من رحم الفشل يولد النجاح


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

إن طريق النجاح لا يكون عادة سهلا ميسورا، مفروشًا بالورود والرياحين، والذين حققوا إنجازات باهرة في حياتهم، وخلد التاريخ أسماءهم قد تجرعوا مرارة الفشل طويلاً قبل أن يحققوا هذه النجاحات، فالنجاح الحقيقي الدائم لا يأتي عادة إلا بعد صراع مرير مع الفشل، وفي ظل ظروف صعبة قد تبعث في قلب الإنسان اليأس والقنوط.

وذلك أن النجاح الباهر الدائم يتطلب من الشخص أن تتوافر فيه سمات خاصة، وخبرات متنوعة، لا يمكن أن تتكون في الشخص إلا عبر معاناة الواقع، والاحتكاك الطويل به، وخوض الصراع مع المشكلات والعقبات، ومن ثم يكتسب الإنسان الصفات الإنسانية اللازمة للنجاح الدائم والتي من أهمها الصبر والإرادة والعزم والتصميم، وأما أصحاب النجاح السهل الذي لم يأت عبر التعب والمعاناة فإنهم سرعان ما يصابون بالإخفاق والإحباط عند أول عقبة تهدد ما حققوه من نجاح، ومن ثم ما يتحول نجاحهم إلى فشل أو إخفاق ذريع وقديمًا قال العرب:

(الضربة التي لا تقصم ظهرك تقويك).

وها هو أديب الإسلام مصطفى صادق الرافعي - رحمه الله - يشرح لنا ذلك في وحي قلمه فيقول: (ما أشبه النكبة بالبيضة، تحسب سجنا لما فيها، وهي تحوطه وتربيه وتعينه على تمامه، وليس عليه إلا الصبر إلى مدة والرضا إلى غاية، ثم تنبثق البيضة فيخرج خلقا آخر، وما المؤمن في دنياه إلا كالفرخ في بيضته، عمله أن يتكون فيها، وتمامه أن ينبثق شخصه الكامل، فيخرج إلى عالمه الكامل).

 

بين الماء والزيت

ويشرح لنا الإمام ابن الجوزي - رحمه الله - في صيد خاطره تلك الحقيقة الثابتة في حوار طريف متخيل بين الماء والزيت، ذلك أنهما كلما اختلطا في إناء ارتفع الزيت على سطح الماء، فقال الماء للزيت منكرًا: (لم ترتفع علي، وقد أنبت شجرتك؟ أين الأدب؟! فقال الزيت: لأني صبرت على ألم العصر والطحن، بينما أنت تجري في رضراض الأنهار على طلب السلامة، وبالصبر يرتفع القدر).

فليس هناك نجاح يرتفع به الإنسان في الدنيا والآخرة، إلا إذا سبقه صبر على ألم عصر المحن وطحن والشدائد والإخفاقات، وأما من يريدون السلامة، فإنهم أبدًا يعيشون بالأسفل مع ذاك الماء.

 

لا تحسب المجد تمرا أنت آكله * *  *لن تبلغ المجد حتى تلعق الصبرا

 

إشارات القرآن:

وكم هي عديدة تلك الآيات القرآنية التي يشير الله- تبارك وتعالى -فيها إلى تلك السنة ومثيلاتها، فمن هذه الإشارات:

* لن يغلب عسر يسرين:

كما يقول الله - تعالى -: ((فَإِنَّ مَعَ العُسرِ يُسراً. إِنَّ مَعَ العُسرِ يُسراً)) (الشرح: 5، 6).

فكلمة العسر جاءت معرفة في الآيتين بالألف واللام، بمعنى أنه عسر واحد في كلتا الآيتين، أما كلمة اليسر فجاءت نكرة في نفس الآيتين، فاليسر في الآية الأولى غيره في الآية الثانية، ومن ثم علق الإمام الشافعي على هاتين الآيتين بقوله: (لن يغلب عسر يسرين).

فلن يغلب عسر الفشل يسر النجاح أبدًا، ولكن ذلك لابد وأن يكون مقرونًا بالعمل والصبر والدأب، كما يشير – تعالى- في الآية التي تليها إلى ذلك بقوله: ((فَإِذَا فَرَغتَ فَانصَب. وَإِلَى رَبِّكَ فَارغَب)) (الشرح: 7، 8).

 

* تنبع الحياة من قلب الموت:

يقول - تعالى -: ((اعلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحيِي الأَرضَ بَعدَ مَوتِهَا)) (الحديد: 17).

فتأمل أيها القارئ الكريم في مخلوقات الله من حولك، تجد أن الحياة تخرج دائمًا من قلب الموت، فهذه الأرض الجامدة، تراها ميتة، لا حياة فيها، فإذا أنزل الله - تعالى -عليها الماء اهتزت وربت، وأنبتت من صنوف الحياة والجمال كل زوج بهيج.

وتلك البيضة التي تبدو للعيان جمادًا لا حراك فيه، ما إن تدخل في فترة الحضانة، إلا وتدب بداخلها الحياة، فيخرج منها مخلوق جميل، يشع بالحيوية والنشاط.

وهذا الليل البهيم، بكل ما فيه من ظلام حالك، ما إن ينبلج الصباح حتى تخرج الشمس بكل ضوئها وحيويتها، لتحيل موات ذلك الليل، إلى نهار حي مشرق.

وهكذا ظلمات الفشل ما أن يثابر الإنسان على عبورها، ويصبر على معاناتها حتى تنقلب بإذن الله إلى أنوار للنجاح مشرقة، تملأ حياة صاحبها حيوية وسعادة وبهجة.

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply