بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
ما الأدب؟ وما دوره في الحياة؟ وما الهدف من الإبداع الفني؟
الأدب هو التعبير عن التجربة الشعورية التي يحسها صاحبها بأسلوب جميل مؤثر، والتأثير في النفوس هو جوهر القضية، ومن أجله كانت الكلمة الساحرة، العذبة المحلقة.. ولا يكون التأثير قويا إلا إذا أدى الانفعال إلى تغيير في سلوكيات صاحبه، بحيث يحثه على رد أضرار الباطل، أو إزاحة كابوس الظلم، أو يدعوه إلى التعبير عن آلامه وآهاته، أو عن فرحته التي يحس بها فيترنم طربا منها، أما إن قاد الانفعال إلى نزوة طارئة، أو شهوة عابرة فإنه يكون كاذبا، ولا يعبر عن موقف صحيح، بل ينم عن وقوع صاحبه تحت ضغط نفسي ما جعله يفوه بعبارات يربأ بنفسه عنها إن عاد إليه رشده، وحكم عقله ودينه.
وأمثال هذا في الأدب يجب أن يصحح لئلا يخدع به البسطاء، ذلك لأن الغاية من نشر الكلمة هي الارتقاء بالبشرية والسمو بها نحو الأفضل، أما إن كانت دعوة للتعري من الدين والأخلاق، ووسيلة لتدمير البيوت والانسياق وراء الأهواء فإن حريتها يجب أن تحد قبل أن يستفحل خطرها، وقبل أن تنخر في عظام الأمة فتقضي عليها.
ولقد أدرك نقادنا القدامى والمحدثون أثر الكلمة في الأمة، فعبروا عن ذلك بأقوال ومواقف، مقتدين في ذلك برسول الله -صلى الله عليه وسلم- الذي نفى طويسا من المدينة المنورة لأنه وصف امرأة وصفا دقيقا، فعمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قتل سحيما عبد بني الحسحاس، وقتل وضاح اليمن ويسار الكواعب في العصر الأموي لتهتكهم في أشعارهم وفجرهم فيها، كما قتل المهدي بشار بن برد لاتهامه النساء جميعا ولإشاعته الزندقة في شعره، وسجن هارون الرشيد أبا نواس لكفره في شعره، وأراد وكيع التنيسي الناقد أن يحذف بعض شعر المتنبي لما فيه من كفر، وغير بعضهم في رواية الشعر مراعاة للدين، وقال أبو عمرو الشيباني: (لولا ما أخذ فيه أبو نواس من الإرفاث لاحتججنا بشعره، وفي العصر الحديث دعا د. رجب البيومي إلى حذف كل مجون وتهتك من كتب التراث، وبين أن لافائدة من قصص ألف ليلة وليلة، ومن حكايات الخلعاء عند الجاحظ والأصفهاني اللذين أسرفا في الحديث عن الأعراض، فأثرت كتاباتهم في الأحكام النقدية في تلك العصور، وقد نفذ ذلك أحمد رشدي صالح حين خلص ألف ليلة وليلة من فحش القول، فرفع الأمر إلى القضاء المصري بحجة تشويه التراث وتغييره فأقره على عمله، وأصدرت المحكمة قرارها الذي ينص على أن الكتب التي تحوي روايات عن الجنس، وعما تفعله العاهرات من التفريط في الأعراض يعد انتهاكا لحرية الآداب والأخلاق، بل إن المحكمة طالبت أن يحذف من كتب التراث كلها ما ينافي الأخلاق.
وإذا كان الأمر كذلك فإنه ينطبق على القصص الداعرة التي تزين المنكر، وتسوق إلى الرذيلة، وتكشف مخبآت الجسد ومكنونات النفس، من أمثال قصص يوسف السباعي وإحسان عبد القدوس وحنا مينة ومن لف لفهم ممن يصور المرأة بشكل ينفر منه المؤمن، ويندى له الجبين لما فيه من دعوة إلى التحلل من الأخلاق، وتشجيع على الخيانة الزوجية تحت ستائر شتى، دون أن يبالي الكاتب بتأثير هذه الكلمات في عقول الناشئة ونفوسهم.
إن الغاية من الأدب هي التأثير في الآخرين لنشر الفضيلة والخير، أما الأدب المكشوف الذي نأى صاحبه عن منهج الله وتعرى من الدين والخلق فإنه يدمر البيوت، وينحط بالإنسان إلى الدرك المهين، ثم إن الأدب فن، والفن جمال، والمنكر تنفر منه النفس السليمة، العفة النقية، وتشمئز منه الأفئدة الطاهرة غير المريضة أو المهزوزة، ولنستمع إلى الشاعر عمر بهاء الدين الأميري، وكان -رحمه الله- قد جاءته فتاة غذيت بفكر غير سليم، وقالت له:
ما رأيك بقول الشاعر:
خلقت الجمال لنا فتنة * * * وقلت لنا يا عباد اتقون
وأنت جميل تحب الجمال * * * فكيف عبادك لا يعشقون
فأجابها الشاعر المؤمن الذي يدرك رسالة الأديب في الحياة:
خلقت الجمال لنا نعمة * * * وقلت لنا يا عباد اتقون
فإن الجمال تقى، والتقى * * * جمال، ولكن لمن يفقهون
ومن خامر العشق أخلاقه * * * تأبى الصغار وعاف المجون
هذا هو الجمال الحقيقي… نأي عن الصغار والمهانة، وبعد عن المجون والرذيلة، أما أن يصور الرجل ذليلا يركع تحت أقدام داعرة وينسى رجولته وكرامته من أجلها، ثم يجعل ذلك رباطا مقدسا!… أو أن تهدر المرأة كرامتها من أجل لقمة عيش بزعمها، أو أن تتفوه الشخصيات بما يندد بالدين باسم الإبداع، أو يحكي الأديب ما يخجل المرء من ذكره فإن هذا جنوح وشذوذ يجب أن يوقف، والله -سبحانه وتعالى- لايحب الجهر بالسوء من القول، ورب كتاب قاد صاحبه إلى الدرك الأسفل من النار، لأنه قاد المجتمع إلى الرذيلة باسم الأدب الواقعي، وهل واقع المجتمع العربي والإسلامي كما يصورون؟!.. أما وجد هؤلاء فيه خيرا ينشرونه.
إن الإبداع ابتكار لجديد، وتعبير سام صاف نقي جميل، ولنقرأ شعر عف نظيف لأحد الشعراء ففيه إبداع في الفكر ونقاء:
أقـسمت لاحبا شكوت ولا هوى * * * لـكـنـنـي أبكي وحق لي البكا
والـدين أوشك أن يزول ضياؤه * * * ومشوا وراء الغرب حتى أغرقوا
لـيـست فرنسا حين تحذو حذوها * * * بـأجَـلّ مـن نـور الإله وهديه
يـدمـي الـفـؤاد فيرسل الآهات * * * مـجـدا أضـعـنـاه بـغير أناة
وبـنـوه راحوا في عميق سبات * * * فـي اللهو والآثـام والـشـهوات
فـي حـكمها الخالي من الحسنات * * * شـتـان بـيـن النور والظلمات
أرأيتم أسمى من هذا الإبداع؟… ألا فليعلم الأدباء أن آراء الغرب ليست بأجل من نور الإله وهديه، وكفى بالله مربيا للبشرية، وهاديا لها إلى الطريق القويم.
وهذا أبو العتاهية يقول في رقة وصفاء:
إلهي لاتعذبني فإني * * * مقر بالذي قد كان مني
يظن الناس بي خيرا وإني * * * لشر الناس إن لم تعف عني
إن الأدب تعبير عن الوجدان ومشاعره تجاه الله -سبحانه-، وتجاه الإنسان والكون والحياة، إنه يهز ويعلم ويمتع… أما الأدب الرخيص فقد أكل الدهر عليه وشرب، وقل من يستسيغه ولا سيما في هذه الظروف العصيبة التي تمر بها الأمة العربية والإسلامية، وإليكم ما قاله الشاعر الأميري لمن جاءته تطلب منه كأسا في مطعم:
حـواء! … ولـكن أين أنا * * * والأقصى يرزح في الأسر
وفـتـاة القدس غدت عميا * * * ء من التعذيب، من القهر
سـألوها عن أسرار الفتح * * * وسـامـوهـا سوء الضر
فـابت ورأت جعل العيني * * * ن، وقـاء أصـون لـلسر
عـمـياء وتبصر نور الل * * * ه، وذو عينين ألا يدري!
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد