بسم الله الرحمن الرحيم
توطئه:
مع مطلع الألفية الجديدة ظهرت على السطح جملة من المفاهيم الجديدة والتي تأتي كنتاج متوقع لطبيعة السنن التي أودعها الله - تعالى - في الكون كما أشار إلى ذلك ابن خلدون في مقدمته. وتأتي مفاهيم \"العولمة\" و\" فكرة تسويق المصطلحات المسبقة التعليب\"و \" قيم الاستهلاك \"…كأبرز تلك المفاهيم وأشهرها في الألفية الجديدة، وفي السياق التربوي الذي نحن بصدده الآن ظهر مصطلح \"إدارة الفصل الدراسي\" كمفهوم يتبلور لأول مرة بعد بروز مصطلحات الإدارة المتخصصة الأخرى كإدارة الأفراد وإدارة المجموعات والمستشفيات…وغيرها. والحقيقة أن حداثة ظهور هذا المفهوم (الإداري/التربوي) تجعل المتعامل معها يقف أحيانا حائراً كالضب في الصحراء. \"فالمسهل\" وخصوصاً الجديدFACILITATOR (تعد هذه اللفظة أحد المفاهيم الجديدة التي تم تبنيها في الحقل التربوي وذلك في إشارة إلى تغير دور المدرس/المعلم في الفصل، حيث أضحت مهمته \"تسهيل\" تحصيل المعلومة لا \"تلقينها\") كثيراً ما يطرح سؤلاً محيراً ينصب حول \"آليات إدارة جماهير المتلقين\" التي يمكن إعمالها داخل الفصل الدراسي بغرض ضمان أفضل لحسن سير \"ديناميكية\" الفعل التعليمي. ولعله من!
المناسب في الوقت عينه الإشارة إلى أن \"الإدارة\" المنشودة لا تعني بالضرورة أن يقوم المسهل بإعمال أساليب \"الانضباط\" بشكل صارم وحازم، ذلك أن بيئة تلكم سماتها يمكن أن تكون أي شيء يخطر على البال إلا أن تكون بيئة تعلم /تعليم تتم فيها عمليه الإرسال/الاستقبال بشكل متبادلºإلا أنه في الوقت عينه ينبغي عدم إغفال حقيقةَ أن للبيئات العسكتربويهEDUMILITARY (أي تلك التي تجمع ما بين التعليم الأكاديمي والتدريب العسكري ككلية الملك فيصل الجوية مثلاً لا حصراً) خصوصيةً يجب الالتزام بها.. وتتمثل هذه الخصوصية في كون الانضباط داخل صفوفها الدراسية يأتي كضرورة لاستكمال جانب التدريب العسكري ومع ذلك فإنه ينبغي الأخذ بعين الاعتبار أن الانضباط المنشود هو انضباط \"متوازٍ, \"و \"مسئول\" قائم على \"استشعار المسؤولية\" و\"خلق روح المراقبة الذاتية\".
و في الأسطر القليلة القادمة سأحاول بجهد المقل أن أضع بعض النقاط العريضة التي أزعم أن تبنيها من قبلنا معاشر المسهلين كفيل إنشاء الله بإدارة مناسب للفصل الدراسي عموماً والفصل الدراسي العسكتربوي بخصوصيته المعروفة على وجه الحصر.
آلياتٌ مقترحةٌ لإدارة الفصل الدراسي العسكتربوي:
1. وجه رسالة قويه لجميع المتلقين بالحرص على الالتزام والانضباط وذلك من خلال العمل على بدء درسك وإنهائه في الوقت المحدد تماماً.
2. ضع لك جدولاً تلتزم فيه بمقابلة طلبتك خارج الفصل الدراسي…فمثل هذه المقابلات كفيلةٌ لتَؤُدَ كثيراً من المشاكل في مهدها.
3. إذا ما رغبت في التحدث مع أي طالب حول مشكل بعينه فاحرص أن يكون ذلك خارج الفصل وأن تقابل كل طالب على حدة. كن حصيفاً ولا تستخدم التلفون أو حتى البريد الإلكتروني فأنت بذلك تشعره بالخصوصية وبحرصك على الإصلاح لا التشهير والانتقام.
4. حين الحديث مع أولئك الطلبة كن حريصاً على أن توضح لهم أن تصرفهم ذلك يؤثر على سير الفعل التعليمي/التعلمي من جميع وجوهه: المتلقي والمسهل والمنشأة والأسرة.. الخ.
5. احرص على أن لا تراهن على ذكاء وفطنة طلبتك، فحين يسألك أحدهم سؤلاً لا تعرف له إجابة، لا تتأفف أو تتبرم أو تحاول أن تقول أي شيء.. ولتعلم أن احترام طلبتك لك سيزداد حين تقول لهم \"لا أعلم\" على أن تحرص أن تبحث لهم بنفسك في الإنترنت أو المكتبة عن الإجابة الشافية مما يساعد على غرس حب البحث والتنقيب عن المعرفة في وجدانهم، وهذا بدوره سينعكس إيجاباً على انضباطهم.
6. لتكن طريقتك في\"تسييس\" جماهير المتلقين في فصلك الدراسي واضحة منذ اليوم الأول من ناحية الحضور والغياب والتقييم.. الخ. إذ أن وضوح تعليماتك وطريقتك في هذا الصدد كفيل بالحد من كثير من المعضلات وسوء الفهم التي كثيراً ما تقف حجر عثرة في إتمام الفعل الدراسي اليومي.
7. يجانب الصواب ذلك المسهل الذي يشدد على أهمية الالتزام بأمور بعينها في أول لقاء له مع طلبته ثم يخفق هو لاحقاً في التقيد بها، فينطبق عليه قول الطغرائي (.. وانفرجت مسافة الخلف بين القول والعمل)، ووجه الخطورة هنا هو أن مفهوم\"القدوة\" المتمثل بهذا المسهل قد أضحى شيئا \"هلامياً\" مفرغاً من معناه الحقيقي في أذهان المتلقين الذين بحكم طبيعة المرحلة العمرية التي يمرون بها في حاجة ماسة إلى \"تقليد\" الآخر، فإذا لم يكن هذا \"الآخر\" هو المسهل فسيكون شيئا آخراً قد لا يرغب كثير من الآباء وعلماء التربية أن يكونوا \"قدوة\" لأبنائهم. فحقيقٌ إذن بمسهل \"يفعل ما يقول\" أن يخلق لنا جيلاً من نوع آخر لطالما تغنى به شعرائنا وتمنيناه في أحلامنا! وبالجملة لتكن قدوتنا جميعا معلم البشرية الأول نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم -.
8. يظل المسهل كسائر نسل آدم علية السلام عرضة للمشاكل العائلية والنفسية وتغيرات المزاج.. إلا أنه خليق بالمسهل ألا يناقش أيا من المتلقين بخصوص أية معضلة وهو في حالة نفسيه أو عاطفية غير مستقرة وفي السياق عينه فليتجنب المسهل الحديث مع أي طالب يمر بنفس تلك الظروف حتى لا يزيد من تعقيد المشكل وتداخله مع مشاكل أخرى.
9. حين مناقشة الطالب في أية معضلة كن هادئاً.. امنح لسانك لا أذنك شيئاً من الراحة.. أفسح المجال للمتلقي ليتكلم، فالملاحظ أن الإنصات للمسهل كفيل بحل كثيرٍ, كثيٍ,ر من المعضلات التي يعتقد البعض خطأً أن لا حل لها سوى الصراخ والتشهير والانتقام، وينسي قول العملاق المتنبي في عجز بيت قريظ له(إن كنت ناصحه فداوي سقامه).
10. احرص على أن تحفظ الاسم الأول لطلبتك ونادهم بها على الدوام.. ففي ذلك إشعار للطالب\"بالمسؤولية\" و\"بوجوده\" و\"أهميته\" مما يقلل من ميل الطالب لارتكاب بعض السلوكيات التي تعيق سير الفعل التربوي، والتي يتخذها بعضهم بحكم المرحلة العمرية التي يمرون بها مطية لجذب انتباه الآخرين.
11. حاول أن تنظم مقاعد الطلبة داخل الصف بحيث تأخذ شكل نصف دائرةº حيث أن هذا التنظيم وبحكم التجربة يتيح للمسهل فرصة خلق جو من \"المراقبة\" المباشرة تكون مبنية على معاني \"الحميمية\" و\"التواصل\" بينه وبين طلبته.
12. ينبغي على الدوام تذكير المسهل أن مهمته التقليدية\"كمدرس\" و\"كمعلم\" و\"كمالك أوحد\" للحقائق المعلوماتية قد ولت ربما إلى غير رجعة وذلك بحكم التطورات التي حدثت في أبعاد الحياة كلها وعلى رأسها البعد التربوي الحديثº حيث أضحت مهمة المسهل \"اللاتقليدية\" هي \"تسهيل\" تحصيل الفعل التربوي لا \"تلقينه\". وعليه فإن إصرار بعض المنتسبين إلى الفعل التربوي الصحيح على القيام بكل الأدوار داخل الفصل الدراسي يعد في المفهوم التربوي الحديث معيباً لعل أبسط سلبياته الدفع ببعض المتلقين للقيام بسلوكيات تعيق الفعل التدريسي وإدارة الفصل وذلك بسبب إصرار ذلك المدرس التقليدي، لا المسهل الحديث، على تهميش دور المتلقي الحقيقي والاستحواذ على كامل الأضواء داخل الفصل. هذا بالإضافة إلى أن أسلوب الاستحواذ والسيطرة هذا يعد نقيصة في حق من يقوم به من ناحية ما ثبت لدى جميع المهتمين في العمل التربوي الحديث من أن مخرجاته تكون ذات أنماط معرفية صرفه قائمه على \"التكرارية\" و\"التقليد\" و\"النمطية\" وبعيدة البعد كله عن الإبداع والخلق والتميز الذي ظلت أمتنا في حاجة ماسة إليه لتكون لها الصدارة في العالم مرة أخرى.
13. كمسهل ورث مهنة الأنبياء النبيلة اعمل على زراعة الحماس وزيادة دافعية طلبتك للتعلم والاكتساب.. من خلال محاولة أن تكون أنت ذاتك خلاقاً مبدعاً داخل أروقة فصلك.. ابتعد عن \"النمطية\" واستخدام ذات طرق التدريس التقليدية التي ربما عُلمت بها والتي تورث الملل والسأم في نفس الطالب وتدفع البعض منهم إلى القيا م ببعض السلوكيات والتصرفات التي قد تعيق الفعل التربوي. إن المسهل الحديث يدرك ببصيرة أن مهمته تحتاج إلى\"حلم الأحنف\"و \"دهاء إياس\" و\"صبر أيوب\" ولذلك فهو يحاول جهده إدارة فصله إدارة سلسة سليمة من خلال إضفاء عناصر التشويق والترغيب على الدوام في نفس طلبته وذلك بإعمال طرائق تدريس متنوعة طوال اليوم …لا تكن أسير السبورة والطبشور فحسب.. تلفت يمنه ويسرة ستجد في محيط البيئة المحلية ما يساعدك على تعزيز أدائك لرسالتك دون عوائق من خلال ربما الاستعانة بقصاصات الصحف والمجلات المناسبة والزيارات الميدانية ومشاهدة الرائي وسماع المذياع أو الاستعانة بلقاء الطلبة ببعض أهل التجريب من مجتمع الطالب المحلي. وبالجملة فإن المسهل الحريص المخلص عمله لله سوف لن تعجزه الحيلة في إدارة فصله إدارة تربوية حديثة ناجحة تأخذ بالأمة إلى مصاف الأمم إن شاء الله - تعالى -، ويكون ديدنه في مواجهة معضل \"خصوصية\" مهنته قول الشاعر:
دع المعاولَ تزبئرُ قساوةً***وضراوةً إن البناءَ متينُ
قبل وضع القلم…
أما قبل.. فليس بعد هذا الزبور المتواضع حول آليات إدارة الفصل الدراسي سوى التذكير بأن ما جادت به الذاكرة في هذه العجالة ليس كل شيء في هذا المضمارº فالدعوة إذن مفتوحة موجهة لكل باحث متخصص يود تجريب آليات وطرق أخرى يمكن إضافتها إلى ما ذكر أعلاه. على أننا حينما نتحدث عن إدارة الفصل الدراسي فإننا نؤكد أنها من الأهمية بمكان ذلك أنه ثبت أن المسهل أحيناً يهدر ما يقرب من نصف اليوم الدراسي (أي نصف عمر المتلقي الدراسي) في الحديث عن أمور جانبيه لا علاقة لها مباشرة بصلب المنهج(أو المقرر إن شئت). (COTTON، 1990)
___________________________________
المراجع التقليدية العربية:
1) مقدمة إبن خلدون.
2) تغير الاسم من مدرس ومعلم ال ىمسهل ولهذا خلفيات لا مجال لتفصيلها
المراجع التقليدية الأجنبية:
COTTON، K. EDUCATIONAL TIME FACTORS، 1990 3)
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد