ربما يمكننا القول أن العصر الحديث يعاني من نقص في المجددين في الأدب عمومًا .. وأن مواكبة الحضارة أضعفت الأدب القديم في كل مراحله، مما أدى إلى ظهور تيارات أدبية جديدة تتكلم بلساننا، ولكن تحوي أفكارًا دخيلة علينا لا ترتبط بأمتنا، ولا تخدم قضايانا..بل تضرب على نغمات مكررة يحسبها السامع شيئًا، فإذا تأملها وجدها جوفاء، وأصبح لهذا النوع من الأدب وهذا الصنف من الأدباء جمهوره من صغار السن والمراهقين من الجنسين، وضرب هذا الصنف على أوتار متكررة ينادي بها كل واهم ممن يجرون خلف السراب، فتارة يمجدون المرأة، وتارة يطالبون بحريتها وحقوقها، ثم يميلون عليها مرة أخرى فيجردونها من كل القيم والفضائل فلا تراها إلا عشيقة لهم ومطية لشهواتهم. ولكن مثل هذا الفكر الدخيل والمفسد للمجتمع ترفضه العقول النقية، لأسباب يمكن تصنيفها في سببين رئيسين وهما:
أولاً: المنهجية:
نحن أمة مسلمة قبل كل شيء، والداخل علينا من الأفكار ربما يمس معتقدًا فنرفضه كقول أبي العلاء المعري:
ضحكنا.. وكان الضحك منا سفاهة *** وحق لسكان البسيطة أن يبكوا
تحطمنا الأيام.. حتى كأننا زجـاج *** ولكن لا يعـاد لنا سبـــك
فهذان البيتان ربما يكونان جميلين من الناحية اللغوية، ولكنهما تنكران البعث ويخالفان أصلاً من أصول الاعتقاد، ولذلك رفضهما العلماء حتى رد عليه أحدهم بقوله:
كذبت ورب البيت.. حلفة صادق *** سيسبكها بعد النوى من له الملك
وترجع أجسامًا صحاحًا سليمـة *** تعارف في الفردوس ما عندنا شك
فكون القائل أديبًا معروفًا، أو كون الكلام شعرًا موزونًاº فإن هذا لا يعني قبول الكلام دون أن نعرضه على الشريعة، فنرى هل تقبله أو لا ؟.. وقد يكون الكلام لا يعارض معتقدًا، ولكنه يُحسِّن محرمًا ويدعو إليه ويحسن الفحشاء. فهما أمران في المنهجية إذًا:
ـ ألا يحسِّن بدعة أو أمرًا شركيًا يعارض أصلاً من أصول الدين.
ـ وألاَّ يحسِّن فحشًا أو معصية، ويدخل ضمن ذلك من يُشبّب بالنساء ويصف محاسنهنَّ بكلمات خادشة، فتراه يصف القوام والأفخاذ ومواطن العفة أو يصف خمرًا، وغير ذلك مما يخجل منه الأحرار والله المستعان.
ثانيًا: قوة المعاني والمباني:
والمعاني تخدم في قوتها المنهج الذي ذكرناه، والمباني من الأمور المتعلقة بالناحية الفنية للأدب.. قرأتُ لعدة شعراء قبل فترة كلامًا يصفونه بالشعر، ومنه على سبيل المثال: \"وأكثف رغوة من صابون الحلاقة\"!!. وكنتُ أتعجب حقيقة من هذا التصنيف الجارح للأدب والأدباء.
إن الأدب الإسلامي لا يعنيني كمادة مستقلة، بل يهمني لأنه جزء من منظومة تربوية تخدم الأمة ومصالحها وتربي أفرادها، وإلاَّ لو كنت أعنيه كمادة لاستطعنا أن نضيف بعض الشعراء ممن يتغنون باسم الدين وينظمون الأبيات ثم نجد في النهاية أنها في مولد، أو عند قبر، تبكي صاحبه، وتتبرك به، وتندب يوم وفاته ثم ترفعه إلى منزلة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، أو الصحابة - رضي الله عنهم - وأرضاهم.
وكلمة \"المثقفون العرب\" أصبحت واسعة ودخل فيها من يكتب باسمها ليهدمها، ضاربًا بكل معاني الشرع عرض الحائطº ولأن الكلمة لا تعني بالضرورة توحد المنهج فقد فتح هذا أبوابًا من الانحراف خلف أفكارًا ومعتقدات أخرى لا تعنينا كمسلمين، وأصبح المثقف المسلم يخجل من انتمائه إلى أمة التوحيد، ويرى في طرح هذا العربي أو ذاك تميزًا يتمنى أن يواكبه، دون أن يدرك أن هذا إنما يتكلم بمعتقده وأنه يخالفه في أصول الدين.
هناك أسماء أدبية لامعة تستحق منا الوقوف عندها ودراستها كأمثال \"وليد الأعظمي\"، و\"عصام العطار\"، و\"باكثير\"، و\"الكيلاني\"º وغيرهم من الأساتذة الأدباء والشعراء ممن حركت الشريعة كلماتهم فذبوا عنها في كل موطن، وعرضوا لنا فكرًا نقيًا أصيلاً يرفه عن المسلم ويحمي عرضه من الفساد. فهذه الأقلام ميّزها أمران:
ــ التوجه الصادق الموافق للشريعة.
ــ القوة من حيث المعنى والمبنى والتحكم بمواد اللغة واستخداماتها.
إن ذلك الأديب الذي يقضي وقته ليكتب ديوانًا يصف فيه عورات النساء إنما يحاول أن يهتك أستار بيوتنا ويفضح أخواتنا ونساءنا، وهذا غاية ما يريده الشهوانيون، ولا أتوقع أن رجلاً غيورًا ولو لم يكن مسلمًا يرضى أن يأتي شاعر أو كاتب فيصف عورات أهل بيته، فما بالنا انجرفنا وخدعنا خلف هذا النوع من الكتَّاب.
إننا في حاجة للأديب والكاتب المربي، الذي يكمل دور الداعية والمدرس والشيخ وعالم الذرة و...، كل واحد منهم يكمل المسيرة التربوية من خلال عمله ويأتي الأديب ليصوغ العبارة فتكون كما قال - صلى الله عليه وسلم - في شأن حسَّان بن ثابت - رضي الله عنه - في شعره: \"لهو أشد على القوم من نضح النبل\". أو كما قال - صلى الله عليه وسلم -.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد