بدايةً أنا لا أؤمنُ بأن ما كتبه عبده خال فيما يسمى برواية فسوق يستحق هذه الضجة الإعلامية التي نقلته من شخص مغمور إلى شخص تضفى عليه هالة هي أكبر منه بلا شك.
الرواية لها معاييرها وللأدب مقاييسه التي بينها وبين ما يكتبه عبده خال هذا ومن شابهه بُعد المشرقين وهذا رأيي الشخصي إذ إنَّ كتابة \"السوالف\" والحكايات الفاضحة يستطيعها أي أحد بل إن في منتديات الانترنت من يتفوق في هذا الباب على عشرات الكتاب.
ما يقوله بعض كتاب عصرنا ممن يُسمون بالروائيين والحداثيين والشعراء والقصاص لا يُعد فتحاً بالمعيار الثقافي لأن اللغة الهابطة المصورة لأحداث ترتبط بالغرائز الجنسية التي يستخدمها هؤلاء لا جديد فيها فقد سبقهم إليها رواد شوارع لندن ورواد مقاهي أزقة سوهو، والمنظر الذي خرج علينا بعض هؤلاء الكتاب به المجسد في صورتهم الفكرية الفجة ولغتهم المقززة ليس منظراً جديداً لأن هناك من بعض شباب الأرصفة من يجيد ما هو أردى منه.
اللغة المقززة هي قاسمٌ مشترك بين كتاب الأدب الهابط فمن اعتاد على الأجواء الملوثة الفاسدة لا يستطيع أن ينطلق في قلمه إلا من البيئة التي تحيط به وهذا ليس من مقولي بل هو ما ذكر-عبده خال- وهو يهدي روايته فسوق إلى صديقه هاشم الجحدلي قائلاً له: \"نقفُ معاً في مكانٍ, رثٍ, لنستنشقَ هواءً فاسداً\".
بربكم -أيها السادة القراء- بماذا يوحي إليكم عنوان هذه الرواية المسماة\"فسوق\" حيث لم يكتف الكاتب بفسق مفرد قد يكون ممثلاً لشخصية ما-الله أعلم بها- حتى راح يجمع الفسوق كله تحت رداء روايته التي تعطينا ملمحاً عن مستوى اللغة المجسدة لمستوى الفكر الذي يحمله ليخبرنا بأنه يريد اجتثاث الفكر البالي بمطارق الفسوق الذي جاء به بين دفتي مخطوطه وإن شئت فقل ملقوطه حيث يقول روائي الصحافة والقنوات العربية: \"لا زلت مُصراً على ألا حل إلا من خلال عملية الاجتثاث، اجتثاث الأفكار المغذية لبنية فكرية غدت بالية وغير قادرة على التواصل مع الأفكار المستحدثة دينياً واجتماعياً\". فيا لله العجب عبده خال سيكون مجدداً دينياً واجتماعياً وسيقوم باجتثاث الأفكار البالية وطبعاً الأداة المعينة على ذلك خلطة سرية تجمع الفسق كله ليكون فسوقاً جماعياً بدلاً من أن يكون فردياً حتى يحلو السمر على ضوء القمر مع عبده خال وهذا هو الفتح الجديد الذي جاءت به ما تسمى برواية فسوق.
هل اللغة والفكر والذوق الموجود في ثنايا رواية\"فسوق\" هي الأفكار المستحدثة التي يروج لها عبده خال ويريد أن ينافح عنها باجتثاث الفكر البالي الذي يزعمه؟؟.
يذكرني بعض روائيي زمننا بقصة ذلك الأعرابي الذي بال في بئر زمزم باحثاً عن الشهرة ولذا قاموا بمحاكاته من خلال المسخ الفكري والكتابي الذي يسمونه ثقافة ويسمونه ذوقاً وأدباً.
ولأن عبده خال كائنٌ متطورٌ دينياً واجتماعياً فهو يرى في فسوقه أن الإنسان يحمل الصفات الإلهية وهذا ما خطته يداه في وسط دوامة فسوقه قائلاً: \" أنا أؤمن بأن الإنسان كائنٌ متطورٌ، وفي كل لحظةٍ, من وجوده هو في شأن، الإنسان جزءٌ من إله، والجزء يحمل صفة الكل\".
هذه ضريبة المدح الزائد والنفخ الزائف تؤدي بأهل الجهل إلى مثل هذه السقطات لأن هذه اللغة فيها قلة أدبٍ, مع الله تبارك وتعالى.
إذاً فالإنسان- يا عبده-يحمل صفاتٍ, إلهيةً؟! هذه واحدة من فلتاتك وسقطاتك أيها الراوية لكنك لم تكن بدعاً من الناس ولا رمزاً في هذا الباب فقد سبقك إلى ذلك متهوكون كثر.
الأدب الرفيع مغيبٌ للأسف والذي يُلمع هو الأدب الركيك لغةً ومحتوىً وفكرةً وأصبحت الذائقة العامة ضحية لهرطقات بالية.
المؤسف جداً أن معرض الكتاب الدولي الذي يُقام بالرياض هذه الأيام احتوى على مجموعة من الكتب والروايات الهابطة المتفوقة على ما في رواية \"فسوق\" من فسوق، وهي مؤلفات تخدش الحياء وتروج للأدب المتفلت من القيم والأخلاق والفكر النزيه.
الأدب الهابط هو أسرع طريق للشهرة لأنه ينتقل بصاحبه بسرعةٍ, تفوق سرعة الصوت أحياناً من عالم المجاهيل إلى عالم المشهورين والمبدعين والمثقفين ولذا فلا غرابة إن رأيت الصحف والمجلات والقنوات تتسابق لأخذ تصريحٍ, من كاتب أو شاعر أو قاصٍ, أو راوية كل بضاعته كلام مقزز ولهذا من أراد الشهرة وسعى لها سعيها فليعلم أن الأمر لا يكلفه سوى قصة أو قصيدة أو رواية على وزن\"فسوق\"أو على وزن \"بنات الرياض\" وعندها ستكون عزيزي المثقف من أبرز رموز الثقافة والأدب ودمتم بخير.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد