الأديب السعودي عبد الله إدريس في تجربته الأدبية


 

بسم الله الرحمن الرحيم

عقد المكتب الإقليمي لرابطة الأدب الإسلامي العالمية بالرياض ملتقاه الأدبي لشهر ربيع الآخر 1428هـ، وكان ضيفه الأديب السعودي عبد الله بن إدريس، وقد تحدث عن تجربته الأدبية، و أدار هذا اللقاء الأديب الدكتور عبد القدوس أبو صالح رئيس رابطة الأدب الإسلامي العالمية، وحضره جمع من الأدباء والمثقفين وجمهور من المهتمين، وعدد من محرري الصحافة الأدبية.

رائد الأدب والإعلام

قال الأديب الدكتور عبد القدوس أبو صالح في تقديمه الأديب عبد الله بن إدريس ضيف الملتقى: هو أحد رواد الأدب والإعلام في المملكة، ومن مؤسسي مجلة الدعوة، وكان أول رئيس لتحريرها حين كانت صحيفة، وهو شاعر مطبوع حافظ على عمود الشعر الأصيل، وله معارك نقدية عديدة، وبقي رئيسًا للنادي الأدبي بالرياض مدة تقارب ربع قرن، واستطاع أن يحقق الموازنة بين الأصالة والتجديد فيه.

المحطات الرئيسة في حياة عبد الله بن إدريس

لقد كتب الشعر ولما يتجاوز السابعة عشرة من عمره، وكانت أول قصيدة له عندما سافر فضيلة الشيخ محمد بن إبراهيم مفتي المملكة آنذاك إلى مصر للعلاج، ثم عاد عام 1368هـ ونشرها بصحيفة المدينة.

يقول الأديب عبد الله بن إدريس: أما أول مقال لي فنشرته عام 1372هـ في صحيفة البلاد، وكان بعنوان: (تصحيح وتعقيب على الأستاذ أحمد عبد الغفور عطار) وهو أديب سعودي معروف، وقد صحّحت بعض الكلمات التي كان يراها خطأ، وكنت يومها في المعهد العلمي، وعرضته على الشيخ محمد حمد الجاسرº إذ كان في فصلي، فقرأه وأُعجب به، ولم يعدّل حرفًا واحدًا فيه، بل شجعني على نشره على الرغم من صغر سني. وبعدها شعرت بالسعادة، ووجدت أن القصائد تستحثني وتجعلني أتفاعل معها، وأنني شاعر أكثر مني كاتبًا وناقدًا، كما وجدت نفسي أميل إلى محبة النغم بالصوت ومحبة قراءة الشعر ملحّناً مغنًّى.

أذكر أنني حاولت رثاء والدي حين كنت في الثانية عشرة من عمري، فكتبت شيئًا بين الشعر والنثر.

ويرى الأديب عبد الله بن إدريس أن من شروط الشعر:

1- أن تكون المفردة نثرية.

2- أن تكون الرؤية لدى الشاعر عميقة الدلالة.

3- أن تكون العاطفة جيّاشة.

4- أن تكون الصور محلّقة.

هموم الأمة

ثم تحدث الأديب عبد الله بن إدريس عن شعره فقال: شعري أصداء لهموم الأمة العربية والإسلامية، وأراه استشرافًا وتطلّعاً لما يجب أن يتحقق أمام تآمر الدوائر الصليبية واليهودية ضد الأمة الإسلامية.

ولي مواقف في الشعر الفصيح، من جملتها أنني اختلفت كثيرًا مع من يؤصلون للحداثة، مع أنني أقرّ شعر التفعيلة.

وقد حصل موقف طريف في كتابتي وقراءتي لشعر التفعيلة، فقد حضرت مؤتمرًا أدبيًا في مكة المكرمة عُقد عام 1394هـ ألقيت فيه بحثًا، وبعد ذلك ألقيت بعض قصائدي من شعر التفعيلة، فاعترض الأستاذ عبد القدوس الأنصاري وقال: أنت شاعر أصيل كيف تقرأ هذا الشعر (الزفت)، فردّ عليه الأديب عزيز ضياء وقال: هو شاعر أصيل حقًا، وما كتبه هو شعر كذلك، فكيف تعترض، وتصفه بهذه الصفة؟! وحصل بينهما مشادة كلامية في المؤتمر!

موقف الشعر العامي

يقول الأديب عبد الله بن إدريس: بيني وبين دعاة العامية خصومة، وكتبت عدة مقالات مفصحاً عن موقفي حتى نهاية القرن الهجري الماضي، وأذكر أنني كتبت عام 1403هـ مقالاً بعنوان: (طغيان الشعر العامي على وسائل الإعلام) فردّ علي عبد الله بن خميس وكتب مقالاً بعنوان: \"أتدري على من استعديت يا ابن إدريس؟ \"، فرددت عليه بمقال: \"إنك لم تفهمني يا ابن خميس\". وممّن ناصرني في الدفاع عن اللغة الفصحى أمام العامية بعض أدباء المنطقة الغربية، ومنهم الأستاذ محمد حسين زيدان.

بواعث الشعر وإرهاصاته

وفي الإجابة عن سؤال: \"ترى ما بواعث الشعر وإرهاصاته لديك؟ \" قال: إنّ بواعث الشعر لديّ هي الموهبة وليست الأسرة أو البيئة، فليس في أسرتي أو بلدتي شاعر واحد إلاّ في الشعر العامي، أما والدي فهو من أهل العلم، وعنده بعض الكتب التي كنت أجد فيها بعض الأبيات الشعرية التي تعجبني، وقد نمت عندي الموهبة وكبرت مع قراءتي، وكان تأثير النادي الأدبي في المعهد العلمي كبيرًا على موهبتي الشعرية، وكان يديره الأستاذ حمد الجاسر، وحصل خلاف بينه وبين الإدارة في المعهد، فتركه وابتعد عنه، فعُينت بديلاً عنه رئيسًا للنادي الأدبي في المعهد والكلية، وقد أعطينا هذا النادي مع بعض الإخوة والزملاء المزيد من التقدم من خلال قصائد معبّرة، وأذكر أنني ألقيت ذات يوم قصيدة (مع الليل):

يا ليلُ فيك تأوّهــي وزفيري*** ووميضُ أحلامي ونبعُ شعوري

يا ليلُ فكري في خضمّك شاردٌ*** أبدًا يطوفُ بكونــك المستورِ

ألحظي المنكود أرسل زفرتي *** ويموجُ قلبي في لظًـى وسعيرِ؟

أم قسوة الحلك الرهيب يلفّ في ***جلبابه ألقَ الضيــــا والنورِ

وعندما قلتُ البيت الأخير انطفأت الكهرباء على ثمانمئة دارس في المعهد، فكان موقفاً طريفًا معبرًا عن حال المقام، أثار كثيرًا من التعليقات على هذا الظلام الدامس الذي لقينا!

وسام الريادة

للأديب عبد الله بن إدريس ريادة في التأريخ للشعر السعودي المعاصر بكتابيه:

1- الشعر في الجزيرة العربية خلال النصف الثاني من القرن الرابع عشر.

2- شعراء نجد المعاصرون.

وله عدة مؤلفات أخرى وديوانان شعريان هما:

1- ديوان (في زورقي).

2- ديوان (إبحار بلا ماء).

ومُنِح وسام الريادة في المؤتمر الأول للأدباء السعوديين، كما شارك في عدة مسابقات محلية وخليجية وعربية ودولية، ومنها مسابقة بين شعراء دول الخليج برئاسة الأمير خالد الفيصل، وفاز بجائزة كبيرة في مسابقة إذاعة لندن عام 1961م، ضمن خمسمائة وثمانين شاعرًا بقصيدة عن القمر الصناعي الذي أرسلته روسيا عام 1958م، وكان من الخمسة الأوائل.

مختارات شعرية

وفي وقفات دافئة اختار لنا الأديب عبد الله بن إدريس مختارات من شعره ومنها قصيدة غزلية بعنوان معذبتي، يقول فيها:

معذّبتي بالجمال الطريّ *** وآسرتي بالمنى الحالمة

وجارحةً كبريائي ارحمي *** شبابي وحيرتي الواجمة

وقفتُ عليك الفؤادَ الجريحَ*** وأتبعتُه عيني السـاجمة

أما قصيدة (المؤذن ابن ماجد حين بكى) فكانت حزينة مؤثرة تحمل وجدانية شفيفة، وهي بمناسبة هدم الجامع الكبير القديم لتجديده، فلما بلغ المؤذن بكى في آخر أذان له!

وقد ذكر شاعرنا عبد الله بن إدريس أنه قرأها في جلسة ضمّت سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز - رحمه الله - والشيخ عبد العزيز آل الشيخ، وبدا عليهما التأثر والحزن:

وطنتُ نفسي أن أراه مهيلا***بدل الشموخِ ولم يعد مأهولا

نفسي ونفسُك يا أجلّ مواقعي***همّان في همٍّ, يبيتُ شكــولا

يترنّم الماضي الحفيّ بروحنا***أبدًا ويذكرُ فضلَك المبــذولا

قالوا غدًا للفجر تصدحُ بالندا ***وتلمّ عفشَك راحلاً موصـولا

يا صبحَ ذاك اليومِ رفقاً إنني ***ما عدتُ ذاك الصيدحَ المجبولا

أطلقتُ صوتي (بالأذان) سجيّةً ***لكنّ عبراتي سددنَ سبيـــلا

الأربعون من السنين قضيتُها ***وأنا المنادي بكرةً وأصيــلا

ثم نصح الشباب الأدباء بالمواظبة على قراءة كتب التراث لإثراء ثقافتهم وتأصيلها، كما وجّههم إلى إعادة الكتابة أكثر من مرة حتى تستقيم ألسنتهم وأقلامهم.

دفء التواصل

أثار اللقاء الكثير من الأسئلة، فقد سُئل الأديب عبد الله بن إدريس في ختام محاضرته عن المدرسة الأدبية التي يتبعها، فأجاب بأنه يميل إلى الوسطية في كتابته وأدبه.

وسأل الأستاذ العليان: متى تجمع فصولك الأدبية في صحيفة الجزيرة؟ فأجاب: هو موجود في أربع مجلدات ويحتاج إلى طباعة فقط.

وفي إجابة عن سؤال للكاتب عبد الرزاق دياربكرلي يخص النزعة الإسلامية في شعره، ذكر الشاعر أن ديوانه الأول زاخر بالدفاع عن الأمة العربية والإسلامية، وعن اللغة العربية الفصحى، والتحذير من العامية.

كما أشار إلى اشتراكه بملتقى المربد في العراق بقصيدة الافتتاح وكانت بعنوان (أمتي). ثم بيّن أنه لا يمانع في استخدام الكلمات الغريبة ما دامت فصيحة.

وذكر د. وليد قصاب في مداخلته أنه ليس كل من كتب شعر التفعيلة يُعدّ حداثياً كما يظن بعض الناس.

وقال الدكتور عبد القدوس أبو صالح عن شعر التفعيلة: التصق شعر التفعيلة بداية- بأهل اليسار، وهناك رأي نُشر بمجلة الأدب الإسلامي وأخذ حيّزاً واسعًا من النقاش على صفحات المجلة أثبت أن علي أحمد باكثير كان الأسبق في كتابة شعر التفعيلة.

وسأل الدكتور عبد الجبار ديّة: هل ما زال الشعر ديوان العرب؟

فأجاب الأديب عبد الله بن إدريس: أرى أنه ديوان العرب إلى يوم القيامة، ولا منافس له.

وفي ختام اللقاء قدّم د. عبد القدوس رئيس الرابطة درعًا تذكارية تكريمًا للأديب السعودي الكبير عبد الله بن إدريس.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply