إن المتأمل في أي نص أدبي يستطيع أن يستنبط من خلال موضوع النص وأسلوبه مدى ممارسة صاحب النص للكتابة كترف فكري خالص لا تتبنى فكرة راشدة.
واللافت حقاً أن أمثال هذه النصوص أصبح لها الكلمة العليا في زماننا، ربما لأن الكثيرين ضاقوا ذرعاً بالنصوص التي تتناول قضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان والصراع العربي الصهيوني ومشكلات المجتمع، ورأوا في التجنيح بعيداً عن كل هذه المنغصات خياراً أيسر، ومهرباً مؤقتاً من الأرق والقلق، وهي بذلك لا تختلف كثيراً عن جلسات تخزين القات وجلسات الشيشة الصاخبة التي لها الدافع نفسه.
والأمر في ذلك مناصفة بين الكاتب المترف الذي يغرد خارج الهم والمتلقي الذي يفتح ذراعيه لهذه المسكنات لانتشاله من مشاكله، وبذلك قد تجد تفسيراً للسر الكامن خلف رواج الكتابات المترفة التي تسهب في الحديث بأسلوب شيق مبدع عن رحلة الموجة في لجة البحر، أو عن دلالات سكون طفاية السجائر على مائدة الطعام، أو عن تفاصيل العلاقة العاطفية بين فلان وفلانة من الأدباء المتوفين قبل قرون.
ولست هنا أترحم على حال القارئ العربي الذي يطبل لكل إبداع، ولكني أعتب كثيراً على القائمين على دور النشر والصحف والمجلات المعنية بالحراك الثقافي، لتبنيهم الدائم لمثل هذه النصوص، ومنحها الأولوية في النشر وتصدّر الصفحات، متجاهلين تبعات ذلك على المدى البعيد على أجيال بأكملها تصطدم بهذا الخواء.
وقد تكون ممارسة الكتابة كترف فكري نسبية لدى الكاتب، فتارة تجده منفعلاً يكتب بكل جدية وحماسة عن هموم مجتمعه، ويتفاعل مع الأحداث المتفجرة في فلسطين والعراق، وتارة يتقوقع على نفسه لممارسة الكتابة التأملية والتجريب في تشكيل الحروف ورصّ الكلمات للخروج بصور مبتكرة مدهشة ترضي غرور موهبته، وهو على تلك الحالة المتبدلة لا يلام كونه يمارس حياته كإنسان سويّ له صولات و نزوات مع نفسه ومع سواها، وهو لا يختلف بذلك عن آلاف الكتاب والأدباء
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد