إنَّ من أكثر ما يؤلم أن ترى الغرباءَ يعيشونَ في وطنكَ وأنتَ بعيد..
وإن عُدتَ يوماً.. ستكونُ سائحاً لا محالة!!
تفغُرُ فاهكَ دهشةً على ما آلَ إليه الحيّ الذي درجتَ فيه..
وتُصدَمُ بالعمرانِ السريعِ في شارع بيتكَ القديم..
تَرى كيف يُتقِنُ الأطفالُ في الحارةِ \" الجُوانيّة \" لهجتكَ بلا لثغةٍ, أو حياء..
كيف ينظرون إليكَ كالغريب!!..
تحاولُ أن تبتسمَ في وجوههم فتصعقكَ سذاجةُ الفوارقِ التي أَطعمتكَ إياها الغربة!
لتُشكِّلَ بعضاً من طابعكَ الشخصيّ
ومزاجكَ البعيدِ كلّ البُعد عن أدمغةِ أهلِ حارتكَ في حين أنكَ تحسبُ نفسكَ مثلهم..
لا تختلف عنهم سوى بالحنينِ الذي لم يعرفوهُ قطعاً لأرضٍ, لم يشعروا بحُرقةِ غيابها..
وبرودةِ طينهم بعيداً عنها..
تجِدُ أنكَ مختلفٌ كلَّ الاختلافِ عن أشباهكَ في الوطن!!
إنَّ من أكثر ما يؤلم أن تحتقنَ ذكرياتكَ في لحظةٍ, عن عُمرِ إنسانٍ, هَرِمَ وهو ينتظرُ اليومَ
بل الساعةَ تلو الساعة ليعودَ ولو كما رحل…
المهمٌّ أن يعود! وحين يعود..
يحسَبُ أنَّ الياسمينَ سيفوحُ برائحةٍ, استثنائيةٍ, ترحيباً لقدومه..
يحسَبُ أنَّ نجوم الليلِ ستتلألأُ طويلاً كليلٍ, سعيد..
يحسَبُ أنَّ جيوشاً من العيونِ وأساطيلاً من الأيادي ستغمرُهُ وهو يترجَّلُ على أرضِ الوطن
\" كُلٌّها أحلامُ غريبٍ, \" أَقحَمتها الغُربةُ في رأسهِ ترويحاً عن مطاردةِ وطنهِ لذاكرته..
فكيفَ يفعلُ الغرباء.. ؟
وهناكَ وطنٌ في بُحَّةِ كلامهم يصهل
ووطنٌ في جدرانِ خلاياهم يسكن
يمُدٌّهم بالوعي.. لمزاولةِ الحياة
كيفَ يفعل الغرباء؟؟؟
إنَّ ما يؤلم أن يُنادى بوطنكَ عاصمةً لثقافةٍ, تأبّاها منذُ دهرٍ,..
وعرَّشَت عليه داليةَ خَصبٍ, لم تَيبَس من حملاتِ الفتكِ والتصفية..
عروقها امتدّت إليه في غُربة الجَسَدِ
لتُلهِبَ روحَهُ بنار عودةٍ, في فجرٍ, قريب
إنَّ ما يؤلم أن أرى وطني يُحتفى بهِ وأَسعَدُ بذلك..
سعادةً استثنائية…
تتوزَّعُ في شراييني من جذورِ ياسمينةٍ, امتدّت من هناك..
لتغمرني بالعطر الاحتفاليّ..
فأحتفل وحدي والوطن
تتويجاً استثنائياً أيضاً!!..
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد