شيء من الرثاء .. والشجن


 

بسم الله الرحمن الرحيم

أو تعرفون أبا محمد!!

أبو محمد شخصية ذات عبق خاص.. من أول لقاء لا تملك إلا أن تتآلف معها..

لعينيه بريق آسر يجعلك تجرؤ باستحياء على التحديق في وجهه ذي القسمات المليحة النبيلة.. في صوته الرخيم نداوة محببة.. إذا جلست معه بسرعة يداهمك شعور غريب بأنك أقرب الناس إليه، وأنك تعرفه ويعرفك من زمن..

يختفي منك ذلك التحفز والشدِّ والانتباه والتوقر في مجلسه لأن كل هذه الأخلاق المصطنعة تغادرك لأول جلسة معه.. أمّا لماذا؟ فلأنه باختصار أبو محمد الذي لا يشبهه أحد في سرعة تغلغل معزته وحبه في قلبك، حتى ليأسرك بشيء كأنه العشق من غير قصد منه أو تقصّد منك، أرأيتم براءة الأطفال.. وطهر المطر.. وتسبيح الصالحين.. وبهاء الخزامى.. وعبق النفل.. وماء الورد.. وبياض الثلج... ؟!! ذلك بعض أبي محمد..

تأتيه مكالمات الفتاوى والاستشارات ونحن في طلعات البر أو شاطئ نصف القمر، فيثير ما فيها من أسئلة ومطارحات علمية ليشعرك بأنه ينتظر رأيك في مسألة تجزم بأنه قد حررها قبل أربعين عاماً.. !!

ولكنها نكهة أبي محمد العلمية..

عشت في الدمام أكثر من عقد من الزمان وعرفت فيها عدداً من الدعاة وطلبة العلم والكثير من أغيلمة المتعالمين...

لكن لم أر مثل أبي محمد..

علمه وسمته وهدوءه وحنوه وأدبه وأبوته وكرمه تجعلك تحب الدين بعمق، لأن أبا محمد تمثَّله ومثله بصدق..

دون عناء ولا تكلف، ليس وصياً على أحدº بل ولا يحب أن يكون وصياً على أحد، لا يشعرك كما يفعل بعض الدعاة- بأن المجتمع قد فسد، وعن عبء إصلاح الناس قد وقع على يديه وحد.. !!

لا يشعرك بلكنة ممجوجة بأن (الله يصلح الأحوال الشق أكبر من الرقعة)..

لا يجيد أبو محمد هذه النغمة النشاز أبدا.. ويمقت لحن القول هذا..

بل له سحر خاص ينقلك فيه، من عالمك إلى عالمه، بكل بساطة وانسيابية واقتدار.. ليجعلك تغسل - قبلاً- كل دواخلك.. تعاتب نفسك بهدوء عميق.. من دون أن يقول لك أي كلمة نصح، بل دون أن يلمّح ولو تلميحاً أنك مقصر...

وهذا سر أودعه الله في أبي محمد على كثرة من لقيت وعرفت من العلماء والدعاة لم أجده في غيرهº لذا لا تعجب إذا أحسست نفسك معه من أعضاء مكتب الدعوة، فهذا سحر آتاه الله أبا محمد.. وهذه القدرة الفريدة على إحداث التغيير.. وعلى ترتيبك من جديد دون أدنى كلمة.. بل وهو يبتسم ويمارس معك أعلى درجات الاعتيادية في التعامل..

هي امتياز خص الله به القليل من عباده ومنهم أبو محمد.. يسميها السلف \" بركة العلم\"، وأصل العلم \"الخشية\".. كما قال الإمام أحمد..

لن أطيل لأن كلمات الدنيا لن ترثيه.. لكن يا أبا محمد وأنت موسد في قبرك في نسيم الرياض.. أتدري كم أنا بشوق إليك؟ أو تعلم ماذا أصابني بفقدك؟

أو تغادر بهذه السرعة دون أن أودعك؟

يا الله..

هل فعلاً لن أراك ثانية؟

لن أستمتع بالنظر إليك ولقائك والجلوس معك..

أبا محمد..

لكم نحبك من شغاف قلوبنا.. لكن مما يسعدني ويخفف ألم مأساتي أن لك آلافاً ممن يحبك أكثر مني وهم أنقى وأطهر.. وعدُوكَ أن يذكروك في سجداتهم وصلواتهم وأن يخصوك بدعواتهم الممزوجة بالدموع المبتهلة بأن ينزل على قبرك شآبيب الرحمة والغفران، وأن يذكروك كلما علا خطيب منبرا.. أو بكى خاشع في صلاة..

أبا محمد..

إني وأنا أختم هذه الكلمات الكسيرة والجريحة أعلن وأنت لا تسمعني، وأجهر والجهر والهمس عندك الآن سواء.. أعلن بأني وفي أيامك الأخيرة لم أكره موتك لأن الآلام المبرحة أتعبت جسدك الناحل المصفر المنهك.. وقد آن لهذه الروح الموارة الكبيرة أن تستريح بعد طول ألم وعناء وسهر وإرهاق وهموم حياة...

وأهمس لأقول لك: أبشر بالشهادة، وهذا وعد حبيبك - صلى الله عليه وسلم - للمبطون وأنت كذلك، وأبشر فالجنة مثوى الصالحين.. وأنت من الصالحين..

أُشهِد الله وملائكته على ذلك..

وداعاً..فضيلة الشيخ الداعية الرائع أبدا (حمد بن محمد الزيدان)..

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply