أي بنيّ..
خلتك يوماً تسألني عن طفولتي.. في غدوتي وروحتي.. فأعرضتُ.. وعن سؤلك صددتُ.. وأطلتَ أنت فأضنيتني.. وآلمني ضناك وأنت مني.. وما توهمي إياك إلا عن شوق.. شوق إليك ولما تجي وأمك.. ولما تشهد الدنيا عيناك الداكنتان كأبيك.. ولا خبرتها وجنتاك الورديتان كأمك..
ولمّا كنت عندي أثيراً.. فهذا كتابي.. كتبته وأنا بعمرك.. ولما يمسسني من عنت الدنيا إلا اليسير.. فادن مني.. واسمعن عني.. وعش بروحي.. وأضف عليها من ثوبك القشيب خلعة بهية..
أي بنيّ..
اعلمن أنّ عيني أبيك الضحلتين المنطفئتين هاتين ما تفتقتا إلا عن أخريين برّاقتين عميقتين.. دهماوين بهماوين.. غارت فيهما ألوف الأحلام.. والآمال الجسام.. فما أصابهما ما أصابهما إلا وقد قـرّت بهما مرائ ٍ, كثر عدد نجوم السماء.. إلا وقد رأتا من البدر وجهيه الضاوي والمضيء.. الشاب والمشوب.. الداجي والمنير.. إلا وقد عرفتا أن التمرة لحم ونواة.. نقير وقطمير.. نفيس اللآلئ بطن المحار.. وفوق السحاب يطير البخار!
أي حبيبي..
غير ما خبرتَ فيك وفي غيرك نشأتُ.. نشأتُ بأرض استوى حيها وميـتها.. عهدت فيها الطلح في حيّـنا.. وحول شواهد القبور!.. واستوت عندي فيها الظلمات والنور..وما خبرت ليلي إلا مضاءاً بالمصباح كنهاري..ونهاري مثقل بالهموم كليلي.. ولا يضيئه إلا ذكر ربك وطاعته.. وربك لا يغيض.. فالله هو الله.. في الحل والمرتحل.. في الخلوة والجلوة..
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد