الشخصية الإسلامية.. الناجحة إداريًا ( 3 – 3 )


 

بسم الله الرحمن الرحيم
 
 

كيف تكون صاحب عقيدة قوية وفكر مستنير وعاطفة نبيلة؟

تحدثنا في الحلقة قبل الماضية عن مقومات الشخصية الإسلامية الناجحة إداريًا. ثم تحدثنا في الحلقة الماضية عن مزايا هذه الشخصية، واليوم نتحدث عن السلوك ودوره في تنمية الشخصية الإسلامية الإدارية، ونستعرض أهم مزايا الشخصية الإسلامية.

 

السلوك ودوره في تنمية الشخصية:

يعتبر السلوك المظهر المجسد لمحتوى الشخصية، واللسان المعبر عن هويتها وحقيقتها، والسلوك ليس عنصرًا من عناصر الشخصية، بل هو الوجه الخارجي للشخصية والانعكاس الطبيعي والظل العملي لها.

 

وتتميز الشخصية الإسلامية بسمات سلوكية إنسانية معينة تختلف كل الاختلاف عن سلوكية الشخصية غير الإسلاميةº لأنها تختلف عنها في الدوافع والمحفزات والغايات والأهداف.. فينتج عن هذا الاختلاف، اختلاف في طبيعة السلوك، ونوعية المواقف والممارساتº لذا فإننا نشاهد التباين واضحًا بين سلوك المسلم الملتزم، وغيره من الشخصيات الأخرى في موقفه من قضية معينة أو تقويمه لها.

 

فالعامل المسلم، أو رجل الأعمال المسلم الملتزم، أو الإداري المسلم مثلاً، حينما يُمارس عمله فإنه يخلص فيه، وينميه على أكمل وجه، من حيث الدقة والإتقان، وهو يفعل ذلكº لأنه يؤمن بأن الإخلاص في العمل واجب مقدس، ووجوبه متأتٍّ, من كونه خيرًا يُحبه الله - سبحانه - فهو يحققه حبًا بالخير، وبحثًا عن رضا الله - سبحانه وتعالى-، وأداءً لواجبه أمام خالقه، بعكس الشخصية غير الإسلامية، فإن صاحبها لا يهمه الإخلاص في العمل كقضية أخلاقية واجبة بذاتها، بل هو يُحافظ عليها إذا دعت الضرورةº من أجل التفوٌّق والمنافسة وجلب العملاء، أو تحقيق ربح مادِّيٍّ, أكبر، ولولا الخطر على بضاعته وإنتاجه لما ألزم نفسه بالإتقان والإخلاص.

 

والسياسي المسلم حينما يقِفُ أمام قضية سياسية ويجد نفسه قادرًا على كسب الموقف فيها عن طريق الغدر أو الخديعة، وتوريط الآخرين فإنه لا يقدم على ذلك برغم هذه القدرة وبرغم قدرته على تحقيق ما كان يصبو إليه، بل يترفَّع ويتورَّع، بعكس السياسي الآخر، فإنَّه يعتبر هذا الأسلوب حنكةً، ودهاءً، وعبقريةً سياسيةً، وفرصةً سانحةً لتحقيق أهدافه.

 

والواقع أن الشخصية في جميع عناصرها، وتعدد مقوماتها هي اليد التي ترسم على لوحة الواقع صيغة السلوك، وهي الشخص الذي تظهر صورته سلوكًا على مرآة الحياة، وهكذا نفهم أن السلوك هو صياغة التشكيل الخارجي لمحتوى الشخصية ومضمونها الباطن... قال - تعالى -: \"إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلبٌ أَو أَلقَى السَّمعَ وَهُوَ شَهِيدٌ\" (ق: 37).

 

 الخلاصة:

بناءُ الشخصية- طبقًا للشخصية الإسلامية- يتطلب منك أن تكون:

صاحب فكر، أي:

1 ـ صاحب فكر مستنير وقوي.

2 ـ تمتلك عقيدة قوية.

3 ـ تحمل فكرًا سليمًا، وتسلك على أساسه سلوكًا سويًا.

4- صاحب عاطفة إنسانية نبيلة نقيَّة من أي انحراف ومتزنة.

5- مالِكًا لإرادةٍ, قوية تسير وِفقًا لمنهج ملتزمº حيث الصبر وتحمل الشدائد.

6- لديكَ مقياس (ترمومتر) تقيس به درجة سلوكياتك.

 

وعندها ستكون صاحب شخصية: ذات عقلية واضحة.. إيجابية.. ملتزمة.. سائرة باستمرار نحو الأفضل.. متَّزنة.. قيادية.

وإن لم تفعل ذلك وجدت نفسك صاحب شخصية: ضعيفة.. شاعرة بالنقص باستمرار.. خائفة.. فاقدة للاتزان.. لا تنسجم مع البيئة المحيطة.. ومزدوجة الشخصيةº نتيجة الجهل وعدم وضوح الأفكار لديها.

 

أخيرًا: لماذا عليك أن تبدأ في الاهتمام بشخصيتك لتنميها؟

لأسباب كثيرة: منها الواقع العالمي المعاصرº حيث تجد الفرد الخالي من الشخصية القوية الأصيلة غريبًا معزولاً عن نفسه وعن الآخرين، ويفقد بسبب ذلك الكثير، بدءًا من نفسه وحتى المحيطين به من مرؤسيه وزملائه ومديريه.

 

والواقع أن خلاص أي إنسان مما هو فيه من مشكلات، وأزمات لا يكون إلا بالنمو الروحي والعقلي وتحسين ذاته وإدارتها على نحو أفضل، وأفضل شيء يتم من خلاله ما سبق هو تربية وتنمية الشخصية طبقًا للشخصية الإسلامية.

 

إن تنمية الشخصية لا تحتاج إلى مال ولا إمكانات ولا فكر معقد، وإنما تكمن الحاجة في الإرادة الصلبة والعزيمة القوية.

ولقد تعلمنا من تجارب السابقين- أممًا وشعوبًا وأفرادًا- أن أفضل وسيلة لمواجهة الخارج وضغوطه الصعبة هي تدعيم الداخل وإصلاح الذات واكتساب عادات جديدة ثم يأتي بعد ذلك النصر والتمكين.

 

ولا تنس قبل أن تبدأ في تنمية الشخصية الشروط التالية:

1- لا تنس هدفك الأسمى: أي الهدف الأعلى الذي يسمو فوق المصالح المادية والغايات الدنيوية، فلا تغرق في التفاصيل وتعقيداتها فيجعل هذا إحساسنا وشعورنا للهدف ضعيفًا، فلا تصل إلى المستوى المطلوب لتنمية الذات.

2 - الاقتناع بضرورة التغيير: الوضع الحالي حتى وهو جيد أو مقبول لابد فيه من التفوق على الذات والتغلب على الصعاب وتحسين الجيد إلى ممتاز، وسوف تجد التحسين أمامك فتمسك به مهما كانت ظروفك.

3- الشعور بالمسئولية: إذا ما استشعرت حجم المسئولية الملقاة على عاتقك والأمانة التي في جيدك، فسوف تبادر لأدائهاº لأن الله - عز وجل - سيسألك عنها، فإذا ما كنت (قزمًا) في مواجهة المسئولية فسوف يتبلد إحساسك، وتكون مثل كل الباقين، فإذا كنت تريد ذلك فأنت وشأنك!.. وإن كنت تريد الشخصية الإدارية الحقيقية فانهض وانفض عنك غبار الكسل.

4- كن صاحب إرادة صلبة وعزيمة قوية: هذا شرط أساسي لتنمية الشخصية الإدارية الصلبة والعزيمة القوية.. ألم تر مسابقات المعاقين؟ وكيف ينجحون بإصرار في تحقيق ذاتهم؟ ألم تشاهد البطل المصري المعاق، وهو يعبر (المانش) من إنجلترا إلى فرنسا في ظروف صعبة؟ ألا ترى الرياضي وهو يواصل التدريب باستمرار للوصول إلى المستوى الذي يأمله؟ بماذا يحققون رؤياهم وأحلامهم؟ بالإرادة الصلبة والعزيمة القوية...

 

فالاختيار عندك، إما الخنوع والسلبية والاتباع للغير، وإما القوة الإيجابية وقيادة الغير.

والآن:

* تمحور حول مبدأ... فالمبادئ هي فقط الباقية، والذي يخسر مبادئه يخسر ذاته، ومن يخسر ذاته لا يصح أن يُقال إنه كسب بعد ذلك شيئًا.

* حافظ على الشمول والتكامل في بناء شخصيتك، فلا تأخذ شيئًا وتترك آخر، ولا تنجذب نحو محور من المحاور وتترك الباقي.

* التزم في بداية تنمية شخصيتك بالخصال الطيبة، وروِّض نفسك على الالتزام بها خطوةً خطوةً.

* إذا ما كانت طبيعة عملك تستلزم تعاملاً مع الناس فاصبر عليهم، وتحمَّل الأذى حتى تعتاد الصبر وتتحلَّى به.

* انتهز الفرصة واستثمرها طالما أنها هي الأحسن، فأنت لا تدري ما الذي سوف يحدث غدًا، وباشر ما هو ممكن الآن، ولا تنشغل بالأبواب التي أُغلقت.

* ابدأ مع الآخرين من عندك، فالكل يطلب من الآخرين أن يقدروا ظروفه وأوضاعه، وأن يشعروا بشعوره، وقليل من الناس مَن يطلب هذا الطلب من نفسه- أي يقدر ظروف الآخرين ويشعر بشعورهم- فكن أنت من القلة التي تسعى نحو الناس، وليكن شعارك: \"البداية عندي\".

* انتهِز الفُرَص لإبداء التقدير والمجاملات لمن حولك، والعون في وقت الأزمات، واصفح عن زلات من أخطأ منهم تجاهك، فهذا له تأثير عميق في النفس البشرية سينعكس عليك منهم، وسيفيدك كثيرًا.

* اختر زميلاً لك لتستند إليه في الملمَّات، وليعينك وقت الشدة ولتبُح له بما في نفسك، فالإنسان يحتاج في حياته دائمًا إلى صديق يكون له زينةً في الرخاء، وعصمةً له من البلاء، فلقاء هذا الزميل يُزيل عنك الأحزان، وتذكر دائمًا أن المرء قليل بنفسه كثير بمن حوله، والغريب هو الذي ليس له حبيب.

*أهِّل نفسَك لأن تعمل ضمن فريق، فنحن نعيش في عالم المجموعات لإنجاز الأعمال، فالعمل أصبح معقدًا، ولابد من ارتفاع مستوى الأداء والإنتاج في العمل، ولن يتم هذا العمل إلا بالعمل الجماعي.

 

وحتى إن كنت تجيد فن العمل الفردي فلابد من:

* حسن الاستماع والإصغاء لوجهة نظر الآخرين.

* فهم طبيعة العمل ودورك فيه.

* فهم الخلفية النفسية والثقافية لأفراد المجموعة التي تتعاون معها.

* احرص على استشارة أفراد المجموعة في كل جزئية في العمل المشترك التي تحتاج إلى قرار.

* الاعتراف بالخطأ ومحاولة التعلم منه.

* عدم الإقدام على أي تصرف يجعل زملاءَك يُسيئون فهمه.

* عدم إفشاء أسرار العمل أو التحدث عن أشياء ليست من اختصاصك.

* المبادرة لتصحيح أي خطأ يصدر من أي فرد من أفراد المجموعة وِفق آداب النصيحة.

* تحمَّل ما يحدث من تجاوزات وإساءات من الأفراد.

 

وفي النهاية:

1. اسع لمرضاة الله - عز وجل - دائمًا.

 

2. استحضر النية الصالحة في عملك.

 

3. النجاح لابد أن يكون داخل نفسك أولاً.

 

4. ليكن لك دائمًا أهداف مرحلية قصيرة.

 

5. أخضِع دوافعك لمبادئك.

 

6. دافع عن الغائبين.

 

7.طوِّر مهارةً لك كلَّ عام.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply