بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
تَفَيهَق بعض الأدباء المُعَاصِرِين فَقَالُوا: لا تُشَبِّه الحُسن بِالقَمَر !
لِماذا؟
فقد أجَابُوك بِقَولهم:
لأنَّ القَمَر عِبَارَة عن عَاكِس لِضَوء الشَّمس.. وهو مُكوَّن مِن أحجَار.. فليس فيه وَجه جَمَال ليُوصَف بِه الحُسن..
وهذه فَلسَفَة باهِتَة.. وإلغَاء للعُقُول بل وللأبصَار!
قد تُنكِر العَين ضَوء الشَّمس مِن رَمَدٍ, *** ويُنكِر الفَـمُ طَعمَ المَاء مِن سَقَمِ
أليس لنا عُيون تُبصِر؟
ألَسنَا نَرى القمر ليلة البَدر في جًمالِه؟
ألَسنَا نرَى حولَه هالَة تَزيد جمَاله جَمَالا؟
بلى.. ويَراه كُلّ ذي بَصَر..
فَقُل للعُيُون الرٌّمد للشَّمس أعيُن *** تَرَاها بِحَقٍ, في مَغِيب ومَطلَعِ
وسامِح عُيونًا أطفأ الله نُوَرَها *** بأبصَارِها لا تَستَفِيق ولا تَعِـي
أمَّا كون القَمَر يَعكِس ضَوء الشَّمس إن صَحّ فهذا يَزِيده حُسناً إلى حُسنِه.. وجَمَالاً إلى جَمَالِه..
بل هذا مِمَّا يَزِيد في مَنَافِعه.
ولذا قال رَبٌّ العِزّة -سبحانه-: {تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاء بُرُوجاً وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجاً وَقَمَراً مٌّنِيراً}الفرقان61
قال القُرطبي: يَنِير الأرض إذا طَلَع.
وقال ابن كثير: (وَقَمَرًا مُنِيرًا) أي: مُشرِقًا مُضِيئًا بِنُورِ آخَر مِن غَير نُور الشَّمس. اهـ.
ألا تَرَى أنَّ الله وصَفَ الشَّمس بِالسِّرَاج {تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاء بُرُوجاً وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجاً}، {وَجَعَلَ الشَّمسَ سِرَاجاً}.. ووَصَف نَبِيَّـه -صلى الله عليه وسلم- بالسِّرَاج {يَا أَيٌّهَا النَّبِيٌّ إِنَّا أَرسَلنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً * وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذنِهِ وَسِرَاجاً مٌّنِيراً}.. للجَامِع بينَهما؟ وهو: الهِدَايَة وعُمُوم النَّفع..
وَوَصَف القَمَر بأنه "نُور" {هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمسَ ضِيَاء وَالقَمَرَ نُورا} وَوَصَف نَبِيَّـه -صلى الله عليه وسلم- بِالنٌّور.. {قَد جَاءَكُم مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ...}.
قال القرطبي: وسَمَّى نَبِيَّه نُورًا، فقال: (قَد جَاءَكُم مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ)، وهذا لأنَّ الكِتَاب يَهدِي ويُبَيِّن وكَذَلك الرَّسُول. اهـ.
إنَّ الرَّسُول لَـنُور يُستَضَاء بِهِ *** مُهَنَّد مِن سُيُوف الله مَسلُولُ
بل إنَّ تَشبِيه الإنسان بالشَّمس وَارِد في أشعَار العَرَب.. مع كَون الشَّمس مُحرِقة.. إلاَّ أنَّهم أرَادُوا الـتَّشبِيه.. والـتَّشبِيه لا يَقتَضِي المُطابَقَة بين المُشَبَّه والمُشَبَّه بِه مِن كُلّ وَجـه.
ألَم يُشَبِّه النَّابِغَة النعمَانَ بن المُنذر بالشَّمس؟
إذ يَقول:
فإنك شَمس والمُلُوك كَوَاكِب *** إذا طَلعت لم يَبدُ مِنهن كَوكَب
وشَـبَّـه النبي -صلى الله عليه وسلم- المُؤمِن بالجَمَل وبِالنَّحلَة وبِالنَّخلَة..
وفي شرح مُختَصَر الروضة للطٌّوفِي: مِثل الشَّيء مَا سَاوَاه مِن كُلّ وَجه في ذاتِه وصِفاتِه، وَشِبه الشَّيء وشَبِيهه مَا كان بَينَه وبَينَه قَدر مُشتَرَك مِن الأوصَاف". اهـ.
والـتَّشبِيه بالقَمَر وارِد في كُل ما هو حَسَن..
فقد كان رسُول الله -صلى الله عليه وسلم- يُشَـبَّـه بِالقَمَر..
قال كعب بن مالك وهو يُحَدِّث حِين تَخَلَّف عن تَبُوك: فلَمَّا سَلَّمتُ على رَسُولِ الله -صلى الله عليه وسلم- وهو يَبرُق وَجهُه مِن السٌّرُور، وكان رَسُول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا سُـرَّ استَنَارَ وَجهُه حتى كَأنه قِطعَة قَمَر، وكُـنَّا نَعرِف ذَلك مِنه. رواه البخاري ومسلم.
وَوَصَف رَسُول الله -صلى الله عليه وسلم- أوّل زُمرَة تَدخُل الجَنَّة فشّبَّهَهم بالقَمَر..
قال -عليه الصلاة والسلام-: أوَّل زُمرَة تَلِج الجَنَّة صُورَتهم عَلى صُورَة القَمَر لَيلَة البَدر.رواه البخاري ومسلم.
فالـتَّشبِيه بِالقَمَر تَشبِيه حَسَن..
وليس لِمَن مَنَع مِنه حُجَّـة قائمة..
بل حُجّته واهيـة داحِضَة..
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد