طعم الذنب


 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله عليه وسلم

 حدثَ من حدثَ فقالَ: كان لنا صاحبٌ خلطناهُ بأنفسنا زمناً، كريمُ الخلقِ لينُ الطباعِ حسنُ العشرةِ، كاملُ الأدبِ، صاحبُ رعةٍ, وتقوى، لا تراهُ في الريبِ ولا تبصرهُ في مواطنِ الإثمِ. كان له وجهٌ كأن منه مطالع القمرِ إذا رأيته من مكان بعيدٍ, ارتاحت نفسك ونشطت روحك، كنا نأنسُ بالجلوسِ معهُ فهو طالبُ علمٍ, ومريدُ معرفةٍ, وصاحبُ شواردٍ, وفرائدٍ, فكان وقتهُ شطرينِ شطرٌ معنا وشطرٌ مع كتبه. كرَّ الجديدانِ ونحنُ على هذه الحال ثم بدأ اختلافهُ إلينا يقلٌّ فكنا نظنُ بادي الرأيِّ أن الرجلَ صدفَ عنا لكثرةِ شواغلهِ فعذرناهُ حتى خالجنا الشكُ لتعمدهِ ألا يرينا وجههُ وذهبَ كلٌّ جهدنا في لقائهِ باطلاً حتى تناهى إلى سمعنا أنهُ سلكَ الطريقَ الأنكبَ وجالسَ أهلَ السوءِ فلم نستطع ملاقاتهُ ولا الجلوسَ معهُ ولا ندري ما الذي طرأ عليهِ فجعلَ عاليهُ سافلهُ؟! وقد رفعنا له كتباً كثيرةً ورسائلَ عديدةً فلم يأتي لها رجعٌ. فاعترانا الهمُ وجثمَ على قلوبنا الحزنُ إذ فقدنا صاحباً فقدهُ كفقدِ الحياةِ وخروجهُ كخروجِ الروحِ. قالَ الراوي: وفي صدرِ أحدِ الأيامِ وقد أميتُ السوقَ لأبتاعَ منهُ بعضَ المتاعِ رأيتهُ من مكانٍ, قريبٍ, تأملتُ في وجهِ وهو لا يراني فكادَ عقلي أن يطيرَ من شرِّ ما رأيتُ ومن سوءِ ما وجدتُ وجهٌ أسودٌ قد أخمدتهُ المعاصي ورأسٌ منكسٌ قد تمكنَ من رُمَّتهِ إبليسٌ ولا أرى للنورينِ (نورُ الطاعةِ ونورُ اللحيةِ) مكاناً فيهِ فانتبهَ إليّ ونظرَ نظرةً في وجهي وكأنهُ يقولُ متحسراً:

لهيبُ ذنبيَ نفسي منهُ تحترقُ *** وجمرةُ الذنبِ في الأحشاءِ تلتهبُ

والروحُ ضاقت وكانت قبلُ في سعةٍ, *** كأنها من أليمِ الموتِ تضطربُ

كفَ الهوى ناظريّ ثم صيرني *** كحاطبٍ, في ظلامٍ, نالهُ عطبُ

أرخصتُ ساعاتِ عمري وهي غاليةٌ *** في لذةٍ, أثقلت ظهري...فيا عجبُ!!

قالوا:(الهوى طربٌ) خابت مزاعمهم *** فكيفَ يطربُ من في جسمهِ لهبُ

إن الهوى حسرةٌ ذلٌ ومقبرةٌ *** خوفٌ، نهايتهُ الآلامُ والنصـبُ

 فانتبهتُ فالتمستهُ فلم أجد لهُ أثراً... !

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply