلاق في اتجاهات متعددة، فهو يتعامل بطريقة ابتكارية مع الرموز اللغوية والرقمية وعلاقات الزمان والمكان. ويجدر أن نشير إلى أن هذا النوع من التفكير الإبداعي هو ما غفلت عنه اختبارات الذكاء الشائعة.

 

* التمتع بخاصية الخيال الخصب:

الشخص المبدع في أي مجال من مجالات الإبداع لا بد أن يمتلك هذه القدرة التي نسميها «الخيال» كي يبدع إنتاجًا منفردًا غير مسبوق. وحقيقة الأمر أن المبدع يستطيع أن يجسد أخيلته في أعمال إبداعية مبهرة، لأنه في تطلعه الدائم نحو استشراف المستقبل إنما يفعل ذلك عن طريق الخيال، فهو ينسج ذلك المستقبل على النحو الذي يريده أو يستهويه.

وكلما كان الخيال المستقبلي أكثر خصوبة واستمرارية وتدفقًا كانت الحصيلة الحياتية الفعلية أكثر إيجابية، على العكس من الشخصيات العادية التي حرمت من نعمة الخيال المستقبلي، وركنت إلى الواقع فحسب لتظل حبيسة هذا الواقع تتنفس الرتابة والخمول.

 

الرغبة في التفرد والتميز:

المبدع يحرز خصائص أو سمات يتفرد بها دون الآخرين، وكأن الشخص المتفرد يكون قد شق لنفسه طريقًا جديدًا لم يطرق من قبل، لذلك هو يترك بصماته على جانب رئيس من جوانب الحياة المتباينة، فسقراط (470ق. م ـ 399ق. م) انتهج نهجًا فكريًا جديدًا لم يكن موجودًا من قبل سماه منهج «التوليد»، على عكس ما كان سائدًا في زمانه من منهج فكري كان يسمى «المنهج الجدلي». كذلك سار على النهج نفسه من حيث التفرد «ألبرت آينشتين» (1879 ـ 1955م) حين ابتكر نظرية النسبية وغيرهما.

 

* شدة الاعتزاز بذاتيته:

المبدع هو شخص شديد الالتصاق بنفسه، هو ذاتي المركز، يترجم كل شيء من حوله في ضوء ذاتيته لأنه لا يحب أن يكون مجرد نسخة من ملايين النسخ المتشابهة في عدم تفردها أو تميزها. إن المبدع ينظر إلى نفسه على أنه نسيج قائم بذاته، غير متكرر، له إبداع يلتصق به شخصيًا، إبداع غبر مسبوق أو ملحوق، وإذا كان المبدع هو شخص شديد الاعتداد بنفسه فإنه لا يتصف بالصلف أو الغرور أو التعالي على الآخرين، لأنه يستمد خبراته الإبداعية من الآخرين، فلا شيء يتم إبداعه من فراغ، إلا أن المبدع يحيل هذه الخبرات الموضوعية إلى خبرات ذاتية متفردة شديدة الخصوصية.

 

* الثورة على المألوف:

الإبداع هو انتهاج خط جديد غير مألوف في مجال ما من مجالات الحياة، وإذا كان الناس في سوادهم الأعظم يتمسكون بكل ما هو قديم مألوف، فإن المبدع فيما يقوم به من إبداع لا يجاريهم وجهات نظرهم، فهو يرفض المألوف ويتطلع إلى ما هو جديد، لذلك فإنه سرعان ما يعلن ثورته على ما هو مألوف قديم.

إن المبدع يقوم بثورة إيجابية لأنه ذو نظرة مستقبلية، فهو يبغي أن يضيف إلى ما يأخذ به الآخرون من حوله بُعدًا ثالثًا هو بُعد المستقبل، وإذا كان المستقبل غير واضح في نظر الكثيرين من غير المبدعين، فإن الأمر مختلف تمامًا عند المبدع، فالمستقبل عند المبدع مرئي ومدرك بوضوح.

والمبدع في ثورته الإبداعية هذه إنما يكون متسلحًا بمعظم المعارف القديمة أو المعارف التراثية، التي تجعله على وعي وإدراك لحقيقة التغيير الذي يريد أن يغيره فلا تغيير من فراغ.

 

* الرغبة في ارتياد آفاق جديدة:

لعل أهم صفة تتجلى في حياة المبدع هي أنه يحاول أن يقدم ما لم يقدمه أحد من قبل، لذا فهو حينما يتفحص أعمال الآخرين فإنه يبادر بالتقاط تلك النقاط أو الزوايا أو القضايا التي لم يتطرق إليها أحد، أو لم يلتفتوا إليها، أو لم ينجحوا في إلقاء الأضواء الكافية عليها، أو تعثروا في تفسيرها وفهمها.

والشخص المبدع لا يطلع دومًا على الجديد في شتى الميادين، فالمبدع منذ كان طفلاً يرفض أن يحصل ما لا يروقه، أو ما سبق معرفته واستيعابه، لأنه يحب أن يقفز إلى المجهول ليستطلعه ويتعرف عليه، فهو يتشوق إلى الجديد، ويحب كل ما يتحدى قدراته وذكاءه، والمبدع هو شخص ينفر من الرتابة والسير وفق خطط محددة.

 

* إدراك وابتكار العلاقات الجديدة:

المبدع لا يقف عند حدود العلاقات الموجودة بالفعل، بل يستطيع أن يبتكر علاقات جديدة لم تكن موجودة من قبل. ثم يتخطى حدود الإدراك والابتكار إلى الإحساس الوجداني المتوهج، بحيث يدفع تلك العلاقات التي ابتكرها لتترجم إلى عمل إبداعي مجسد.

 

* تجديد الأهداف:

يعرف الهدف على أنه صورة متحققة لنتيجة متوقعة يتجه العمل الإنساني نحو تحقيقها. أما مصطلح «تكوين الهدف» فهو يعني عملية وضع أهداف جديدة للسلوك البشري وهي إحدى ظواهر التفكير، وقد يكون تكوين الهدف إراديًا أو لا إراديًا، ويتسم بالتغيير بمرور الوقت. ولذلك فإن المبدع بحاجة دائمة إلى تجديد الأهداف الإبداعية التي يتبناها بحيث تتمشى مع طبيعة الحياة، ولأن الحياة هي سلسلة من العمليات المتدفقة والمتنوعة، لذا فمن الضروري بالنسبة للمبدع أن يلاحق التغيرات التي تقع بداخله من جهة، والتغيرات التي تحدث من حوله من جهة أخرى، ولا تتأتى تلك الملاحقة إلا بتجديد الأهداف الإبداعية التي يرغب في تحقيقها.

 

* التحلي بأكبر قدر من الثقة بالنفس:

المبدع بحاجة دائمة إلى الثقة بالنفس، ثم الثقة بأن ما يبدعه له قيمة من جهة أخرى، والثقة بالنفس هي الميكانزم الأساس الذي يحصن الإنسان ضد الفشل، لأن الإنسان متى فقد الثقة بنفسه أو بإبداعه، فعنذئذ لا يستطيع أن يستمر أو ينهض بمشروعاته الإبداعية.

وحينما نتطرق إلى الثقة بالنفس لا نقصد الغرور أو المبالغة في تقدير الذات، وبالطبع لا نقصد احتقار الذات أو الإقلال منها، بل نقصد تلك الركيزة الأساسية التي تحقق توازن الشخصية وسويتها وصحتها النفسية.

المدرسة وتدعيم التربية الإبداعية

هناك اتجاهات جديدة تتمثل في الاهتمام بالتعليم والتعلم الإبداعيين لانطلاق الطاقات الإبداعية الكامنة عن طريق تهيئة الفرص الكافية لتكوين أفراد قادرين على فعل أشياء جديدة ليست متكررة، حيث إن عملية ممارسة التفكير المبدع أصبحت مفتاح التربية في أكمل معانيها وأوسعها.

ومما لا شك فيه فإن نوع الخبرات التي يتعرض لها الفرد في المدرسة قد يكون لها أثرها في الإبداع، ومن ثم فإن المعلمين المبدعين هم الذين يهتمون بالخبرات التي تؤثر في إبداع الناشئة، فإذا كانت التربية التقليدية تعنى بالتلقين والحفظ والتكرار، فإن التربية الإبداعية تهتم بتنمية المبادأة والأصالة.

وقد أوضح عدد من العلماء خطوات العملية الإبداعية في الآتي:

* تصور الحاجة إلى فكرة معينة: وهي خطوة لا يتوصل إليها التلاميذ إلا من خلال المواقف التربوية المحددة والمعدة بشكل مسبق، وهنا يكمن دور المعلم في انتقاء المناشط التعليمية التي تدفع بالتلاميذ للانهماك في البحث عن هذه الحاجة.

* جمع المعلومات التي تتصل بها: بحيث يبذل التلاميذ جهدًا في البحث والتنقيب.

* التفكير في هذه المعلومات (التحليل): حيث يندفع التلاميذ إلى ممارسة عمليات راقية في محاولة للتحليل المبدع والفعال للجوانب السلبية والإيجابية، بحيث يتمكنوا من تمييز الأفكار الرئيسة وتنظيمها وعقد المقارنات والتوصل إلى أوجه الشبه والاختلاف بين الأشياء والأفكار والآراء.

* تصور الحلول الممكنة (التفكير التركيبي): حيث يتدرب التلاميذ على ممارسة العمليات العقلية التي تتبلور في إيجاد الحلول الممكنة نتيجة لبناء علاقات جديدة بين الأشياء أو الأفكار أو الآراء.

* التحقق من الحلول (الاختبار): يتلخص في تدريب المعلمين على إصدار الأحكام وتقديم الشواهد المؤيدة للتحقق من الحلول واختبارها.

* وضع الأفكار موضع التنفيذ.

اختبارات الإبداع.. وبعض الطرق المقترحة

اختبارات الإبداع هي مجموعة من التقنيات لدراسة وتقويم القدرات الإبداعية الفردية، وقد تم تمييز القدرة على توليد أفكار أصيلة، والخروج على أنماط التفكير الشائعة، وعلى الحل السريع للمواقف الإشكالية من بين القدرات العقلية بوصفها استعدادًا خاصًا سمي: الإبداع.

هذا، وتواجه فكرة تطبيق اختبارات يعول عليها لقياس القدرة الإبداعية عدة صعوبات، وبالرغم من ذلك سنعرض عدة طرق مقترحة قد تفيد في الكشف عن القدرات الإبداعية لدى الناشئة نوجزها في التالي:

أولاً: إثارة الحيرة والارتباك: عن طريق استخلاص نتائج متناقضة أو غير متصورة من قضايا يسلم بها الكثيرون.

مثال: تقول الحقائق الجغرافية إن فصل الربيع يكون دافئًا وتكون فيه الشمس مشرقة، نحن اليوم في فصل الربيع، ولكن هذا اليوم الذي نحن فيه بارد وعاصف لماذا؟

ثانيًا: إثارة الدهشة والاستغراب: وهي أسئلة يقصد منها إثارة فضول وتساؤل الناشئة.

مثال: لماذا تنطفئ الشمعة عند تغطيتها بكأس زجاجية؟

لماذا يجذب المغناطيس المعدن ولا يجذب الخشب؟

ثالثًا: تقدير قيم متوسطة: وهو يتطلب من الناشئ اكتشاف طبيعة العلاقة أو الترتيب، أو بين حدود نهائية في دالة تقوم على علاقة معينة أو تتبع ترتيبًا معينًا.

مثال: ضع الأرقام المناسبة في الفراغات التالية:

(أ) 4، 11، ــ، ــ، 22، 39.

(ب) 2، 1، 4، 7، ــ، ـ، 22، 29.

رابعًا: التصنيف وإدراك المشابه والفروق واستبعاد الشاذ: وهذه العمليات جميعها تساعد على تطوير الإبداع، وتسهم في تنمية القدرات على تكوين المفهومات، ثم إدراك العلاقات بين المفاهيم.

مثال: (أ) صنف الأشياء التالية في ثلاث مجموعات بحيث تضع في كل مجموعة الأشياء التي تلتقي بصفة مشتركة:

ماء ـ خشب ـ زيت ـ هواء ـ حديد ـ كيروسين ـ بخار ـ حجر ـ ثاني أكسيد الكربون.

(ب) احذف غير المناسب فيما يلي:

أحمر ـ أصفر ـ أصغر ـ أخضر.

 

خامسًا: تحويل الأشكال:

مثال: يتألف الشكل التالي من خمسة مربعات من أعواد الثقاب (الكبريت)، انزع ثلاثة من أعواد الثقاب بحيث تبقى ثلاثة مربعات فقط:

سادسًا: استكمال النقص وسد الثغرات وإعادة الترتيب: وهي أنشطة مهمة لإثارة النشاط الإبداعي، حيث نواجه الناشئ بمعلومات أو أشكال ناقصة لاستثارته لمعرفة نواحي النقص واستكمالها بحسب اجتهاده ونتائج بحثه.

مثال: (أ) اقترح عنوانًا أفضل من العنوان الذي وضعه المؤلف لدرس القراءة.

(ب) أعد ترتيب أسباب الحروب الصليبية بحسب أهميتها في نظرك.

سابعًا: التفكير التجميعي والتفكير التفريقي

* أسئلة الذاكرة المعرفية:

مثال: ما عاصمة المملكة العربية السعودية؟.. ما فصول السنة؟

* أسئلة تجميعية: تتطلب تحليلاً أو تركيبًا لمعلومات تعطى، وتتطلب استدلالاً وحلاً للمشكلات، ولكنها لا تحتمل سوى نمط واحد من الاستجابة المقبولة، أو عدد محدود من الاستجابات المقبولة.

مثال: (أ) ما أوجه الخلاف بين فصلي الخريف والصيف؟

(ب) كم تسعة في العدد (30)؟

* أسئلة تفريقية: وهي تتطلب للإجابة عنها خيالاً وتصورًا للأمور في اتجاهات مختلفة.

مثال: كيف ستصبح حياتنا لو أن فصول السنة كلها متشابهة؟

* تدريب الناشئة على تدوين الأفكار التي تستهوي خيالهم: حيث يخصص لكل ناشئ كراسًا خاصًا يدون فيه الأفكار التي تتراءى له.

 

كيف نشجع الإبداع وننميه؟

أولاً: لا بد أن يتمتع الناشئة والشباب بالحرية، وبالقدرة على الاختيار والقبول، وعلى الرفض والنبذ من جهة أخرى، فالشخصية المتمتعة بالحرية في اختيار ما ترغب فيه، وتنأى بنفسها عما لا يتواءم مع ما يناسبها، فإنها بحق الشخصية القادرة على الإبداع، فلنعط الحرية لأبنائنا في اختيارهم لكل نشاط يميلون إليه، ونحن لا نقصد بالحرية هنا إهمال جانب التحصيل المعرفي، ولكن نقصد أن يكون العمل الإبداعي مصاحبًا للتحصيل المعرفي ومساويًا له، وحين نتيقن أن أبناءنا يميلون إلى جانب معين من جوانب الإبداع، فلنسارع بصقله وتدعيمه وتوفير جميع السبل لنموه ونضجه.

ثانيًا: من حق أولادنا علينا أن نوفر لهم جميع الإمكانات المناسبة التي تهيئ لهم فرص الإبداع، نعم، هناك عظماء من المبدعين نبغوا بإمكانات ضئيلة، ولكن إذا كانت ظروفنا المادية والثقافية أفضل وتسمح بذلك، فلماذا لا نستثمر هذا كله لصالح أبنائنا؟ لهذا يتوجب أن نوفر لهم كل ما يريدونه أو يستخدمونه في إبداعاتهم المختلفة، فلا يكون رفضنا لمجرد أن هذه الأشياء لا تروقنا، أو لأننا لا نرى من ورائها عائدًا، أو لأنها قد تضيع وقتهم، على أن يكون الفيصل في كل ذلك هو مدى إيماننا بأهمية رعاية مواهب الأبناء وصقلها، وأن تتبدى لدى الطفل نفسه رغبة حقيقية في العمل الإبداعي المزمع القيام به.

ثالثًا: توفير جو أسري هادئ ومستقر، يسوده الأمن والطمأنينة، هذا الجو النفسي الذي نعتبره الأساس في نبوغ الأطفال وتجلي مواهبهم، ولنعلم أن الجو الأسري المشبع بالقلاقل والاضطرابات إنما هو جو يقضي على إبداعات الأبناء ويقتل ملكاتهم وقدراتهم.

رابعًا: ولأن العصر الذي نعيش فيه هو عصر السماء المفتوحة، أي عصر الفضائيات بقنواتها المتعددة الشيقة، والتي تجذب ـ بطبيعة الحال ـ أطفالنا وشبابنا فتسلبهم نعمة الوقت الذي من المفروض أن يستثمر في تنمية ملكاتهم الإبداعية والكشفية والابتكارية، فإنه ينبغي للآباء التدخل في حنو وتعاطف لتقويم البرامج التي يمكن مشاهدتها، وتحديد مساحات محددة من الوقت للمشاهدة، بحيث لا يطغى جانب على حساب جانب آخر.

خامسًا: نعلم أن المناهج الدراسية بوضعها الحالي لا تهيئ للتلاميذ أي فرص لظهور إبداعاتهم وتجليها، تلك المناهج المحشوة بمقررات دراسية طويلة وجافة، المناهج أحادية الهدف من حيث اهتمامها بتكديس أكبر قدر من المعلومات وحشوها في ذاكرة التلاميذ، حتى إذا جاء موعد الامتحان سكبوا ما حفظوه على أوراق الإجابات، ثم تنقطع صلتهم بهذه المعلومات. لذا لا بد أن تتضمن المناهج الدراسية الأنشطة والمجالات التي يمكن أن تنمي مواهب التلاميذ وتدعم قدراتهم الابتكارية والإبداعية من استشارة ونقد وتفكير واستنتاج واستدلال وتركيب واكتشاف علاقات جديدة... إلخ.

سادسًا: أن نشجع الأطفال أو الشباب على الاتصال بالشخصيات المبدعة والمؤثرة في المجتمع، والعمل على توسيع نطاق البيئة الثقافية أمامهم سواء عن طريق إشراكهم في المكتبات العامة أو نوادي العلوم، مع إتاحة وتوفير الكتب التي يريدون قراءتها، وإشراكهم في رحلات وجولات، مع ملاحظة أن تتم كل هذه المناشط دون قسر أو إلحاح.

سابعًا: لا بد أن نرعى أطفالنا المبدعين وأن نطبق عليهم قانون المحاولة والخطأ، لأنه هو المنهج الخليق بالاتباع، وينبغي أن نعي أن المحاولات الفاشلة تسبق دائمًا المحاولات الناجحة، ولذلك فعلى الآباء ألا يلوموا الأطفال إذا أخفقوا في إبداعاتهم ومبتكراتهم، بل عليهم أن يعلموهم السبيل الصحيح إلى الإبداع، وأن يقودوهم إلى الخلق والتجريب بكل ما أوتوا من خبرات. كما يتحتم على المعلم في هذا الصدد ألا يوبخ الطفل إذا أخطأ، بل عليه أن يقدم له التشجيع بترو وبصيرة سيكولوجية.

ثامنًا: من الضروري أن توفر جميع الإمكانات المادية من أموال ومعدات وتجهيزات وأدوات وأجهزة وآلات لمعاهدنا الدراسية على اختلاف أنواعها، هذا إذا كنا نبغي حقًا خلق جيل من المبدعين أو المخترعين.

تاسعًا: لا بد من إعداد جيل من المعلمين قادرين فعلاً على الإبداع والخلق والتجريب، حتى يؤمنوا بأهمية الإبداع بالنسبة لتلاميذهم، على اعتقاد منا بأن المعلم النمطي أو الروتيني لا يصلح إلا للتشريب والتلقين، ولكنه لا يصلح لخلق جيل من المبدعين أو المبتكرين، فما معنى أن تعطى دروس العلوم في حجرات الدراسة دون أن يقوم معلم العلوم بتحضير التجارب معمليًا؟ وهل يعقل أن يقوم بتدريس التربية الفنية معلم لا يجيد استخدام فرشاة التلوين؟!

 

ــــــــــــــــــــــ

المراجع:

1ـ إبراهيم عصمت مطاوع: أصول التربية، ط2، القاهرة: دار المعارف، 1980م.

2ـ أبو الفتوح رضوان وآخرون: المدرس في المدرسة والمجتمع، القاهرة: مكتبة الأنجلو المصرية، 1983م.

3ـ أ. ف. بتروفسك، م. ج ياروشفسكي: معجم علم النفس المعاصر، ترجمة: حمدي عبد الجواد، عبد السلام رضوان، مراجعة: د. عاطف أحمد، القاهرة: دار العلم الجديد، 1996م.

4ـ علي وطفه: تربية متغيرة لعالم متغير، مجلة العربي: الكويت، العدد: 443، أكتوبر 1995م.

5ـ يوسف ميخائيل أسعد: سيكولوجية النمطية والإبداعية، القاهرة: مكتبة نهضة مصر، 1991م.

6ـ يوسف ميخائيل أسعد: الشخصية المبدعة، القاهرة: المؤسسة العربية الحديثة، 1993م.

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply