الشاعر الدكتور محمد وليد وقصيدته لماذا هجرت بلادك ؟


 

بسم الله الرحمن الرحيم

حب الشاعر لأمته ووطنه ومدينته، وعشقه لمسارح طفولته، وحنينه الدائم للمدينة الجميلة الجليلة التي أنجبته أديباً ساحر القلم، وشاعراً مبدعاً، وطبيباً بارعاً تعدى بفنّه ميدان العيون إلى طب القلوب، ملأ عليه قلبه بالوجد حتى شرق به الدمع.

 

وكنت كلّما قرأت شعر الحنين إلى الديار في ثنايا دواوينه، هاجت المواجع عندي، لأني مصاب بداء الحنين وحبّ الغرباء مثله حيث يقول:

يا لاذقيّــة..يا معذبتــي *** تهفو إليك الروح والكبـد

 

المســك ملء رباك والعبـق *** والنور ملء ثراك والألق

 

شــطّ المزار إليك وانـقطعت *** بالسكاكين لحبك الطرق

 

ولد الشاعر محمد حكمت وليد في مدينة اللاذقيّة عام 1944 بدت عليه مخايل الذكاء في سن مبكرة، وكان في جميع مراحل دراسته متفوقاً على أقرانه، متميّزا بتواضعه وصدقه، نشأ في أسرة صالحة على قيم الخير والفضيلة، التحق في نهاية المرحلة الثانويّة بكليّة الطب في جامعة دمشق وتخرّج منها طبيباً عام 1968، تأثّر بفكر الإمام الشهيد حسن البنا، والتحق بجماعة الإخوان المسلمين، ثم توجّه إلى انجلترا للتخصّص، ونال درجة زمالة كليّة الجراحيين الملكيّة الإيرلنديّة في طب العيون عام 1980 وانتسب إلى جمعيّة أطباء العيون البريطانيّة، واشتغل بطب العيون في انجلترا، وكان مثالاً يحتذى في الاستقامة، هاجر إلى المملكة العربيّة السعوديّة، حيث تبوّأ مكانة خاصّة كإستشاري أمراض العيون وجراحتها بمستشفى بخش بجدة عام 1988، نظم الشعر الإسلامي في سن مبكرة، وانضم إلى رابطة الأدب الإسلامي العالميّة، ورابطة أدباء الشام، نشر عدداً من الدواوين الشعريّة منها:

 

(أشواق الغرباء) عام 1988 و(حكايات أروى) عام 1996 و(تراتيل للغد الآتي) عام 1996 وله في الطب: (معجم العين وأمراضها) بالاشتراك عام 1993.

 

وكما هيّجت نخلتي ثروان المواجع عند امرأة من بني عبد الله بن دارم وكانت قد جاورت نخلتي ثروان (رواية عبد الله بن نفطويه) بالبصرة، فحنت إلى وطنها وكرهت الإقامة بالبصرة فقالت:

أيا نخلتي ثروان حنّت مفارقــي *** حفيفكما يا ليتني لا أراكما

أيا نخلتي ثروان لا مر راكب كريم*** من الأعراب إلا ما رماكما

 

هيّجتني قصيدته لماذا هجرت بلادك؟ وهي قصيدة أصيلة جميلة من الشعر العمودي، اخترتها من ديوانه (تراتيل الغد الآتي) فأحببت أن أقدمها إلى قرّاء (مجلّة الغرباء) الكرام، وليس ذلك بدعاً في الاختيارات الشعريّة لأنّ اختيار المرء جزء من نفسه.

 

لماذا هجرت بلادك؟

لماذا هجرت بلادك؟

لماذا هجرت الجواد الأصيل؟

لماذا استقلت من الحب؟

ذاك الربيع الجميل

وأقلعت عبر المدى

وسافرت في أبحر المستحيل؟

 * * *

 

تعال إلينا

تحنّ إليك زهورك رغم الذبول

يحن إليك رفاق الطفولة

أبناء حيّك.. أمّك.. أختك

والكلّ يحيا على ذكريات هواك الجميل

ألم تستمع للأذان؟

يسافر عبر المدى

ويرجع عود الصدى

ليبحث عنك وما من دليل

فتدمع عين المساجد

عند الصباح وعند الأصيل

ألست تحنّ إلينا؟

إلى ذكريات الهوى والنخيل

وتلك السواقي

ألست تحنّ إلى مائها السلسبيل؟

أما اشتقت للخوخ فوق الغصون؟

وللتين واللوز والزنجبيل

وشربة ماء بأفيائها

تبلّ الغليل وتحي العليل

 * * *

أقلي من اللوم أختاه

إنّ فؤادي عليل

وإني أعاني من الاكتئاب

ومن لوعة الاغتراب الطويل

فلا تغرسي في فؤادي السهام

ففي كل سهم حبيب قتيل

دعيني أنا ما هجرت البلاد

ولم يهدأ القلب يوم الرحيل

وأمّا بعادي

فذلك هم ثقيل

وشرح طويل

أنا ما هجرتك يا موطني

فهجرك في ملّتي مستحيل

أنا ما هجرتك حرّاً

ولكن هجرت الجراد بأرضك يغتال فيك الحقول

هجرت الغرابين تختال مرتاحة

وفوق رباك تموت البلابل كلّ الفصول

وتقضي بك الصافنات الجياد

يموت على شفتيها الأصيل

 * * *

سأرجع يوماً إليك

وأهجع في مقلتيك

سأرجع أحمل نور حروفي

وقلبي إليك الدليل

وأبذر فيك ضيائي وشمسي

وأحيا بظل ظليل

 * * *

وحتى تزول جيوش الجراد

ويحيا صهيل الجياد

فحبك يا وطني مؤلم

وهجرك يا وطني مستحيل

 * * *

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply