نظرةً ثانية أرميك بها وأنت تكلمها هاتفيًا..أتراها تعرف بأنني قربك أسمع ماتقوله لها من كلام أجيد تفسيره، ولو كان لغزًا محيرًا..كنتَ تكلمني هاتفيًا بنفس الطريقة من قرب أمك قبل أن نتزوج، وكنت أفهم ماترمي إليه ببساطة لتكراره كلما كنتَ في البيت مع أهلك.. كان حبًا جارفًا يوم تعاهد قلبانا عليه، ورغم كل المصاعب التي وقفت في طريقنا فقد تزوجنا، وسعدنا معًا ردحًا من الزمن.. أحببتك بكل ذرة في كياني، وكنتَ كذلك.. في عينيك الخضراوين كانت حياتي تزهر أجمل الأماني، وأعظم الآمال.. أحاول قطفها كلما تفتحت منها وردة جورية.. أحملها بحنان، وأضعها في مزهرية حبنا.. ياااه كان زمنًا مخمليًا ضمنا معًا في بيتٍ, صغير مالبث أن امتلأ بصغارنا عصافير الجنة.. ما أجملهم بعيونهم البنية والخضراء والسود والعسلية.. تعذبتُ بتربيتهم ولكن عذاب سعادة كان.. كلمة ماما كانت ترتمي بأحضان قلبي بأطنان السعادة، فتحملني إلى أجواء بديعة لايعرفها إلا أصحاب القلوب العاشقة للحب.. المترفة بنبضات المودة.. المستكينة لصدر الرحمة بأنفاس الدفء، ولمسات الحنان.. تضع السماعة وابتسامة فوق شفتيك سحرتني حدَّ التقزم عهدًا سابقا.. مابالك تمسك ابتسامتك عندما التقت عيوننا؟ أتخاف أن أظنها لي؟ لالن أفعل ذلك، فقد مضى وقتها بالنسبة لي، وحلَّ مكانها بين عينيك عقدة أكرهها لاتفارق مبسطها مادمتَ في البيت.. أذكر عندما ولدت ابني البكر.. كان جميلا.. ولكنه كان مقطبًا، فرحتُ أفرد مكان العقدة بأصابع يدي المرتجفة، وأنت وأمك تضحكان مما أفعل.. هاأنت الآن تضع العطر فوق ذقنك وحول عنقك استعدادًا للخروج من البيت.. أنظر إليك ببرود، وصورٌ من الماضي تقتحم ذاكرتي.. لن أدعك تراها ستظل سجينة رأسي الذي أتعبه التفكير بك.. اذهب حيثما شئت ولمن شئت، أمَّا أنا فسأظل هنا في بيتي بين أولادي وبناتي.. أحميهم من الرِّيح إن هبَّت عليهم، ومن الشَّمس إن اشتدَّ وهجها، ومن الليل إن جنَّ بهيمه.. أسمع صوت إغلاق الباب وراءك، فأبتسم، وأنهض من مكاني لأحضر لأطفالي طعام الغداء..
هو:
بلهاء عيناك الناعستان تقول هذا.. كانتا جميلتين يومًا ما، أو ربما كنتُ أظن ذلك، وأنا غارق في وهم حبِّك، ولكنه كان وهمًا رائعًا رغم أن الحقيقة اليوم مروِّعة.. الحقيقة أيتها الغبية أنك رفستِ النعمة برجلك، فوقعتِ بشر أعمالك.. هجرتك عاطفيًا علَّك تذوبين شوقًا لأيامٍ, خلت.. أدري ماتقوله لي عيناك، ولكنها تكذب عليك فأنا أفهمها أكثر منك.. ورغم ذلك سأظل أنظر إليك دون اكتراث.. أحرمك ابتسامتي التي كنتِ تعشقينها، ومازلتِ رغم ادعائك الكراهية لي بتصنعك المقزز هذا.. غبية وستظلين غبية.. تظنين أنني أتكلم مع امرأة أحبها.. أعرف ذلك.. عادتك السيئة هذه أفسدت عليك حياتك جعلت الشك قاسم حياتنا المشترك.. لو كنت أحب أخرى فما يمنعني من الزواج بها.. أنت لاتستطيعين فعل شيء، فقط عيون باهتة النظرات معلقة بالفراغ.. انظري إلى المرآة هل تعجبك هذه المرأة التي تقف داخلها؟ أنا لاتعجبني لأنها مهملة.. سيئة الظن.. لاتعرف صالحها من طالحها.. يالنظراتك السخيفة.. ليتك تخرجين من الغرفة.. أعلم أنك تتعذبين، وأنا أتكلم مع إحدى عميلات مكتبي.. لن أخبرك من تكون.. اجتهدي بتفسير كلامي كما تشائين.. عادة سيئة دخلتِ بها حياتي منذ أيام زواجنا الأولى، ومازلت تنحازين إليها أكثر من انحيازك للعقل.. مابال عينيك تلمعان، وأنا أنهي مخابرتي الهاتفية.. ستزداد غيرتك عندماأضع عطري المفضل وأغلق الباب ورائي.. ياااه الحمد لله خرجتُ من البيت، وبقيت أنت تصارعين عفاريت أفكارك الخادعة التي ستخرب بيتك ذات يوم، ولو بلغ عدد أولادنا المئة.
بنتهما:
انكما لا تقصدانِ إيلامي، وأنا أراكما كل يوم على هذه الحال من الصمت المقيت بينكما.. ليتني أستطيع اختراق رأسيكما اليابسينِ، وقراءة مايدور فيهما من حوار الصمت المبهم.. بل ليتكما تخترقان لمرة واحدة رأسي الصغير، وتقرآن مافيه من مذكرات لا تسرٌّ عدوًا ولا حبيبًا.. لقد تسببتما بتشتت فكري وانسلاخي عاطفيًا عنكما.. لا تستغربا ذلك، فأنا أعيش بلا قلب منذ أن أحرقتما أحاسيسي في حمأة صراعاتكما الدائمة التي يشتد لظاها لأتفه الأسباب.. أتظنان أن الحياة في بيت الأسرة هي طعام وشراب وكساء.. أشكرك يا سيدي فأنت تعمل ليل نهار لتوفر لنا حياة رفاهٍ, يحسدنا عليها الكثيرون، وأشكرك يا سيدتي على أنك تطبخين لنا كل يوم ألذ وأشهى المأكولات التي تزيدنا بدانة وكسلا.. تختارين ثيابنا من أحدث صرعات الموضة وأغلاها ثمنا لترهقيه بميزانية فوق طاقته المادية فيظلٌّ يلهث وراء كسب المال منشغلا عن التفكير بامرأة أخرى تجعله سعيدًا.. الحياة ليست طعامًا أو لباسًا، ولا مسكنًا فخمًا، ولا سيارة طولها عدة أمتار.. ليتكما قبل أن تتزوجا دخلتما دورة تدريبية لدراسة أصول الحياة العائلية السعيدة.. ليتكما تعلمتما كيفية تربية الأولاد تربية صالحة قبل أن يتخرجوا من بيت محطَّم عاطفيًا فيدخلون المجتمع عاهاتٍ, مؤذية فتزيده خرابًا.. لن أسامحكما أبدًا على ما ألقيتما في قلبي من آلام.. بسببكما تعلقت بأستاذي وها أنا ذي أقطف ثمار عملي حرقة ووجعا.. من سأخبر منكما أنه لن يتزوجني لأني كما يقول أصغره بثلاثين سنة؟ ياله من كاذب مخادع.. ماذا سأفعل بهذا القلب الذي ينوح في صدري فلا يجد أنيسًا يقاسمه همومه؟ مازلت صغيرة كما تقولان لمن يأتي لخطبتي.. هل أنا حقًا صغيرة وعمري عشرون عامًا؟! أم أنكما لا ترياني وقد اكتسيتُ شبابًا وجمالا.. هكذا قال لي سميح زميلي في الجامعة، وهو يعترف لي بحبه.. اعتذرت منه لتعلق قلبي بأستاذي الذي تقدمت به السن.. أحببته رجلا كاملا طمعًا بتعويضي شيئًا من حنان الأب والأم، ولكنه كان وغدًا رفض الزواج بي بعد عامين من انطلاق شرارة الحب بيننا.. بالله عليكما كفَّا عن المراوغة بالنظرات التي تقطِّعني.. أراكما ممثلين بارعي التمثيل تؤديان دوريكما بنجاح، كما أؤدي دوري بنجاح، والنار تجري تحت بساطِكما وأنتما لا تشعران..
بنت البحر
يكفيكم فخرًا فأحمد منكم ***وكفى به نسبًا لعزِّ المؤمن
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد