الدعوة إلى العامية واللغات الأجنبية حرب على الإسلام وتفتيت للأمة


 

بسم الله الرحمن الرحيم

حاول الاستعمار منذ بداية القرن العشرين تجزئة الأمة العربية وتفتيتها إلى دويلات لكي يضمن لنفسه البقاء جاثما على خيراتها .. وما معاهدة سايكس بيكو إلا تكريسا لذلك التقسيم فهم يعلمون يقينا أن العرب مادة الإسلام وأن تمزيقهم كأمة هو الوسيلة الفعالة للقضاء على الإسلام. لذا كانت محاولاتهم المستميتة والدائبة في هذا المسار لتفتيت أوطان العرب وإبعادهم عن أصالتهم.. وإمعانا في قطع كل رابطة تربط هؤلاء العرب حاولوا نشر لغتهم في البلاد التي استعمروها في شمال إفريقيا وفي لبنان، وفي مصر نشرت مقولة أن العرب لا يمكن لهم النهوض والسير في ركب الحضارة إلا إذا تخلوا عن عروبتهم في محاولة لصرفهم عن لغة القرآن العظيم والتراث العربي الذي يشكل كيان الأمة ووجدانها.

وسعت كتاب الله لفظاً وغايةً  * * * وما ضقت عن آي به وعظات *

واتفق في ذلك دعاة العامية فهم مُسيرون لتحقيق أهداف الأجنبي بل إن احد قضاة محكمة الاستئناف في مصر من الانجليز وهو القاضي ولمور ألف كتابا أسماه لغة القاهرة ووضع فيه قواعد واقترح اتخاذها لغة للعمل والأدب.. كما اقترح كتابتها بالحروف اللاتينية. - (لاحظ لغة القاهرة.. كم يا ترى سيكون في العالم العربي من لغة وكم سيكون عدد تلك اللغات في كل إقليم وقطر؟؟ مثلا مصر وحدها من سيسود لغة القاهرة أم الإسكندرية أم سيناء أم الصعيد والصعيد نفسه يضم لغات متعددة إذا جاز لنا تسمية اللهجات لغات)- لكن تلك المحاولات لقيت مقاومة عنيفة ضارية من أبناء الأمة الغيورين وهناك كثير من القصائد قيلت بهذا الخصوص كقصيدة حافظ إبراهيم \"اللغة العربية\"

 

أيطربكم من جانب الغرب ناعب  * * * يُنادي بؤدي في ربيع حياتي *

إن العداء للغة العربية الفصحى لم يأت من المستعمر فقط بل وأيده بشدة المستغربين من أبناء الوطن عن جهل أو تبعية للغالب بل حاول بعضهم وضع ضوابط لتلك اللهجات لاستخدامها كبديل.. وهكذا وعلى الرغم من محاولة المستعمرين وأذنابهم القضاء على تاريخ وحضارة الأمة من خلال هدم اللغة العربية وتقويض أركانها وإحداث هوة سحيقة بين الأمة العربية والقرآن الكريم الذي نزل بلسان عربي مبين إلا إن يقظة الغيورين من أبناءها أفشل مخططاتهم. وقد كان لمصطفى صادق الرافعي أكبر الأثر في ذلك فليتنا نقتدي به في حاضرنا والمعارك تشتد والخصوم في ازدياد والأمة في ضعف ما بعده ضعف، ضعف مادي وضعف فكري وتجهيل وسيطرة القتلة واللصوص من الغرب وأبناء الأمة المستغربين على موارد الأمة، كل ذلك يدعونا لاستنهاض الهمم وعدم التخلي عن مسئولياتنا أمام الله قبل الوطن فهل من مجيب؟؟

 

والمعاناة في هذا الأمر نجمت عن نوعين من الناس

أولاٌ: الطبقة المثقفة المتأثرة بالغرب.. وتلك يدفعها إعجابها بالغرب والانقياد أمام سلطة الغالب إلى إتباعه بل التدله والإعجاب بكل ما يصدر عنه حتى لو خالف العقل والدين وأولئك لهم تأثير كبير على الطبقات المتوسطة والفقيرة من الشعوب فترى الواحد منهم لا يكاد ينطق كلمة عربية إلا وأردفها بكلمة أجنبية مع أن معظمهم لا يكاد يجيد لغته الأصلية ناهيك عن إجادة تلك اللغات لكنه إعجاب وهوس بلغة المنتصر وهكذا يتكلمون بلغة مرقعة كما اسماها مصطفى الرافعي عليه - رحمة الله- .

على أن تأثير أولئك القوم لم يقتصر على الحديث فقط بل تعداه إلى المطالبة بتقليص دراسة اللغة العربية وتدريس العلوم الأخرى باللغة الانجليزية .. هذا بالطبع بضغط وتشجيع من المستعمر.. نحن نرى أن تدريس الطب في سوريا باللغة العربية لم يضعف مستوى الأطباء السوريين بل هم من أفضل الأطباء العالم العربي عموما.. ولم نر أن ألمانيا تُدرس الطب أو سائر العلوم بلغة غير اللغة الألمانية ولا فرنسا تدرس في جامعاتها بلغة غير الفرنسية... بل إن الأمر دفع ببريطانيا لدراسة الطرق التي تحمي بها لغتها الانجليزية من الانجليزية الأمريكية... فما بال أمة محمد؟؟

ولمزيد من تشجيع العامة على تقبل تلك اللغات الدخيلة نجد كبار المسئولين في الدول من الوزير إلى اقل مسئول يتعمدون استخدام تلك اللغة المرقعة كما ذكرنا أمام وسائل الإعلام لنشرها والترويج لها لدى العموم.

فلو كانت هناك إدارة حازمة لمنعت مثل تلك التجاوزات وخاصة من المسئولين الكبار لكن إذا كان رب الدار بالدف ضاربا فشيمة أهل الدار.....

إن دور أولئك المسئولين لا يقف عند هذا الحد بل تعداه إلى الترويج لنشر تلك الكلمات الغربية فيلاحظ في أي بلد عربي أن أسماء المحلات التجارية والإرشادية كتبت بلغات أجنبية معنى وحرفا ولا تجد أي كتابة باللغة العربية حقا إنه لأمر مُحزن أن تشعر بالغربة في وطنك؟؟ مع العلم أن كثيراً من الأنظمة لا يجيز كتابة أسماء المحلات إلا باللغة العربية وعند الضرورة تكتب اللغة الأجنبية تحت الكتابة العربية في زاوية و بخط لا يتجاوز ثلث حجم الخط العربي لكن لا أحد يطبقه جريا وراء الركب.. بل ما يُطبق أشد نكاية فالأسواق أصبح اسمها جالري... فهذه.... جالريا، وتلك... مول، أما السوبرماركت فأصبحت متداولة وكأنها من تاريخنا اللغوي.. وأصبحت أماكن الألعاب والمجمعات السكنية تحمل أسماء كجرين لاند.. ودزني لاند وما إلى ذلك.

وعندما تتصل بالمستشفيات.. الفنادق.. البنوك.. أو المطاعم... أو أي مؤسسة.. تُفاجأ بان المتحدث يرحب بك باللغة الانجليزية ويسألك عن ما تريد بتلك اللغة.. كما أن الحسابات والفواتير كلها باللغة الانجليزية وأين في مجتمعات يعاني ما يزيد عن 70% من السكان من الأمية قراءة وكتابة.. أليس هذا تغريبا وتضليلا ولمصلحة من كل ذلك؟؟

نذكر في هذا السياق قصة لصادق الرافعي عن حضرة صاحب السعادة ذاك الذي يدعي الثقافة و يُدخل كلمات أجنبية في حديثه أو يتحدث بلكنة أجنبية فيسميه صاحب اللغة المرقعة ويقول \"أف لهذا وأمثال هذا، أف لهم، ولما يصنعون، إن هذا الكبير يلقبونه بصاحب السعادة، و الأشرف منه والله رجل قروي ساذج لقبه حضرة صاحب الجاموسة.. نعم إنه الفلاح عندنا جاهل علم، ولكن هذا أقبح منه جهلا فإنه جاهل وطنية \" ثم إن الجاموسة وصاحبها عاملان دائبان مخلصان للوطن، فما هو عمل حضرة صاحب (اللسان المرقع) هذا؟ إن عمله أن يعلن برطانته الأجنبية أن لغة وطنه ذليلة مهينة، وأنه متجرد من الروح السياسي للغة قومه.. إذ لا يظهر الروح السياسي للغة ما إلا في الحرص عليها وتقديمها على سواها.

وكان الواجب على مثل هذا ألا يتكلم في بلاده إلا بلغته وكان الذي هو أوجب أن يتعصب لها على كل لغة تزاحمها في أرضه فترك هذا وهذا وكان هو المزاحم بنفسه فهو على أنه حضرة صاحب سعادة لا ينزل نفسه من اللغة القومية إلا منزلة خادم أجنبي في حانة.

وصنف الرافعي أولئك الأدعياء إلى طبقات واحدة تتعلق بعصر الاستبداد وأخرى تصنع نفاقا للاستعمار فهم يميلون للخضوع والذل السياسي في عهد الاحتلال فاللغة لديهم تشريف واعتبار كأنهم بها غير الشعب المحكوم الذي فقد السلطة، وثالثة تصنع ذلك لأنهم يريدون به عيب اللغة وتهجينها، لأنهم لا يحبون الدين الإسلامي إلي جعل هذه اللغة حكومة باقية في بلادهم مع كل حكومة وفوق كل حكومة وهم يزدرون هذا الدين ويسقطون عن أنفسهم كل واجباته. * (وأمثال أولئك كثير في مجتمعاتنا الحاضرة فتراهم يغلون في إقليميتهم.. مصريتهم.. عراقيتهم.. مغربيتهم.. الخ ويُسفهون بالآراء الأخرى فيما يتعلق بالدين الإسلامي)

 ثانياً: الطبقة المتأثرة باللهجات العامية.. وهؤلاء لا يقل دورهم خطورة عن المستغربين لأن لهم تأثير لا يستهان به على جميع فئات المجتمع بما فيهم البسطاء وغير المتعلمين فيُسوقون لما يسمى بالشعر العامي وينشرونه بوسائل مختلفة .. وحتى نشرات الأخبار أصبحت تذاع بتلك اللهجات أو تتضمنها . تلك التي كان لها في السابق محررون لغويون أصبحت مليئة بما غث وسمج . إن الدعوة لاستخدام العامية ليست في قطر عربي دون آخر بل هي بامتداد الوطن العربي كما في حالة نشر لغات الغرب مما يوحى بأن الأمر ليس صدفة ولا نتيجة لتغيرات اجتماعية وثقافية بل هو أمر مخطط له بدقة وجار تنفيذه بحزم.

ولعل المنادون باللهجات العامية يدركون سؤ ما يدعون إليه وضرره الساحق الماحق للأمة..

فكما قال مصطفى الرافعي \" وما ذلت لغة شعب إلا ذل، ولا انحطت إلا كان أمره في ذهاب وإدبار ومن هنا يفرض الأجنبي المستعمر لغته فرضا على الأمة المستعمرة ويركبهم بها، ويشعرهم عظمته فيها، ويستلحقهم من ناحيته، فعليهم أحكاما ثلاثة في عمل واحد، أما الأول فحبس لغتهم في لغته سجنا مؤبدا، وأما الثاني فالحكم على ماضيهم بالقتل محوا ونسيانا، وأما الثالث فتقييد مستقبلهم في الأغلال التي يصنعها فأمرهم لأمره تبع.

إن الأمة الحريصة على لغتها، الناهضة بها المعتزة بها المكبرة لشأنها هي الأمة التي لديها نزعة المقاومة والغلبة والاعتزاز بتراثها وفكرها \"

فإذا أهمل شعب لغته، وتراخى في استعمالها، وترك العامية تسيطر عليها. وآثر غيرها عليها فهذا شعب ضعيف في تكوينه فهو خادم لا مخدوم وتابع لا متبوع، ضعيف من تكاليف السيادة ولا يطيق أن يحمل عظمة ميراثه، فهو شعب أشبه بمجموعات العبيد، لا يقدرون على الاستقلال بأنفسهم، يكتفون بضرورات العيش يوضع لهم القانون الذي يحكمهم حكما أكثره الحرمان، وأقله الفائدة التي هي كالحرمان. لذلك فان لغة الأمم هي الهدف الأول للمستعمرين فإذا انقطع الشعب من نسب لغته انقطع من نسب ماضيه ورجعت قوميته صورة محفوظة في التاريخ لا صورة محققة في وجوده، ويضرب المفكر الراحل الرافعي مثلا بأن أبناء الأب الواحد إذا تكلم كل واحد منهم لغة أصبحوا أبناء ثلاثة أباء لا أبناء أب واحد وهو يضرب بلك مثلا للشعوب التي تربطها روابط أصيلة ثم يجعلهم الاستعمار يتكلمون لغات غير لغتهم الأصيلة. *

إن من يتوقف أمام تلك الظاهرة ويتأملها سيُصاب حتما بالفزع.. فالدعوات إلى استخدام اللغات الأجنبية بطول الوطن العربي وعرضه.. والدعوات إلى اللهجات المحلية والمتمثلة في نشر الشعر المحلي في كل بلد عربي. وعلى كل المستويات وهناك من يسخر من اللغة العربية الفصحى ويدعو إلى التمسك باللهجة المحلية قراءة وكتابة حتى على الشبكة العنكبوتية بل ويروجون لذلك على انه نوع من الوطنية فكل إقليم يتعصب لذاته وأصبح أبناء الأب الواحد كما تنبأ مفكرنا الراحل الرافعي وكأنهم أبناء لعدة أباء يدفعهم الحماس وعدم التروي إلى التمسك بما أراده لهم سايكس الانجليزي وبيكو الفرنسي .. إن التمسك باللهجات المحلية يؤدي إلى مهالك قد لا يستشعرها أبناء الأمة فالغرب يريد أن ننسى لغتنا الأم لغة القرآن العظيم وبالتالي ستنشأ لغات إقليمية كما في أوربا لتبقى العربية كاللغة اللاتينية لغة ميتة لا يفهمها إلا قلة.. بالتالي فإن التونسي لا يمكن أن يتفاهم مع ابن الجزيرة العربية والشامي لن يتفاهم مع المصري وهكذا... كرسوا التمزق فينا والأشنع والأخطر أن العربي لن يتمكن من قراءة القرآن الكريم إلا كما يقرأه الاندونيسي أو الهندي أو الإيراني أو التركي وغيرهم من غير الناطقين بالعربية.. لن يفهم ولن يتدبر معانيه ولن يتمكن من فهم إعجازه وقوته البيانية ناهيك عن أحكامه التي يجب على المسلم الالتزام بها في كل مناحي حياته فما الحل؟ لا بد من اللجؤ إلى شيخ يشرح ما غمض عليك أيها العربي.. هذا الشيخ قد يكون مصيبا وقد يكون مجرد شيخ مأمور ينفذ ما يتوجب عليه أمام السيد المستعمر.. ولا بأس لو نجحت تلك الدعوات بالكتابة بالحروف اللاتينية.. -\" أنظر كيف يلبسون على الناس في تفسير الآيات الكريمة ونحن لما نزل نستطيع قراءة وفهم القرآن الكريم والبحث والتنقيب \" - هكذا لن يتمكن أحد من قراءة تاريخه ولا فهم دينه بل هو بتر الأمة عن ماضيها وما تركيا عنا ببعيد، فالشباب التركي معزول عن ماضيه وتاريخه وتراثه لأنه فرض عليه استخدام الحروف اللاتينية بدلا عن العربية في الكتابة التي كانت سائدة، وهكذا لم يعد قادراً على قراءة ما كتب من عقود قريبة.. لذا يجب على مفكري الأمة حمل لواء الجهاد في كل مجال والتصدي لما يُحاك ضد هذه الأمة من مؤامرات. مع عدم إغفال تعلم ودراسة اللغات الأخرى فمن تعلم لغة قوم أمن أذاهم.

في الختام يجب أن يشعر كل منا بواجباته ومسؤولياته أمام الله - سبحانه - وأن يستخدم فكره وطاقته لخدمة أمته ولعل الحفاظ على لغة القرآن لا يقل بل يتصدر أولى واجباتنا فالمدرس والأب والشيخ والمفكر وكل إنسان مطالب بالتمسك بهويته الإسلامية وعروبته الصادقة وتصحيح المفاهيم للناس على اختلاف مشاربهم فكلكم راع وكل مسئول عن رعيته.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply