السمنة من المشكلات الطبية الاجتماعية


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 من وجهة النظر الفيزيائية، تعتبر السمنة صورة من صور تكيف الجسم، يقوم من خلالها بتحويل فائض الطعام إلى دهون مختزنة· ومن وجهة نظر الطب، فالسمنة حالة غير سوية· ومن وجهة النظر الاجتماعية، فإن البدانة مشكلة اجتماعية قد تترتب عليها عواقب غير حميدة·

ما أسباب السمنة؟! وما المشكلات الصحية والاجتماعية المترتبة عليها؟! وكيف يمكن علاجها؟!

 

أسباب السمنة

تلعب العوامل الوراثية دوراً في بعض حالات السمنة، وبخاصة السمنة المفرطة· ويبدو أن العيب الخلقي في هذه الحالات يكمن في نقص بعض الإنزيمات اللازمة لعمليات الأيض (التحول الغذائي) ما يترتب عليه تكوين مزيد من الدهون في الجسم· وتتميز حالات السمنة الوراثية بكبر أبعاد الجسم بصورة عامة، مع استدارة الرأس وضخامة الكفين والقدمين·

على أن أهم أسباب السمنة هي العوامل الاجتماعية التي تؤدي إلى اكتساب عادات غذائية خاطئة، ومعظم العادات الغذائية، مثلها مثل أي عادة سلوكية أخرى، يتم اكتسابها في الصغر·

من العادات الغذائية غير الصحية تناول الطعام طوال الوقت، سواء كان هناك شعور بالجوع أو لا! وقد لا تصل الأمور إلى هذا الحد، إلا أن معظم أصحاب البدانة يتناولون أطعمة مختلفة بين الوجبات الرئيسة·

وبعض الناس يقتصرون في طعامهم على الوجبات الرئيسة، لكنهم يجعلون تلك الوجبات <احتفالاً بالطعام> فيأكلون فوق الشبع· وغالباً ما تكون تلك الوجبات دسمة مكتظة بما لذَّ وطالب من صنوف الطعام· لذا فلا عجب أن يميل هؤلاء القوم إلى البدانة، على الرغم من التزامهم بوجبات محددة·

وقد قيل في حق الحلوى كلام كثير· ومن المؤكد أن الإقبال على الحلوى باختلاف ألوانها عادة غذائية غير صحية· وبينما يُقبل الصغار على الشيكولاتة وأنواع الحلوى ذات المحتوى العالي من السكر، يقبل الكبار على الحلوى الدسمة مثل <الكيك> و<الجاتوه> وأنواع الفطائر الأخرى· والإكثار من الحلوى، في أي صورة كان، يؤدي إلى السمنة·

وفي كثير من المجتمعات، وبخاصة المجتمعات العربية، يعتبر تقديم الطعام للضيوف صورة من صور التكريم التي لا يجب إغفالها إلا لضرورة قاهرة! وفي ظل مثل هذه العادات الاجتماعية، تعتبر السمنة أمراً متوقعاً ـ إن لم يكن شائعاً! ·

ومن أسباب السمنة اضطرابات نفسية تدفع الإنسان للتسرية عن نفسه بتناول الطعام، وبخاصة الشيكولاتة والحلوى· من ذلك الاكتئاب والشعور بالوحدة والشعور بالإحباط· فضلاً عن الحال المسماة <الشره العصبي> والتي تدفع المريض ـ غالباً في مقتبل العمر ـ إلى تناول الطعام بشراهة، تجعل السمنة نتيجة محتمة·

وهناك أدوية يمكن أن تكون سبباً في السمنة، مثال ذلك بعض الأدوية المضادة للاكتئاب· وهي تؤدي إلى زيادة الوزن من خلال تحسين شهية المريض بالاكتئاب· أما بعض أنواع الهورمونات المستخدمة في العلاج، وبخاصة هورمونات الغدة جار الكلية فإنها تؤدي إلى السمنة عن طريق تكوين مزيد من الدهون في الجسم·

على أن ثاني أهم أسباب السمنة، بعد العادات الغذائية الخاطئة، هو انخفاض مستوى طاقة الحركة، فكلما تناقص النشاط الحركي للإنسان كلما زادت فرصة تكوين الدهون في الجسم، وبالتالي حدوث السمنة·

 

السمنة مشكلة

اجتماعياً، تعتبر السمنة مشكلة قد تقود إلى عواقب غير حميدة، فالطفل البدين أضحوكة بين أقرانه، بينما البدين البالغ محط الأنظار حيثما ذهب· وفي كلا الحالين فإن الموقف الاجتماعي مربك· وبناء على استجابة الشخص البدين للإرباك الاجتماعي، يتحدد ما إذا كانت السمنة بالنسبة له مشكلة اجتماعية أم لا·

بعض أصحاب البدانة يتقبل تعليقات الآخرين بصدر رحب، ويرد عليها بظرف ولطف· ومثل هؤلاء لا تشكل السمنة مشكلة اجتماعية لهم، إلا أن بعضهم الآخر يشعر بالحرج والضيق لمجرد نظر الآخرين إليه، فضلاً عن تعليقهم على بدانته، وهذه الفئة غالباً ما تنزوي اجتماعياً، ويتكون لديها شعور بالدونية· وقد يترتب على ذلك مزيد من العزلة والانطواء الاجتماعي، مما يهيئ الفرصة لنشأة اضطرابات نفسية على رأسها الاكتئاب·

هذا وتعوق السمنة صاحبها عن الاشتراك في كثير من الأنشطة الاجتماعية· وقد تكون سبباً في تضييع فرص للعمل على الشخص البدين، خصوصاً في حقل الأعمال التي تتطلب نشاطاً بيناً وحركة جسمانية مرنة· وقد ينعكس ذلك على الشخص البدين في صورة دخل محدود! ·

أما من الناحية الطبية، فمعروف أن السمنة تؤدي إلى الإصابة ببعض الأمراض المرتبطة بنسبة الدهون في الجسم، أو في القليل تزيد من احتمالات الإصابة بها·

فابتداء، هناك مشكلة آلام المفاصل، وبخاصة المفاصل التي تحمل وزن الجسم، مثل المفاصل في أسفل الظهر والركبتين ورسغي القدم· وكلما زاد وزن الجسم كلما زادت مشكلة آلام المفاصل سوءاً، وقد ينتهي الأمر بإصابة الشخص البدين بالتهاب مزمن في المفاصل·

والشخص البدين أكثر عرضة من غيره للإصابة بمرض >النقرس< (داء الملوك)، بسبب ارتفاع نسبة الكوليسترول وحامض البوليك في جسمه، ما يهيئ الفرصة لترسيبها في مواضع مختلفة من الجسم، فضلاً عن أن ارتفاع نسبة الكوليسترول في الدم يزيد من احتمال ترسب بلورات الكوليسترول على جدران الأوعية الدموية، وبالتالي الإصابة بتصلب الشرايين·

وتصلب الشرايين يزيد من احتمال الإصابة بـ<الذبحة الصدريةد> بمقدار عشرة أضعاف عن الشخص السوي ـ أي غير المصاب بتصلب الشرايين· ويزيد الاحتمال بحدوث الذبحة الصدرية إلى خمسين ضعفاً إذا كان الشخص البدين مدخناً، إضافة إلى إصابته بتصلب الشرايين·

والشخص البدين عرضة للإصابة بهبوط القلب، ذلك أن زيادة مساحة الجسم يشكل عبئاً إضافياً على القلب، يستطيع القيام به إلى زمن معين، بعده يحدث الهبوط (أو ما يسمى طبياً) <إخفاق القلب>، وكلما زادت البدانة، كلما زاد احتمال حدوث إخفاق القلب في سن مبكر·

ومن الأمراض التي ترتبط مباشرة بالسمنة، عدا إخفاق القلب، مرض >البول السكري<، وعلى الرغم من وجود عامل وراثي وراء الإصابة بهذا المرض، فضلاً عن العوامل البيئية، إلا أن السمنة تزيد كثيراً من احتمال الإصابة به عند البالغين، والسبب في حدوث مرض السكر عند الشخص البدين هو سبب حدوث إخفاق القلب· ذلك أن الجسم الضخم يحتاج إلى مقدار أكبر من هورمون <الإنسولين>، لإحراق السكر في الدم <الجلوكوز> وإنتاج طاقة· وقد يستطيع <البنكرياس> (وهو الجزء من الجهاز الهضمي الذي ينتج الإنسولين) أن يلبي الطلب الزائد لبعض الوقت، لكنه في النهاية يخفق في ذلك، وبالتالي ترتفع نسبة السكر في الدم، ويصبح الشخص مريضاً بالسكر·

وعلى قائمة الأمراض الناشئة عن السمنة، يأتي كذلك ارتفاع ضغط الدم، وقد يعزى حدوثه إلى تصلب الشرايين، وإلى غير ذلك من الأسباب غير الواضحة إلى اليوم· على أي حال، فإن ارتفاع ضغط الدم يزيد من فرصة حدوث إخفاق القلب، ما يجعل البدين يدور في حلقة مفرغة تسلمه من مرض إلى مرض·

 

علاج السمنة

الوزن المثالي عند الإنسان البالغ هو طول الجسم بالسنتيمترات مطروحاً منه الرقم مئة وعشرة، مثال ذلك، رجل بالغ طوله مئة وثمانون سنتيمتراً يكون وزنه المثالي سبعين كيلو غراماً·

ويمكن أن يستوعب الجسم زيادة على وزنه المثالي بين عشرة إلى خمسة عشر كيلو غراماً، دون أن تظهر عليه البدانة، خصوصاً إذا كان الجسم طويلاً والهيكل العظمي عريضاً· كذا، فإن هذه الزيادة في الوزن لا تنشأ عنها المشكلات الكثيرة المترتبة على السمنة، ولكنها تكون نواة لمزيد من الدهون، وبالتالي فإنها تمهد الطريق إلى السمنة·

وتعريف السمنة طبياً هو أي زيادة في الوزن وراء حدود خمسة عشر كيلوغراماً فوق الوزن المثالي للرجل البالغ وأي زيادة في الوزن وراء عشرة كيلوغرامات فوق الوزن المثالي لأي امرأة بالغة، واستناداً إلى هذا التعريف، فإن قطاعاً كبيراً من البشر البالغين في أي مكان يقعون في دائرة السمنة·

قبل أن نتكلم عن علاج السمنة، نلفت النظر إلى أن معادلة البدانة مبنية على عاملين رئيسين:

الأول هو زيادة مقدار الطعام الذي يتناوله الإنسان عن حاجة جسمه·

والثاني هو انخفاض مستوى طاقة الحركة إلى حد أدنى من اللازم لإحراق مقادير الطعام المتناولة وتحويلها إلى طاقة· وعلى ذلك، فإن العلاج ينبني على محاولة تصحيح تلك المعادلة، إما بإنقاص مقدار الطعام، وإما بزيادة طاقة الحركة·

فيما يتعلق بالطعام، ذكرنا أن السمنة تنشأ نتيجة عادات غذائية خاطئة· ونظراً لأن الإنسان يدرج على ما تعود في الصغر من ناحية، ونظراً لأن تغيير العادة أمر صعب في الكبر من ناحية أخرى، فيجب غرس عادات غذائية صحية عند الأطفال، خصوصاً إذا كان الهدف هو تحرير الأجيال المقبلة من السمنة والأمراض المترتبة عليها·

على أن تعويد الأطفال الصغار على عادات غذائية صحية في أسرة تلتهم مقادير كبيرة من الطعام، أمر صعب· ذلك أن الصغير يتعلم بالتقليد أكثر مما يتعلم بالتلقين، لذلك فالواجب أن تتبع الأسرة كلها نظاماً غذائياً صحياً، بحيث تتوافر القدوة ويتوافر المناخ الصالح لغرس العادات الغذائية الصحية عند الأطفال·

أما بالنسبة للبالغين، فيجب أن يكون الهدف هو تغيير النمط الغذائي على المدى البعيد، بحيث يتمكن الشخص البدين من التخلص من الوزن الزائد· والالتزام بنظام غذائي قاسٍ, لإنقاص الوزن بسرعة خطأ كبير يعرض الشخص البدين لأمراض عدة من ناحية، ويعرضه إلى فشل المحاولة من ناحية أخرى، وما قد يترتب على ذلك من شعور بالذنب وفقدان الثقة بالنفس! وتعليل ذلك أن تغيير العادة صعب ـ كما ذكرنا في المقال آنفاً ـ والامتناع عن كثير من صنوف الطعام فجأة وبقسوة عملية لن يستجيب لها الجسم لوقت طويل، لذا يجب أن تتم عملية إنقاص الوزن بالتدريج، وبحزم يخلو من القسوة، بحيث لا تكون عملية إنقاص الوزن نوعاً من العقاب، بل نوعاً من تدريب النفس على اكتساب عادات غذائية جديدة صحية·

والأطعمة التي يجب إنقاص مقاديرها تدريجياً إلى أن يمكن حذفها تماماً من القائمة، هي الأطعمة النشوية والدهنية، وأمثلة ذلك كثيرة، ولكننا نكتفي بذكر الخبز الأبيض والأرز والمعكرونة والبطاطس والدهون الحيوانية، وكذلك الحلوى التي تصنع من الدقيق الأبيض والسكر والدهن الحيواني·

ويدخل في إطار ذلك الشيكولاتة والكعك والكيك والجاتوه وأنواع الحلوى الأخرى مثل الكنافة والبقلاوة وغير ذلك·

ويمكن أن يحل محل الأطعمة المتروكة مزيد من الحضراوات الطازجة والفواكه غير المعلبة ـ أي الطازجة· ففضلاً عن أنها تسد الشهية إلى الطعام، فإن قيمتها الغذائية عالية، كما أنها سهلة الهضم، ويفيد محتواها من الألياف في تسهيل عملية إخراج الفضلات من الجسم، ثم إنها لا تؤدي إلى السمنة مثل الأطعمة المذكورة آنفاً·

وما يقال عن الطعام يقال عن المشروبات، فيجب أن يجري إنقاص مقادير السكر في الشاي والقهوة تدريجياً إلى أن يستطيع الإنسان تقبل تلك المشروبات بأقل قدر ممكن من السكر، كذلك يجب تقليل عدد مرات شرب الشاي والقهوة، في محاولة لإنقاص السكر من ناحية، وتفادي الآثار الضارة للإكثار من هذه المشروبات، أما عصير الفواكه وسائر المشروبات المحلاة، فيجب أن يحل محلها الماء، ويمكن بناء هذه العادات بالتدريج المصحوب بالمثابرة·

وفي الجانب الآخر، تعتبر التمرينات الرياضية وسيلة ناجعة في علاج السمنة· وعندما تكون الرياضة مصحوبة بنظام غذائي مدروس، فإن النتائج تكون سريعة وجيدة· على أي حال، قد تكون الرياضة صعبة المزاولة لشخص شديد البدانة، وفي هذه الحال يمكن أن يبدأ البدين بالمشي، ويندرج في ذلك بالصبر والمثابرة على المشي البطيء لمسافات قصيرة يتدرج إلى المشي البطيء لمسافات أطول، ثم إلى المشي السريع فالهرولة فالعدو، وقد يحتاج هذا البرنامج إلى أسابيع عدة وربما أشهر، المهم هو المثابرة·

هناك حالات صعبة لا تستجيب لمحاولة تصحيح معادلة السمنة، وهذه حالات قليلة ونادرة، إلا أنها تحتاج إلى علاج في مؤسسات متخصصة، ومن بين ذلك المصحات النفسية·

وأخيراً فإننا نذكر حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - <ما ملأ ابن آدم وعاء شراً من بطنه>، فلينظر كل إنسان كيف يملأ ذلك الوعاء؟ فالوقاية خير من العلاج·

 

كلام الصور

1 ـ الحلوى الصناعية من أسباب السمنة·

2 ـ الأطعمة الدسمة تسبب السمنة·

3 ـ الخضراوات الطازجة غنية بالفيتامينات والأولياف والأملاح المعدنية

4 ـ الفواكه بديل طبيعي ممتاز للحلوى الصناعية·

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply