بطاطس تطلب النجدة عند الخطر !!


بسم الله الرحمن الرحيم

 

أصبحت الهندسة الوراثية أحد أهم الأسلحة التقنية الحديثة التي تستخدم بشكل متنامٍ, في زيادة الإنتاج الزراعي، ويناط بها آمال كبيرة لغزو القرن الحادي والعشرين. وقد تحققت نتائج علمية باهرة في الأيام الأخيرة من هذا العام، فبعد عدة أيام من الإعلان عن إتمام الخريطة الوراثية لنبات \"الأرابديوبسيس\" الذي يعتبره علماء وراثة النبات \"فأر التجارب النباتي\"، تم الإعلان عن إنتاج بطاطس تتوهج في الظلام وتطلب السقاية والارتواء عند العطشº لتعمل كناقوس ينذر المزارعين عند احتياج النبات للماء، وعند إحساسه بالخطر.

 

وقاد هذا المشروع البروفسير \"أنتوني تريوافاس\" الباحث بجامعةِ أدنبرة بالمملكة المتحدة، والذي قال في مستهل تعليقه على البحث: \"هذه هي زراعةُ المستقبلِ، لقد حاولنا أَن نُصمّمَ طريقة لمُرَاقَبَةِ الحقول أثناء الزراعة ولم نجد حارسًا أحسن من النبات نفسه الذي من الممكن أن يخبرنا بما يشعر به، وبما نريده من المعلومات التي نحتاجها عن المحاصيل أثناء زراعتها\".

 

تم تحوير نبات البطاطس وراثيًّا بحقنه بجين ينتج بروتينًا متوهجًا يسمى جي إف بي (GFP)، ويتوهج هذا البروتين حال تعرض النبات للضغوط والإجهاد البيئي. وتم استخلاص هذا الجين من قنديل البحر المضيء \"أيكوري فيكتوريا\" الذي يتوهج عادة في حالة شعوره بالخطر وعند مهاجمة الأعداء.

 

ولقد شارك قائد هذا الفريق البحثي من قبل في عزل جين التوهج من قنديل البحر، كما شارك أيضًا في إنتاج طحالب ونباتات تبغ تتوهج في الظلام. ولقد كلَّل نجاح أبحاثه بإنتاج نبات البطاطس المضيءº ليكون أول نبات محصولي ذي أهمية اقتصادية قصوى يتوهج في الظلام.

 

والجيل الأول من البطاطس المتوهجة غير مُعَدٍّ, للاستهلاك الآدمي، فمن المحتمل أن ينتج هذا الجين بعض التأثيرات الجانبية، كبعض السموم أو مسببات الحساسية. ومن المتوقع أن يتم إنتاج نباتات أخرى من هذا النوع المضيء المتوهجº لتَقُوم بدور الحراس وتنذر المزارعين بالأخطار التي تحيق بالمزروعات. ولقد أكدت تجارب سابقة نجاح التحوير الوراثي في إنتاج نباتات تتوهج في الظلام حال تعرضها للعديد من المؤثرات الخارجية، مثل الجروح والإصابة بالأمراض. ومما يثير الدهشة حقًّا، أن بعض النباتات المختبرة بدأت بالتوهج قبل إصابتها بمرض فطري بحوالي أسبوع كامل.

 

ويُرى الوهج الصادر من البطاطس بصعوبة بالعينِ المجردة، ولكن يُمكنُ أَن يظهر الوهج جليًّا باستخدام جهاز صغير يُحمل باليد، مما يعضد استخدام مثل هذه النباتات كجهاز إنذار وكناقوس للحماية من المخاطر التي تحيق بها. ومن الممكن أن توزع مثل هذه النباتات مع المحاصيل المهمة ولو بنسبة ضئيلة \"بذرة واحدة لكل ألف بذرة من البذور العادية\"، مما يؤدي إلى سرعة تدخل المزارعين في الوقت المناسب لرعاية المحاصيل وللسيطرة على المرض.

 

وستَبدأَ الاختبارات الحقلية لهذه النباتات المحوَّرة وراثيًّا في العام المقبل، وأكد \"تريوافاس\" على إمكانية نقل الجين لأي نوع آخر من النباتاتº ليعمل بنفس الكفاءة ولينذر المزارعين بقرب الإصابة بمرض معين أو بنقص عنصر ما في التربة. وتقدم هذه التقانة وسيلة مُثلى لريّ النباتات في الوقت المناسب بالكم الأمثل من الماء المطلوب لتساهم في الحد من مشكلة نقص المياه الحادة في القرن الحادي والعشرين، الذي يعتبره العلماء قرن ندرة المياه، ويحذِّر تقرير أذاعته الأمم المتحدة مؤخرًا، من أن ثلثي سكان العالم سيعانون من نقص متوسط وربما حاد في المياه في غضون الأعوام القليلة القادمةº حيث ستتعرض حوالي 48 دولة لنقص خطير في موارد المياه قبل حلول عام 2025. وفي الآونة الأخيرة أطلق بعض الخبراء صيحة تحذير من أن حروب المستقبل سوف تنشب بسبب الصراع على الموارد المائيةº حيث لا ترقى مصادر المياه المتواجدة حاليًا للحاق بالثورة الزراعية، واطراد الزيادة السكانية في كثير من بقاع العالم.

 

والكائنات المضيئة المتوهجة في الظلام كانت حلمًا يداعب خيال الكثير من العلماء منذ فترة ليست بالقصيرةº وذلك لأسباب علمية محسوبة ومتعددة. ولهذا الجين المعزول من قنديل البحر مجالات تطبيقية عديدة في المجالات البحثية والتطبيقية والطبية والصناعية، ومن الممكن إيلاجه بأي نوع من الكائنات الحية ليعمل بنفس الكفاءة. (انظر موضوع آلبا الخضراء المتوهجة والتلاعب بالجينات- إسلام أون لاين).

 

ومثل هذه التقنيات من الممكن أن تساهم مساهمة كبيرة في إنتاج الكساء والدواء وتوفر الوقت والجهد والأراضي الزراعية اللازمة لإنتاج الغذاء في القرن القادمº لمجابهة النمو المطرد في زيادة سكان الأرض، والذي يقدر حاليًا بـ 5.9 بلايين فرد، وينتظر أن يصل إلى 7.1 بلايين بحلول عام 2030، وذلك طبقًا لتقديرات الأمم المتحدة أيضًا، بل ويعتقد بعض الخبراء أن هذا الرقم سيصل إلى 9.8 بلايين. ويتبع ذلك بالطبع ازدياد الحاجة للبحث العلمي المنظم وتضافر جهود العلماء في جميع فروع العلم، ويلزمنا - نحن العرب - في بدايات الألفية الثالثة استيعاب التقنيات الحديثة وتطبيقاتها للوصول إلى بر الأمان وتوفير مستقبل رغد لأبنائنا وأحفادنا.

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply