هل تذكر المرأة التي سرقت صيغتها ؟


 

قصتنا لهذا اليوم تتعلق بلص محترف اسمه امريط ولد جليط ولصاحبنا هذا الكثير من الجرائم التي تقشعر منها الجلود، فهو فوق أنه لص محترف، فهو مجرم عنيد، ورجل بغيض، ومتهور شريد، وجشع عتيد، وقاتل عربيد، لا يوجد له صاحب ولا مريد، وكان امريط ولد جليط يعيش في قرية صغيرة، يستعيذ أهلها بالله من شره، فهم مستاءون من أمره.

ومن كثرة ما وقع فيه امريط من الجرائم البشعة، والأعمال الشنعة، والأطماع الجشعة، لم يعد أهل القرية يرغبون بوجوده، وأصبحوا يتجهمونه، ومن كل وجهة يطردونه، فقد تعددت جرائمه حتى وصلت كل بيت من بيوت القرية، وقد أصبحت حياة امريط في القرية أمراً صعباً، بل مستحيل، فأخذ امريط يفكر بطريقة يصلح وضعه مع الناس وإن كان لا ينوي التوبة فهو مصر على جرمه، ولكنه يريد أن يخفي أمره، فعزم امريط على الرحيل ليتجه إلى قرية أخرى، ولكن لا يريد أن يفضح أمره حتى يستطيع العيش بسلام، فماذا فعل؟ لم يجد امريط طريقة أفضل من أن يتخفى بمظهر شيخ تقي نقي، مبعداً عن الرذيلة، عاملاً بالفضيلة، متخلقاً بالأخلاق الجميلة، فأعفى امريط لحيته، وقصر ثوبه، وعمم رأسه، وحمل بيده مسبحته، وكان امريط يتجه إلى المسجد لأداء الصلاة في الجماعة، مستهماً على الصف الأول خلف إمامه.

 

وكان امريط حين تنام العيون، ويعم السكون، يخرج ليتابع جرائمه فيعيث في الأرض فساداً، ويسعى لذلك جهاده.

إلا أن عيون السلطان كانت ترقب أخا الطغيان، فظنوا أنه مصلح، وبالإيمان متسلح، فأسرعوا إلى ريسهم ينقلون له الأخبار، وإن كانت كلها وهم الأفكار.

 

قالوا يا سيدنا: إننا نراه رجلاً خطيراً، يخفي وراءه أموراً كثيرة، فهو يصلى الفجر في جماعة، فهل بعد ذلك شناعة؟ بل يحمل بيده مسبحة، وهذا دليل على أنه صاحب مذبحة، ودوماً يقرأ القرآن، وهذا دليل العصيان، ولا يشارك في الغي الرجال، ولا يخوض في الجدال، فهو دوماً وحيد، وعن المخالطة بعيد، فهل فوق تلك الأدلة دليل؟ فانظر إلى تورطه الطويل؟؟

الريس يقول: ءأتوني به في الحال، قبل أن ينوي الترحال، فهو خطير لعين، يظننا نعتقد أنه مسكين!

امريط ولد جليط يقف أمام الريس، وهو مكبل الأيدي حيران، ماذا فعلت للسلطان؟

الريس يقول: لا أهلاً ولا مرحباً، فإني أراك مُتعباً، وللسؤال متأهباً، لكن لا غرابة فهكذا كل العصابة.

 

امريط مستغرباً: ماذا فعلت سيدي؟

الريس: بدأت تُظهر الحماقة، أم تسوق الكذب سياقة، فإن لك بالمخربين علاقة، فأنت الذي للجريمة النكراء خططت، وأنت الذي لها نفذت.

 

امريط: أي جريمة تريد؟

الريس: ضرب الأهداف الغريبة، بالإضافة إلى جرائم عديدة، وقد زرعت في المؤسسات الألغام، وأفسدت على السلطان الأنام، وتهجمت على بطانته بأقسى الكلام، وكنت لأصحابك خير إمام.

 

امريط ولد جليط: ويلي ماذا دهاني؟ أي فكر أتاني؟

الريس: هيا اعترف، فأنت خارجي محترف.

 

امريط يقول متلعثماً: سيدي: أنى رجل مسكين، ولمولانا السلطان أمين.

الريس: خسئت يا كذوب، فأنت رجل لعوب.

امريط: سيدي الريس، أنا مظلوم، أنا مظلوم.

الريس: هيا تكلم، فكل شيء لدينا مكشوف، وإن كنت تعتقد أنه مظروف.

امريط في نفسه، إني في ورطة، أكاد أصاب بجلطة.

الريس قاطعاً حبل أفكار امريط، وقد دق رأسه بالحيط: هيا تكلم قبل أن أمرطك مرطاً، وأجلطك جلطاً، وإن اقتضى الأمر سأزلطك زلطاً.

امريط: سيدي يحلف امريط بشرف الريس فهو لا يعلم شيئاً عن الشرك، امريط بعد القسم: إني بريء، أنى بريء.

الريس في نفسه: هل ارتد امريط؟ لكنه يستدرك صارخاً: هيا اعترف قبل أن يلف حول رقبتك حبل المشنقة، أو يأخذ بك إلى المحرقة.

امريط المتعوس أصيب حتما بكابوس، فبعد أن أدرك الهلاك، وقال لنفسه الموت أتاك، أخذ يفكر بالنجاة وكيف توهب له الحياة؟

الريس وقد عيل صبره، وعزم أمره، ينادي على السجان، خذ هذا الجبان، والقي به في مكان، لا يدخله إنس ولا جان.

امريط يسمع كلام الريس ويقول له:

سيدي الريس: هل تذكر المرأة التي سرقت صيغتها؟

وتلك العجوز التي ذبحت بالموس؟

وذاك التاجر الذي قتله ذلك المغامر؟

 و... و... و... و...

الريس بدهشة: نعم ولكن ما شأنك أنت؟؟؟

امريط ولد جليط: أنا ذلك اللص الشريد، والقاتل العنيد.

امريط يقول صارخاً مردداً:أنا اللص المشؤوم، أنا اللص المشؤوم!!!

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply